المناطق الخاضعة للمصالحات مع النظام يحكمها الموت والاختفاء والخوف

المناطق الخاضعة للمصالحات مع النظام يحكمها الموت والاختفاء والخوف

وكالات (الحل) – نشرت صحيفة “العربي الجديد”، والتي تتخذ من لندن مقراً لها، تقريراً تناولت فيه الظروف التي يعيشها السكان في مناطق المصالحات مع الحكومة السورية، مشيراً إلى أن الفرار هو الحل الوحيد لنجاة السكان في تلك المناطق بأنفسهم. فقد لجأ نظام بشار الأسد وبدعمٍ من حلفائه الروس والإيرانيين إلى استخدام الهجمات العشوائية وحرب الحصار للتفاوض مع قوات المعارضة على الاستسلام في العديد من المناطق التي كانت تسيطر الأخيرة عليها. وقد تضمنت العديد من عمليات الاستسلام التي تم التفاوض عليها، والتي بدأت منذ العام 2016، على ما يسمى “اتفاقيات المصالحة”، والتي غالباً ما كانت تعرض على الأشخاص المنتمين لقوات المعارضة. لكن في بعض الحالات أيضاً عرضت على جميع السكان الذين اختاروا البقاء في المنطقة بعد استعادة السيطرة عليها من قبل قوات النظام.

وبحسب مضمون “اتفاقيات المصالحة” فإن الأشخاص الذين اختاروا البقاء في المناطق التي استعادت قوات الأسد السيطرة عليها، ولقاء اعترافٍ مفصّل من قبلهم بانتمائهم إلى قوات المعارضة، قد حصلوا على حقوقهم وتحرروا من الاضطهاد والمضايقة والأهم من كل ذلك أنهم محررين من الالتحاق بالتجنيد الإجباري في صفوف قوات الأسد لمدّة ستة أشهر على الأقل. حيث كان من المفترض أن تضمن روسيا تطبيق تلك الاتفاقيات وتنفيذها.

وقد رحبت الحملة الدعائية لهذه الاتفاقيات بعودة النازحين السوريين، والتي غالباً ما يخدعون بها الأشخاص الأكثر استماتة والذين يعيشون في ظروف نزوحٍ صعبةٍ للغاية. من جانبها حذّرت الرابطة السورية لكرامة المواطن (SACD) مراراً وتكراراً من أن الضمانات المقدّمة بموجب اتفاقيات المصالحة تلك لا قيمة لها وأن الأناس المتواجدين في تلك المناطق يواجهون تهديدات يومية واعتقالات تعسفية كما يتعرضون للاختفاء القسري والموت. وبحسب دراسة، فإن أكبر المخاطر والمخاوف التي يواجهها الأشخاص في مناطق المصالحة هو التجنيد الإجباري في الجيش السوري.
وتفيد العديد من التقارير والشهادات التي جُمعت من قبل SACD، لإعداد تقرير عن الوضع الأمني الذي يواجه النازحين العائدين والأشخاص الذين اختاروا البقاء في مناطق المصالحة، بوجود ممارسات تعسفية بحق السكان منتشرة بشكلٍ واسع. حيث أن الأشخاص الذين دخلوا اتفاقيات المصالحة، بالإضافة إلى عائلاتهم، مطلوبين من قبل كلّ من الأفرع الأمنية كونهم على صلة بأشخاص معادين للنظام، وكذلك من قبل الجيش حيث يتم تجنيدهم ونشرهم على أكثر خطوط المواجهة خطورةً في كلّ من إدلب وحماه. حيث يتم إرسالهم وتعبئتهم فور تجنيدهم إلى الخطوط الأمامية، وغالباً ما يواجهون الموت على أيدي زملائهم السابقين.

وقد جعل النظام من التجنيد الإجباري وسيلةً للتخلص من كل من يعتبرهم عناصر معادية تقف في طريق رؤيته المتمثلة بالتوزيع الديموغرافي للسكان الموالين له. والأمثلة على طريقة النظام تلك للانتقام من الأشخاص الذين وافقوا على “المصالحة” كثيرة جداً. فقد نشرت SACD مؤخراً بحثاً يوثّق حالات وفاة مئات الشباب المجندين قسراً من مناطق المصالحة على أيدي الموالين للنظام انتقاماً لمحاولتهم الهرب من خط المواجهة أو على أيدي زملائهم وأقاربهم السابقين في المعارك الواقعة في الشمال السوري.

من جهةٍ أخرى فإن الأشخاص الموجودين في تلك المناطق يعانون من مشاكل أخلاقية ووجودية كبيرة ومحزنة. فمن جهة، يلقي بعض الناشطين باللائمة على الشبان الذين قبلوا بتوقيع اتفاقيات مصالحة والذين قبلوا بالتسوية مع النظام مقابل بقائهم في منازلهم. ومن جهةٍ أخرى، يتعاطف البعض الآخر معهم لأنهم يدركون تماماً مدى صعوبة الظروف التي عانوا منها متأكدين من أنهم سوف يتعرضون للاختفاء القسري إذا ما تقاعسوا عن الإبلاغ عن زملائهم بمجرد الالتحاق بالخدمة الإلزامية. فقد وقعوا بين نارين، نار التجنيد الإجباري ونار الاعتقال الموحش من قبل أجهزة أمن النظام إذا ما رفضوا الإبلاغ. وبغض النظر عن الخيار الذي يلجئون إليه هؤلاء الشبان، فإن النتيجة كانت فظيعة بالنسبة للكثيرين.

وبحسب شهادات أقرباء الضحايا وأصدقائهم المقربين، وسيرة حياة الضحايا ومسارهم خلال السنوات القليلة الماضية، تؤكد أن البعض منهم كانوا مقاتلين في صفوف المعارضة المسلحة. في حين عاد آخرون إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام بإغراء من الحملة الدعائية للنظام والوعود الروسية بتحقيق الأمان. ولسوء الحظ الكبير تشجّع البعض أحياناً لدى سماعهم قصص بعض المنظمات الدولية التي تعمل في سوريا. أما الضمانات الروسية التي كانت العامل الرئيسي في إقناع الكثير ممن بقوا ضمن المناطق التي خضعت لاتفاقيات المصالحة، فقد أودت بحياة الكثيرين. فالعديد من الرجال في تلك المناطق والذين رفضوا الالتحاق بالخدمة الإلزامية، اعتماداً على الضمانات الروسية بعدم إلزامهم بالخدمة في جيش الأسد لمدة ستة أشهر على الأقل من تاريخ توقيع اتفاق المصالحة، قد تم اعتقالهم أو تعرضوا للاختفاء القسري والقتل على أيدي قوات الأمن التابعة للنظام.

وفي بداية شهر آذار من العام الحالي، وفي ريف مدينة حمص بالتحديد، قتل كل من إبراهيم عبيد وطارق زكّور ومحمد طريّه وتم إرسال جثثهم إلى عائلاتهم بعد اعتقالهم بسبب رفضهم الالتحاق بالتجنيد الإجباري بعد ثلاثة أشهر من بداية اتفاقية المصالحة التي ضمنت تنفيذها روسيا. في حين لا يزال مصير العشرات، ممن اعتقلوا في ريف حمص الشمالي والذين رفضوا الالتحاق بالجيش استناداً إلى الضمانات الروسية بعد توقيعهم اتفاقيات المصالحة والقابعين في زنزانات الأسد، مجهولاً حتى اليوم.

والوضع في ريف حمص الشمالي ليس استثنائياً! فقد تلقى أهالي الغوطة الشرقية أربعة آلاف تبليغ يأمر بالالتحاق بالوحدات لأداء الخدمة العسكرية بعد “المصالحة” مباشرة. حيث يستخدم النظام التجنيد الإجباري كوسيلة لإزالة كل من يعتبرهم عناصر معادية له من طريقه. فمذكرات التبليغ تلك تصدر بالرغم من البند الواضح والصريح في الاتفاقية والذي يمنح هؤلاء الذين اختاروا البقاء مدّة ستة أشهر قبل أن يتم دعوتهم للالتحاق بالخدمة الإلزامية. وقد قرر عدد كبير من الشباب الذين اختاروا البقاء في الغوطة الشرقية إطاعة أوامر النظام تفادياً للاعتقالات التي بدأت تنفذ بحق البعض ممن رفضوا الالتحاق بالجيش.

كما تشهد مدن درعا وقراها المختلفة عشرات الحالات للتجنيد والاعتقال والتي تشكل بمجملها خرقاً لما تم الاتفاق عليه ضمن بنود “المصالحة” من جهة، ووعود الروس والنظام من جهة أخرى. حيث تعتقل قوات الأمن التابعة للنظام في درعا الأشخاص الحاملين لـ “بطاقات التسوية” بشكلٍ يومي. وقد وثّقت مجموعة أحرار حوران 683 حالة اعتقال منذ توقيع اتفاق المصالحة في شهر تموز من العام الماضي. أما الخيار الوحيد للغالبية العظمى من الشبان المتواجدين في المناطق التي خضعت لاتفاقيات المصالحة للنجاة هو الفرار، سواء كانت الوجهة لبنان أو الشمال السوري أو أي مكان آخر. حيث سيكون لديهم فرصة للبقاء على قيد الحياة على الأقل. لكن تتضاءل فرص هؤلاء الشباب بالوصول إلى بر الأمان مع تصاعد الهجوم الروسي على إدلب وازدياد المشاعر المعادية للاجئين في كل من تركيا ولبنان. فالأمر الذي يُفترض أنه كان دافعاً لعودة أعداد كبيرة من النازحين السوريين أصبح سبباً إضافياً لنزوح البعض الآخر.

وتختم صحيفة العربي الجديد تقريرها بالتأكيد على أن أجهزة النظام السوري يواصل اعتقال وقتل الأشخاص في مناطق المصالحة والذين يعتبر وجودهم يشكل تهديداً مباشراً لها. فبعد مرور عام تقريباً على توقيع اتفاق المصالحة الأخير، تتجلى قدرة الأسد بوضوح على الاستفادة من الشباب الذين اختاروا البقاء في مناطق المصالحة من خلال تجنيدهم ونشرهم على الخطوط الأمامية للجبهات الأكثر عنفاً. وبهذه الطريقة تمكن النظام من التخلص من السكان الذين كانوا أكثر نشاطاً في تلك المناطق والذين كان بإمكانهم توفير نوعاً من المقاومة لسياساته. حيث تشكل عمليات الاعتقال والقتل تلك انتهاكاً مباشراً لشروط الاتفاقيات التي ضمنت روسيا تنفيذها، كما تعتبر دليلاً على السياسات الانتقامية للنظام والتي تستهدف أي شخص كان ينتمي إلى صفوف المعارضة في السابق. وبالتالي، فإن المناطق الخاضعة لاتفاقيات المصالحة تعتبر اليوم من أكثر المناطق الغير آمنة في دولة الأسد الفاشلة. حيث تشكل عمليات الاعتقال والاختفاء القسري والتجنيد الإلزامي، والتي تصل في كثير من الأحيان إلى إصدار أحكاماً بالإعدام، أحداثاً يومية في تلك المناطق.

ترجمة موقع “الجل”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.