نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً تطرقت فيه إلى الدور الروسي الجديد في سوريا إثر التطورات الأخيرة. حيث يشير التقرير إلى أن الانسحاب الأمريكي من سوريا جعل من روسيا الوسيط الجديد لمصالح الجميع، بما في ذلك إسرائيل.
فقد نشر مؤخراً نظام الأسد قواته في بلدات تل تمر ومنبج والطبقة وكوباني في شمال سوريا والتي كانت سابقاً تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. وقد بدأت تفاصيل الاتفاق المقترح، الذي يدعم استسلام الأكراد السوريين لنظام الأسد، بالتسرب. وفي الوقت الذي يستمر فيه الهجوم التركي مع تحقيق تقدم بسيط، ما تزال الولايات المتحدة تسحب قواتها إلى بر الأمان باتجاه كردستان العراق.

ويبين التقرير بأن بوتين الآن هو وسيط استراتيجي لا غنى عنه في سوريا. فلا يمكن لأي حجر من أحجار الشطرنج المتبقية في اللعبة أن تتحرك على الرقعة المكسورة بدون إشارة من السيد بوتين. فنظام الأسد مدين ببقائه لتدخل روسيا جواً في شهر أيلول من العام 2015. وقد اختارت موسكو قادة مهمين ضمن قوات الجيش والأمن السورية. فالعميد القوي والبارز سهيل حسن، قائد قوات النمر، أساسي بينهم. وعلى عكس السيد الأسد نفسه، فقد كان الجنرال الحسن القائد السوري الوحيد الذي دعي للاجتماع مع بوتين عندما زار القاعدة الجوية العسكرية في حميميم في أواخر العام 2017 للاحتفال بالانتصارات ضد تنظيم داعش في ذلك العام.

ويشير التقرير إلى أن لدى روسيا أيضاً قواتها الخاصة ضمن صفوف الجيش السوري، وبشكل خاص ضمن الفرقة الخامسة الهجومية. فبحسب داني مكّي، محلل سوري بريطاني على صلة مع الحكومة السورية، فإن تفاصيل الاتفاق بين نظام الأسد والأكراد يتضمن بنداً ينص على “إلغاء قوات سوريا الديمقراطية قسد التي يقودها الأكراد” وانضمام جميع القوات الكردية الحالية والمجموعات العسكرية إلى الفيلق الخامس الخاضع للسيطرة الروسية. إلا أن هذه النقطة تستحق الوقوف عندها للحظة لإدراك ما تعنيه. فقوات سوريا الديمقراطية تتكون من حوالي مائة ألف مقاتل متمرس. وحتى هذا الأسبوع كانت هذه القوات القوة المسلحة الوحيدة القادرة على العمل شرق الفرات. فمنذ أن ساعدت القوات الخاصة الأمريكية حلفائها في “قسد” في أواخر العام 2015، والتي تتضمن وحدات حماية الشعب (YPG) بالإضافة إلى القوات المسيحية الآشورية والقوات العربية الشعبية العشائرية، يقاتل جميعهم تحت راية واحدة، راية قسد.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية هي الممثل الرئيسي والشريك المفضل للولايات المتحدة في حملتها المنتصرة لاستعادة السيطرة على الأراضي من تنظيم داعش. ولكن فجأة بدا أن هذه القوات القوية تخضع للسيطرة الروسية.

ولا يزال الأكراد يديرون إداراتهم الذاتية شرق الفرات، متمسكين بأملٍ بائس بأن يتم إنقاذ إدارتهم هذه والحفاظ عليها قدر المستطاع. حيث كانوا قد بنوا إدارتهم بجهدٍ جهيد منذ العام 2012. وتعرف الأنظمة البعثية، السيد الأسد بالإضافة إلى صدام حسين، بمواقفها عديمة الرحمة من المشاريع الانفصالية العرقية، خاصة تلك المتعلقة بالأكراد. إلا أن للحزب الكردي الحاكم في شرق سوريا مكتب في موسكو.ومثل هذه الآمال سوف تعتمد على روسيا في بقائها، ولا يمكن أن تعتمد على أحد غيرها. كما ستعتمد تركيا أيضاً على روسيا في الحفاظ على مشروعها في الشمال السوري. فمن غير الواضح ما إذا كان هناك معرفة روسية مسبقة عن العملية التركية، لكن بسبب الانسحاب الأمريكي وسرعة الأكراد في التعامل مع الأسد، قدم العمل التركي هديتان لموسكو كانت ترجوهما منذ زمن طويل.

ويبين التقرير بأن روسيا، باعتبارها الوسيط على أرض الواقع، تواجه الآن مهمة صعبة. فيجب عليها أن تقف بصمود ضد المشروع التركي الذي قد يؤدي إلى فوضى وحتى إلى حرب بينها وبين الأسد شرقي نهر الفرات. وفي الوقت نفسه تهدف موسكو إلى السماح لتركيا بتحقيق مكاسب كافية لتسريع عملية انحرافها عن حلف شمال الأطلسي باتجاه التحالف مع روسيا. ولتحقيق ذلك، يجب على الروس أولا أن يخيفوا الأتراك ومن ثم احتوائهم بشكلٍ جزئي. فقد نجحت موسكو في إدارة هذه المناورة الحساسة على مدار العامين الماضيين غرب نهر الفرات. وسوف تحاول الآن القيام بذلك على الجانب الشرقي بينما يتجه الأمريكيون نحو الخروج.

ثم إن هناك إسرائيل وإيران. فمع مغادرة الأمريكان (باستثناء الوجود المتبقي في التنف)، سوف تنتهي السيطرة الأمريكية الجوية في سماء شرق سوريا أيضاً. فقوات سوريا الديمقراطية تطلب اليوم منطقة حظر جوي روسية على منطقة شرق الفرات لحمايتها من الضربات الجوية التركية. وإذا ما كانت إسرائيل ترغب في مواصلة حربها السرية ضد نقل الأسلحة الإيرانية وبناء البنية التحتية في سوريا، فسوف لن تكون قادرة على القيام بذلك إلا بإذن روسي في ساحة أصبحت موسكو فيها القوة الأكبر والأعمق.

فاليوم يعتمد كل من الأسد والأكراد وتركيا وإسرائيل على موافقة موسكو في تعزيز مصالحهم في سوريا. وقد تم التوصل إلى هذه النتيجة إثر المفاجئات التي حصلت في هذا الأسبوع، وكل ذلك بدون إطلاق رصاصة روسية واحدة. فجميع الطرق التي تؤدي إلى سوريا اليوم تمر عبر موسكو، ولا يمكن للسيد بوتين بأن يطالب بالمزيد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.