نفذ تنظيم «داعش» هجمات مفاجئة في الصحراء السورية مستهدفاً نقاط الجيش السوري، بمنطقة «السخنة» مع بداية هذا الأسبوع، في إشارة واضحة إلى قيامه بتحركات جديدة محتملة، مع تعاظم الأصوات داخل الجماعة «الجهادية» إلى مهاجمة سجون احتجاز عناصر التنظيم المتشدد. يعيد إلى الأذهان كما انطلق في بداياته حين قام بهذه الخطوات، أيّ التحوّل من العمليات المُعَدّة مسبقاً بخطط ودراسات اعتماداً على عوامل عدّة كانت تساعده ميدانياً، إلى أخرى هدفها الواضح اقتناص الفرص الناجمة عن ضعف خصومه من جميع الأطراف، وهذا ما بالضبط ما يخطط له مجدداً.

وتشير التقديرات إلى وجود حوالي 8 آلاف مقاتل من «داعش» تحت الأسر، ربعهم على الأقل في سجون الموجودة في المناطق التي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وأما الآخرون معظمهم بالسجون العراقية، بحسب تقرير لـ«سكاي نيوز».

مفاجأة الظهور مجدداً
عاد هذا الأسبوع «داعش» للظهور من جديد عسكرياً، مقدماً على خطوة كبيرة فاجأت الجيش السوري، ميدانياً، وإعلامياً، وعلى الرغم من عدم استطاعته تحقيق تقدم كبير في «السخنة»، لكن بعض حساباته الإعلامية أعلنت سقوط المدينة بيده، ما أدى إلى اضطراب كبير في مراكز اتخاذ القرار بدمشق، وفق مصدر مطلع.

وكالة «أعماق» الرسمية، نشرت بياناً أعلنت فيه أن رتلاً عسكرياً تابعاً للجيش السوري وروسيا وقع في كمين بريف مدينة السخنة الشمالي، يوم السبت، ما أدى إلى مقتل وجرح 15 عنصراً.

وكالة أعماق – رسمي

ووفق مصادر «داعش» الإعلامية الرسمية، فإن التنظيم دمر خمس آليات بينها رباعية الدفع، إضافة إلى إعطاب دبابة. فيما نفت مصادر خاصة لموقع «الحل نت» سيطرة الجماعة «الجهادية» على المنطقة، وقالت إنها لم تكن سوى «هجمات خاطفة» انتهت خلال ساعات، دون أضرار حقيقية، معتمدة على بعض الخلايا النائمة في التحرّك والهجوم.

من جانبه؛ نفى قائد ميداني في الجيش السوري، تعرّض أيّ من مواقعه لهجوم في السخنة، لتكون تلك الرواية شبه الرسمية لدمشق، بحسب ما نقلته صحيفة «الأهرام».

جذب المناصرين إلى جسمه الهشّ
بث تنظيم «داعش» الهشّ، صوراً لجثث مقاتلي الجيش السوري هذا الأسبوع، فيما يبدو إنها محاولة جديدة لجذب مقاتلين جدد، بعد أن فقد مناصرو «الجهاديين» الثقة بالجماعة، بعد انهيارها ولجوء قادتها إلى الهرب والاختباء عقب فشلهم بالمواجهة.

كلمة صوتية لأبو بكر البغدادي في 29 نيسان 2019

وفي 29 نيسان/ أبريل الماضي، ظهر زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، لأول مرة منذ إطلالته لإعلان «الخلافة» من الموصل، فقد ظهر جالساً على الأرض، وقد بدت عليه آثار الهزيمة، محاولاً الحصول على أيّ استعطاف، لإعادة إطلاق التجنيد، بعد أن خسر معظم مقاتليه ولجأ إلى الاختباء في مكان ما بالصحراء.

«الهول» خزان القنابل الموقوتة
وتبقى المخيمات التي تعيش فيها عوائل «داعش» القنبلة الموقوتة الأخطر، ففيها نساء لا تخفين انتماءهن للتنظيم، وأطفال تتم تربيتهم وتحضيرهم بشكل علني ليكونوا جيل «داعش» القادم. وقد يكون مشروع «الخلافة» قد انتهى، إلا أن العديدات منهنّ سواءً من المقاتلات؛ أو زوجات المقاتلين بالمخيمات، وتحديداً مخيم «الهول»، يحاولنّ إعادة إحيائه، مع غياب أيّة جهود حقيقية لبرامج فعالة لمكافحة ذلك.

إحدى زوجات داعش في مخيم الهول

وكان مصدر من الشرطة الكردية، قد أفاد بتصريح الشهر الفائت، قائلاً إن «داعش» يريد «نشر إيديولوجيته من خلال هؤلاء النساء»، ويتابع «عامر علي» بتصريح نقلته وكالة الأنباء الألمانية، أنه وحتى «الأطفال يمثلون إشكالية بالنسبة إلى القوى الأمنية… هم يرموننا بالحجارة، بتحريض من أمهاتهم اللاتي يقلنّ لهم إننا قتلنا آباءهم ودمرنا بيوتهم». ولهذه الأسباب حذرت قوات سوريا الديمقراطية باستمرار من أن أطفال هؤلاء النساء بمثابة «قنابل موقوتة». كما انتشر مطلع شهر تموز/ يوليو الماضي، شريط فيديو يكشف عن مجموعة من النساء والأطفال مجتمعين حول علم أسود لـ«داعش» معلقاً على أحد أعمدة الكهرباء في مخيم «الهول» وهم يهتفون «الله أكبر» ترميزاً للتنظيم.

دوراته «الشرعية» مستمرة بفضل نسائه
وفي حادثة جديدة؛ قالت وكالة «هاوار» للأنباء اليوم الإثنين، إن امرأتين من زوجات مقاتلين في تنظيم «داعش»، تعرضتا للضرب المبرح من قبل نساء روسيات في #مخيم_الهول شرق مدينة #الحسكة لعدم انضمامها إلى «دورة شرعية» سرية تفرضها نساء متشددات على بقية النسوة القاطنات في المخيم، وجرى ضرب النسوة على اعتبارهن من «المرتدات عن أفكار التنظيم».

مخيم الهول – خرائط غوغل

تعتبر جريمة نساء التنظيم المتشددات هذه، ليست الأولى في مخيم الهول، فقد عثرت قوى الأمن الداخلي، التابع للإدارة الذاتية، صباح اليوم الإثنين، على جثة امرأة في قسم ما يعرف بـ«المهاجرات» في أحد مجاري الصرف الصحي، قُتلت على يد نساء مقاتلي التنظيم.

ويضم مخيم «الهول» أكثر من 71 ألف شخص موزعاً بين نازحين ولاجئين وعوائل «داعش» الأجانب، ويُقدر عدد العوائل الأجانب بحوالي 11 ألف شخص بين نساء وأطفال، فيما تمتنع دولهم عن استقبالهم بالرغم من عشرات النداءات التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية، وإداراتها المدنية.

قبول التحدي
في قراءة أولية لكل ما حدث، يبدو أن هناك ثلاث سيناريوهات محتملة لعودة «داعش»، الأول الاستمرار في الحشد وتنفيذ الهجمات الصغيرة في بداية مشابهة لتأسيس مرحلة «الخلافة» لتساعده على امتلاك بعض المناطق على الأرض للتحرّك بأريحية، الثاني الهجوم على السجون لإخراج الأسرى، وهو ما دعا إليه زعيم الجماعة أبو بكر البغدادي في كلمته الأخيرة، بحيث يستطيع إعادة بعض قادته، ويظهر أنه ما يزال يمتلك إمكانات ميدانية، السيناريو الثالث الاستثمار طويل الأمد بجيل جديد في المخيمات، احتمالات جميعها تنذر بخطر عودة السرطان الذي شفيت منه سوريا بكامل جغرافيتها بتكلفة عالية.

بالمحصلة؛ هناك إجماع من واضعيّ السياسات في القضايا الشائكة كالتي بين أيدينا، أن الضرورة أحياناً تتطلب وضع إستراتيجية شاملة لعدم تكرار ما حصل، أيّ أننا بحاجة لتلك الإستراتيجية بالذات لوقف عودة ظهور تنظيم «داعش» تكون قابلة للتطبيق على المستوى السوري، ونقطة ارتكاز لهزيمة فلوله في باقي البلدان، وبالتالي تضع حداً لأيّة دعاية متطرفة هدفها الأساسي جذب عناصر ومجندين جدد، وهذه عينها التي بدأت بها نساء التنظيم في مخيم الهول خلال الأيام الماضية. ولا يمنع كل ما قيل أن يبقى العلاج الأكثر نجاحاً، والحل الأمثل للأمد الطويل في التخلص من فكر «داعش» ومحاربته باستمرار، والقضاء على خلاياه النائمة… هو تحدٍ صعب على السوريين بظل الخلاف الداخلي والدولي على مستقبل البلد، وفرض السلطة بالسلاح دون عملية ديمقراطية حقيقية في بلد ما يزال صوت السلاح- وخصوصاً الأجنبي- فيه هو الأعلى؛ لكن مع ذلك لا بد من القيام به.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.