وكالات (الحل) – نشر موقع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية (NPR) تقريراً يتحدث عن الصحفية والمخرجة السورية وعد الخطيب وفيلمها “من أجل سما” الذي أحرز جائزة أفضل فيلم وثائقي لهذا العام في مهرجان كان السينمائي.
فقد أبت الخطيب مغادرة سوريا رغم الكم الهائل من الموت الذي يحيط بها، إلا أنها قررت البقاء وتوثيق كل ما يحصل لتجمعه في فيلم وثائقي بعنوان “من أجل سما”، هديةً إلى طفلتها الأولى سما.
حيث تقول الخطيب في حديثها لـ NPR أنها لن تنسى أبداً تلك الأم التي كانت تصرخ في وجهها: “صوّريني! صوّريني! دعي العالم بأكمله يرى ما يحدث لنا!”، حيث كان إلى جانب تلك المرأة طفلها الرضيع والذي لا يتجاوز عمره العام ميتاً. وتستذكر الخطيب قائلة: “كانت الأم تحاول أن تخبر رضيعها بأنها أحضرت له الحليب خلال الحصار”.

ولم يكن ذلك سوى واحداً من المشاهد المدمّرة التي قامت الخطيب بتسجيلها خلال السنوات التي أعقبت اندلاع الثورة في سوريا في العام 2011. وقد فرّ منذ ذلك الحين ما يزيد عن خمسة ملايين سوري ليطلبوا اللجوء في دولٍ مختلفة حول العالم. كما تسببت الحرب بنزوح ما يزيد عن ستة ملايين شخص داخلياً. إلا أن الخطيب اختارت البقاء لتصوير كل ما يحدث حولها على مدار سنواتٍ خمسة محفوفة بالمخاطر لتحوّل مشاهدها الغريزية إلى فيلم وثائقي يحمل عنوان “من أجل سما”. الفيلم الذي كُتب كرسالة مهداة إلى طفلتها المولودة حديثاً. حيث أحرز فيلمها جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان كان السينمائي لهذا العام.

ويشكّل فيلمها سلسلة من الصور التي تجسّد الحياة اليومية و الزواج والأمومة في مدينة حلب المحاصرة، مسقط رأس الخطيب. فهي تؤرّخ يوميات عائلتها المتنامية إضافة إلى المجتمع الأكبر المكون من نشطاء المجتمع والمهنيين الذين صمدوا ولم يبرحوا المدينة مثلها. وتؤكد الخطيب ضرورة بقائها لتشهد على الأحداث فتقول: “هذا هو أهم ما يمكنني القيام به حيال هؤلاء الأشخاص، وابنتي”.
وقد استمر كذلك الدكتور حمزة الخطيب، زوج وعد الخطيب، في ممارسة مهنة الطب في حلب في الوقت الذي فرّ فيه الأطباء الآخرون من العنف. وكان الزوجان الشابان قد التقيا خلال فترة الدراسة في الجامعة قبل بدء الثورة. وقد شاركا في الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة لنظام الأسد. وفي الوقت الذي اندلعت فيه أعمال العنف، شعروا بالالتزام نحو الكفاح من أجل وطنهم وأنفسهم ومجتمعهم وابنتهم. فتقول الخطيب أنهم كانوا “عائلةً طبيعية” ترغب بالعيش “حياة طبيعية” في وقتٍ جنوني. لقد شعروا بالمسؤولية نحو المستقبل، وذلك كان بقدوم سما.
وكانت الخطيب، التي تعاونت في إخراج الفيلم مع المخرج البريطاني إدوارد واتس، هي الروائي في خلفية الفيلم. “أعتقد أن 99% من المشاهد التي تراها في الفيلم قد تم تسجيلها من قبل وعد.. لذا فإنك تعيش اللحظة وكأنك معها”، يقول واتس في حديثه لـ NPR.

وعندما حملت الخطيب بطفلتها الأولى، كان عليها وعلى حمزة أن يقررا ما إذا كانا سوف يربيان طفلهما الأول في المدينة التي أطلقا عليها اسم وطن، عندما أصبح ذلك الوطن منطقة حرب. “أدركنا أنها كانت مسؤولية كبيرة”، تقول الخطيب. وتضيف: “ولكن في الوقت نفسه، كانت تلك خطوة كبيرة بالنسبة لنا للانتماء أكثر إلى الأرض… إلى حلب كمدينة، إلى حلمنا بالحرية”. وقد وصفت قرارهم بالبقاء في حلب بأنه كان “معقّد للغاية وبسيط للغاية في الوقت ذاته”. لقد عاشت هي وزوجها لحظات من السعادة والحزن الكبيرين في حلب. حيث تقول: “لقد كبرنا مع هؤلاء الناس… نحن جزء من هذا المجتمع”. وتضيف بأنه إذا ما تركوا أحبائهم فإن ذلك سوف يكون “جحيماً” بالنسبة لهم.

ويأمل واتس بأن يعطي هذا الفيلم جرعة كبيرة من الأمل والإنسانية للسوريين الذين بقوا ضمن مناطق الصراع، فيقول: “في أصعب اللحظات يطلق الناس النكات للحفاظ على معنوياتهم، كما يحاول الناس دعم بعضهم البعض…”. ويضيف: “أردنا أن نركّز على هذه النقطة الفاصلة بين النور والظلام، والتي في حقيقة الأمر تدور حولها هذه التجربة الإنسانية للصراع”.
وسواء كانت فرحة اثنين من الأصدقاء اللذان يتشاركان لعبة البرسيم أو حفلة زفاف، فإن لقطات الخطيب تبين كيف يمكن للمجتمع أن يبقى مرناً رغم كل الظروف.
انتهى تصوير فيلم الخطيب في مدينة حلب في العام 2016 عندما اضطرت هي وعائلتها للهروب من المدينة. وبالرغم من أن العائلة تعيش اليوم في لندن، إلا أنهم يأملون بأن سوريا وحلب، المكان الذي لا تتذكره سما اليوم البالغة من العمر ثلاثة سنوات، يمكن أن يصبحا وطناً لسما ولأختها الرضيعة مجدداً في يومٍ من الأيام.

ترجمة موقع (الحل)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.