يحق للرجل ما لا يحق لغيره
“كنت أبلغ الثانية والعشرين من العمر عندما تقدم مني والدي صارخاً في وجهي لأنني كنت أقف في الشارع العام مع ابن جيراننا الذي التقيته صدفة. توقفتُ متسمّرة للحظات قبل أن أستوعب المشكلة التي يحاول أبي حلها بالصراخ، وعندما فهمت أنه يريد أن يعرف عما كنا نتحدث “أمام العالم” ضحكت. أتذكر كم استفزته ضحكتي لكنني لم أستطع أن أتوقف رغم خوفي من غضبه. أجبته بكل برود: “أسأله عن أخبار الجامعة”. لأجد أخي الذي يصغرني ببضع سنوات يقفز أمامنا مشاركاً في الحديث “كلا كنتما تضحكان معاً”. أذكر أنني يومها بكيت كثيراً لأنني لم أفهم كمّ الغضب الذي انهال علي، ولم أفهم الجرم الذي ارتكبته فلطالما كان أخي يحدث صديقاته على الهاتف ويخرج معهن ويعرّفهن على أهلي. وكان الجواب على سؤالي دائماً “أخوكِ رجّال”. لا أعتقد أن هناك فتاة في مجتمعي لم تقل يوماً في قلبها أنها تتمنى لو كانت شاباً لتحصل على القليل من العدالة والحرية والثقة أيضاً. اليوم وبعد عشر سنوات من تلك الليلة ما زلت أشعر بالغضب عندما أرى أي شخص يسلب امرأة حقها بالاختيار أو بفرصة ما فقط لأنها امرأة “لا تستطيع”.

نعم أنا نسوية رغم كل التعميمات والاتهامات بأن كل النسويات “مسترجلات”، “متنمرات”، “تكرهن الرجال”، “عابسات الوجوه”، أو “شديدات النقد لكل شيء”. أنا نسوية أؤمن بأن المرأة قادرة كالرجل وربما أكثر على أن تكون منصفة عقلانية قوية صبورة متحكمة، وأؤمن أيضاً بأنها ليست الحلقة الأضعف أو السبب وراء كل شر.
لقد لاقى مصطلح “النسوية” هجوماً شديداً، ولا سيما بعدما ارتبط ببعض التيارات النسوية المتطرفة، ولكن في الواقع فإن النسوية هي الاعتراف بأن للمرأة حقوقاً وفرصاً مساوية للرجل، وذلك في مختلف مستويات الحياة العلمية، السياسية الاقتصادية، الاجتماعية، وغيرها.

أساتذة وتلميذات
يمارس الرجال بشكل مستمر مهارة تلقين النساء ما عليهن فعله والطريقة المثلى لذلك، فلا يمكن أن ترى رجلاً صامتاً جالساً إلى جانب امرأة تقود سيارة على سبيل المثال، وكم التعليمات والإرشادات الذي ينهال على رأسها لا يمكن إيقافه. أما الطامة الكبرى تبدأ عندما تريد أن تركن سيارتها، فينزل الرجل مهرولاً ليشير لها بيده “ارجعي.. كمان كمان” وكأنها عاجزة عن التصرف وحدها. ويستمر هذا التلقين حتى يصلا إلى البيت، وفي تربية الأطفال، وفي العمل، وفي طريقة قراءة الخرائط، أو حتى لصق الطابع على ظرف ما. التصحيح والتصويب والإرشاد كلها ممارسات ذكورية يتقنها الرجال ويتوقعون من المرأة تقديرها وإطاعتها بديهياً.

جنة النساء
“ضربني زوجي حتى أصبح جسدي مليئاً بالبقع السوداء المؤلمة وعندما حاولت أن أهرب منه شد شعري واغتصبني ليثبت لي أنه الرجل في المنزل. عندما أخبرت أمي خافت علي من الطلاق ومن عودتي إلى بيتهم، وأخبرتني أن الناس لن تتوقف عن الحديث عن حكايتي إذا ما سمعوا بها ولن يتزوج أحد ابنتي بسببي” تكمل رولا حكايتها “سألت المحامي وهو صديق للعائلة، ولكنه أخبرني أن القانون لن يكون في صفي إذا ما قررت أن أرفع دعوى ضد زوجي واقترح علي أن أقول أن ما تسبب بهذه البقع هو سقوطي عن الدرج، ونصحني نصيحة ‘أب’ أن أطيع زوجي وأعطيه حقوقه الجنسية كاملة كي لا أهدم بيتي بيدي”.

يدعي بعض الرجال اليوم أن النساء تعشن في “الجنة” وأنهن قد حصلن على أكثر من حقهن في الحرية والمساواة، فلا توجد امرأة لم تسمع يوماً من رجل عبارته التهكمية المتكررة “أصبح على الرجال الآن المطالبة بحق المساواة مع المرأة”، ولكن لننظر سريعاً إلى هذه الحقوق التي يتحدثون عنها: يحق للزوج أن يمارس الجنس غصباً مع زوجته ولا يحق لها الاعتراض لأن القانون لا يجرّم هذا العمل، الشرع لا يحرمه والمجتمع لا يوافق على سماع مثل هذه الشكاوي. لنحاول البحث أكثر عن الجنة التي يتحدث عنها الرجال: بخلاف الرجل لا تستطيع المرأة السورية أن تعطي ابنها\ابنتها جنسيتها فيظل الطفل في كثير من الحالات بلا جنسية يعاني من هذه اللعنة إلى أجل غير مسمى. فلنبحث أكثر، ماذا عن جريمة الزنا أو الدعارة؟ يكفي على الرجل أن يأتي بشاهد على هذا الجريمة لتتم معاقبة المرأة بالسجن سنتين، أما إن أرادت المرأة إثبات المثل على الرجل فيجب أن تحضر دليلاً مكتوباً على أنه ارتكب هذا الفعل، ولا أدري كيف لها أن تحصل على مثل هذا الدليل، والعقوبة هي السجن سنة واحدة على الأكثر. حتى على صعيد العمل، ما زالت المرأة في مجتمعي السوري تحتل مراكز أقل في العمل وتحصل على راتب أنقص وتتعرض للمضايقات والتحرشات فقط لأنها امرأة. أما آن الأوان ليفهم هذا المجتمع، بعد كل الذي أثبتته المرأة من قوة ونجاح أنها تستحق أن تكون مساوية للرجل، بجهدها لا بتفضله؟

المرأة في الثورة السورية
تلعب المرأة منذ بداية الثورة في سوريا دوراً رئيسياً يماثل الرجل بل ويتجاوزه أيضاً. لقد شاركت في المظاهرات وفي جمع التبرعات، وشراء الاحتياجات وتوزيعها، والعمل في الإغاثة والتمريض، كما ساهمت النساء في تهريب بعض الناشطين إلى خارج البلاد عبر مرافقتهن لهم حتى الحدود لتسهيل مرورهم عبر الحواجز وعدم كشف أمرهم من قبل قوات النظام. ولا بد من ذكر بعض الشخصيات النسائية، على سبيل المثال لا الحصر، اللواتي كن بمثابة أيقونات في الثورة السورية على غرار الناشطتين الحقوقيتين رزان زيتونة وسهير الأتاسي، بالإضافة إلى الفنانة الراحلة مي سكاف والكاتبة ريما فليحان.

لقد أثبتت المرأة للجميع أنها قادرة على تحمل ما لا يتحمله الكثير من الرجال. ما تعرضت له المرأة خلال الحرب من زواج قسري أو مبكر، سبي واستعباد، عدم توفر الحماية أو العناية الصحية اللازمة لها، عدم الحصول على الخدمات الأساسية، فقدان أطفالها، والعنف المنزلي المتزايد بسبب الضغط النفسي الذي يعاني منه الرجال عموماً في حالات الحروب، كلها مشكلات خطرة تجاوزتها المرأة بقوة وصمود، إضافة إلى حقيقة أن التغيير في نمط الحياة أثناء الحرب والتنقل والسفر كلها عوامل فرضت إعادة هيكلة الأسرة وتوزيع المسؤوليات من جديد خاصة مع غياب الرجل المعيل في كثير من الحالات بسبب الاعتقال أو القتل. مما زاد العبء على كاهل المرأة التي تواصل رعاية الأسرة في المنزل وتبحث لها عن موارد هارجه لتعيش بكرامة. علاوة على ذلك، بات من المعروف للجميع أن قوات الأمن السورية تستخدم العنف الجنسي ضد النساء خاصة للضغط على المعارضة، ولكن لا ينتهي عذاب المرأة عند حد الاغتصاب في المعتقل بل عليها أن تصبر وتصمد أيضاً بعد خروجها منه أمام الرفض من عائلتها وحتى من جرائم الشرف. فلا يكتفي المجتمع بوصمها بالعار وباعتبارها “بضائع تالفة” يجب استبعادها بل يسلب منها أيضاً كل حق بحرية الكلام أو الحركة أو الاختيار.
بسبب كل ما ذكرت أقول اليوم: نعم أنا نسوية أفتخر بكوني امرأة سورية، وأرفض كل هذه الممارسات ضد النساء ولا أرضى بأي مجتمع يقبل أن تكون هذه الإنسانة الجبارة المناضلة درجة ثانية فيه.

نسويون يستغلون النساء
تقول سارة “حاول م.ن أن يتحرش بي، وعندما اشتكيته للمنظمة النسائية التي يعمل بها، ما كان منهم إلا أن تحدثوا أمامي عن انجازاته في المنظمة وعن دعمه الدائم للنساء. لم تصدقنني لأنني لم أمتلك الدليل ‘الملموس’ على ادعائي. وها هو اليوم ما زال عضواً في المنظمة وما زالت النساء حوله تصفقن له من كل صوب”.
تُبنى النسوية الصحيحة على مبادئ حرية الاختيار، المساواة والعدالة بين الجنسين ولا تقوم على أي نوع من أنواع المصالح أو الأهداف الشخصية. كما أن النسوية ليست حكراً على النساء فقط، فالكثير من الرجال أيضاً يؤمنون بحق المرأة . يسعى الرجال النسويون جنباً إلى جنب مع الحركات النسائية إلى تعزيز وتمكين دور المرأة في المجتمع، ولكن للأسف لا بد من أن نكون حريصين جداً من بعض الرجال الذين نتعامل معهم في الحراك النسوي لأن عدداً من هؤلاء النسويين ما هم إلا متطفلين على الحركات النسائية بغية التقرب من “الجنس اللطيف” للتحرش بهن أو لمحاولة إغرائهن “بتفتحهم وتحررهم”. فكم يبدو هذا النسوي وديعاً ومهتماً، ولكنه في الواقع يتقرب من النساء بحجة دفاعه عن حقوقهن ليكون أول من يسلبها أو يستغلها.

قضايا النساء
من الصور النمطية المتداولة أنه على النساء أن تعملن دائماً على قضايا النساء، ولكن ما هي قضايا النساء؟ منذ زمن بعيد والنسويات الرائدات اللواتي حملن على كاهلهن مسألة الدفاع عن حقوق المرأة في فترة السبعينيات من القرن الماضي لم يفصلن قضيتهن عن القضايا الكلية المتعلقة بعمليات التحديث والتحرير الوطني من الاستعمار، واليوم في ظل الثورة لا توجد هناك قضايا خاصة بالنساء فقط فالأمان، الغذاء، الصحة، العدالة، الدستور، الجيش، تشكيل المؤسسات الأمنية والعسكرية والمشافي وكل مؤسسات الدولة هي كلها قضايا تخص النساء. المرأة تشكل نصف المجتمع وتربي نصفه الآخر ولا يمكن لمن تفعل كل ذلك بابتسامة وحب أن تكون عاجزة.

غالية مردم بك
الصورة من مجلة Lallab

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.