اللجنة الدستورية: إعلان ولادة «مؤجل» بوجهات نظر متعارضة

اللجنة الدستورية: إعلان ولادة «مؤجل» بوجهات نظر متعارضة

(الحل) – قد يتسائل البعض عن «اللجنة الدستورية» وأهميتها، بعد مضي عام ونصف تقريباً على قرارات مؤتمر “سوتشي” الذي تم فيه الاتفاق على تشكيل لجنة دستورية من ممثلي النظام والمعارضة، لإصلاح الدستور وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، ووسط إقرار عدد من الاطراف الدولية وحتى المبعوث الأممي بعرقلة النظام المستمرة لتشكل اللجنة.
يتذكر الجميع كيف تم تعديل سن رئيس الجمهورية في الدستور بـ “دقائق معدودة” عام 2000 من أربعين عاماً إلى 34 ليناسب بشار الأسد، لتتم لاحقاً إعادة سن رئيس الجمهورية، إلى الأربعين عاماً، في عام 2012، وبطريقة “دستورية”، وبالتالي فإن الحديث عن أي لجنة دستورية أو دستور جديد لايملك النظام مفاتيحة، يعتبر بمثابة تهديد مباشر له، خصوصاً وأن النظام قد اعتبر جزءاً من هذه اللجنة، ولا يملك القول الفصل فيها.

ما هي اللجنة الدستورية؟
هي مبادرة أعلنتها الأمم المتحدة للبدء بعملية سلام شاملة في سوريا، كان أول من رسم خطوطها العريضة المبعوث الأممي السابق إلى سوريا “ستافان دي مستورا” عام 2017، وذلك اعتماداً على وثائق “مؤتمر لوزان”، على أن تحوي في تشكيلها ثلاثة أقسام تتضمن ممثلين عن النظام والمعارضة، إضافة إلى جماعات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية، وكل ذلك بإشراف الأمم المتحدة.

حاولت روسيا الالتفاف على سير العملية التفاوضية، وذلك بخلق مسار تفاوضي جديد للتغطية على ملف “اللجنة الدستورية” والتحكم به على طريقتها، ودعت إلى مؤتمر “سوتشي” الذي انعقد في 30 من كانون الثاني 2018، حيث تم فيه الاتفاق على “تشكيل لجنة دستورية من ممثلي النظام والمعارضة، والمجتمع المدني لإصلاح الدستور وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي 2254 (ينص على تشكيل لجنة دستورية، ووقف إطلاق النار، وعملية انتقال سياسي).

وحسب الخطة المقترحة، فإن اللجنة الدستورية ستشكل من 150 عضوا، تختار الحكومة السورية 50 منهم في مقابل 50 تختارهم المعارضة السورية و50 يختارهم مبعوث الأمم المتحدة، ويضم الجزء الثالث هيئات المجتمع المدني والمنظات الأهلية.

في البداية وضعت الحكومة السورية عدة شروط للموافقة على اللجنة الدستورية، كان أبرزها التوقيع على تشكيلها من قبل “بشار الأسد” بوصفه رئيساً للجمهورية، وإقرارها من قبل مجلس الشعب التابع للنظام، على أن تنطلق أعمالها من العاصمة السورية دمشق، وتتثمل مهامها في تعديل دستور عام 2012 دون الحديث عن إحداث دستور جديد.
لم يستطع النظام التمسك بشروطه طويلاً أمام الضغوط الروسية التي بدورها تتلقى ضغوطاً دولية، خاصة من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، فكانت معضلة “الأسماء الستة” التي امتدت لشهور.

الأسماء الستة
بقيت مسألة تسمية “الثلث الأخير” من اللجنة الدستورية التي تضم 50 شخصية تختارها الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي محط خلاف طويل بين النظام والمعارضة، حيث يسعى النظام لأن تكون له حصة ضمن هذه القائمة، ليضمن من خلال التصويت تعيين رئيس اللجنة من قبله، ورفض المواد التي لاتناسبه، وتقلص الخلاف تدريجياً وتركز حول 6 أسماء من قائمة المجتمع المدني، واعترضت المعارضة عليهم باعتبارهم غير محايدين وموالين للنظام، وهؤلاء بمثابة “الفيتو” على أي قرار لايرغب فيه النظام.

وتعتبر هذه الخطوة بمثابة “أول إنجار” للمبعوث الدولي إلى سوريا “غير بيدرسون” والذي تسلم مهامه مع بداية العام الحالي والذي أكد حدوث إنفراج في مسألة الأسماء الستة وقال “ما تم الاتفاق عليه مع هيئة التفاوض تم الاتفاق عليه مع النظام بخصوص البنود التي تعمل على تشكيل اللجنة الدستورية، وخاصة فيما يتعلق بالإجراءات التنفيذية وآليات عملها، وأن تكون الرئاسة مشتركة من النظام والمعارضة، وكذلك نسبة التصويت بالتوافق، وفي المواضيع الخلافية لا تقل نسبة التصويت عن 75%”.

لكن النقطة الأهم في كلام بيدرسون قبل أيام كانت عن نوايا النظام عندما قال: “لا نزال ننظر إلى النظام السوري بعين الريبة، نتيجة التجارب السابقة التي تثبت محاولاته المستمرة للالتفاف على الشروط”.

لجنة «مناقشة» الدستور
يُمكن استخلاص رأي ومنهجية النظام في التعامل مع مسألة “اللجنة الدستورية” من خلال بيان وزارة خارجية النظام بعد لقاء وليد المعلم مع المبعوث الأممي “غير بيدروسون” الشهر الماضي، حيث جاء في البيان” العملية الدستورية هي شأن سوري، وهي ملك للسوريين وحدهم، وأن الشعب السوري هو وحده من يحق له قيادة هذه العملية وتقرير مستقبله، دون أي تدخل خارجي ووفقاً لمصالحه”، مؤكداً البيان على أهمية التنسيق المستمر لضمان نجاح مهمة المبعوث الخاص في تيسير الحوار السوري السوري وتسهيل عمل ما أسماها (لجنة مناقشة الدستور)، أي أن عملها مقتصر على مناقشة وتعديل مواد للدستور وليس وضع دستور جديد.

ويرى النظام أن «العملية الدستورية» ما هي إلا جزء من مجموعة ملفات يجب العمل عليها، وهو ما صرح به عضو مجلس الشعب التابع للنظام محمد خير العكام لوكالة روسيا اليوم بقوله “علينا أن لا نتفاءل خيراً كبيراً بالسير في هذا الملف، هناك ملفات أخرى وتداعيات لهذه الحرب، وعلى الدول أن تتحمل مسؤولياتها كإعادة الإعمار وإعادة المهجرين إلى مكان إقامتهم قبل هذه الحرب”.

لجنة دستورية برعاية “الأمم المتحدة”
من جانبها، تسعى المعارضة جاهدة للتمسك بقرارات الأمم المتحدة والعودة إليها في كل عملية تفاوضية مع النظام، وترى أن بيان جنيف 1 ، وقرار مجلس الأمن 2254 هو الضامن في مواجهة روسيا والنظام الذين يحاولون الالتفاف على هذه القرارات.
وعن حل معضلة “الأسماء الستة” وقرب ولادة اللجنة الدستورية، غرّد رئيس هيئة التفاوض السورية “نصر الحريري” قائلاً “اللجنة الدستورية التي نشد الروس تشكيلها في سوتشي أصبحت وراء ظهورنا، وما نحن فيه اليوم مختلف تمامًا، إذ نتحدث عن لجنة دستورية برعاية الأمم المتحدة في جنيف كجزء من التطبيق الكامل والواسع لبيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 تضم تمثيلًا من النظام وهيئة التفاوض السورية والمجتمع المدني، ولا يمكن غض الطرف عن المسائل الأخرى المتضمنة في القرار الدولي، وأهمها هيئة الحكم الانتقالي والانتخابات البرلمانية والرئاسية بإشراف الأمم المتحدة.”

بدوره يرى المتحدث باسم “هيئة التفاوض السورية” أن “روسيا تحاول إعطاء اجتماع استانة بعداً سياسياً من خلال الإشارة إلى اللجنة الدستورية، رغم عدم مناقشتنا لهذا الموضوع في جدول الأعمال”، مشيراً أن “من المحتمل إعلان المبعوث الأممي قبل نهاية الشهر الجاري عن التوصل لاتفاق حول أعضاء اللجنة وآلية عملها، ومن المتوقع أن تبدأ اللجنة أول اجتماعاتها في أيلول القادم، لكن لا تأكيدات حول الاتفاق على الأسماء الستة”.

شوائب قانونية
يقول المستشار القانوني “مجد الطباع” في حديث لموقع (الحل) عن قانونية وآلية عمل اللجنة الدستورية “في البداية يجب أن نتساءل ماهي صلاحيات هذه اللجنة في حال التوافق عليها؟ ومن يضع هذه الصلاحيات؟ فالمطلوب قبل اختيار أعضاء اللجنة وضع صلاحيات واضحة من قبل مختصين محايدين غير موجودين في اللجنة، وهو مالم يعد ممكناً”.

وأضاف الطباع “من المشاكل والثغرات القانونية في هيكلية اللجنة الدستورية هو مدة عمل اللجنة، فلم يتم ذكر هذا البند مطلقاً، وبهذا من الممكن أن تستمر لأعوام، وهو مايريده النظام وروسيا بهدف إضعاف المعارضة عسكرياً وفرض شروطها، كما يوجد نقاط تتعلق بعدد الأعضاء وكيف سيعوض النقص في حالات الوفاة والاستنكاف وغيرها من أسباب التغيب عن الاجتماعات”.
وأشار المستشار القانوني إلى أن “لايوجد صيغة قانونية لكيفية إقرار مواد الدستور التي ستنجزها اللجنة الدستورية، خصوصاً وأن النظام بات هو شبه المسيطر عسكرياً على الأرض، وبالتالي مماطلة قد تدوم لسنوات، كما يجري الآن في عرقلة كل خطوة يجري الاتفاق عليها بخصوص اللجنة وعملها”.

 

إعداد: أسامة مكية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.