تستمر معاناة أهالي ريف دمشق مع استمرار سياسة الحكومة المتبعة بتجاهل المصاعب التي تصادفهم خلال محاولاتهم البدء بترميم حيواتهم والنهوض بأوضاعهم بعد سنوات الحرب.

قرى منسية وإهمال كبير
تعتبر قريتي الهبارية والدناجي في الغوطة الغربية بريف دمشق من أكثر المناطق المتضررة، وعلى الرغم من إعلانهما آمنتين منذ أكثر من عامين ونصف إلّا أنّ مايزيد عن نصف سكانهما لم يستطيعوا العودة بسبب الدمار الكبير، وعدم تنفيذ الحكومة السورية لأية مشاريع خدمية فيهما لمساعدة الأهالي على الاستقرار من جديد في منازلهم التي دمرها القصف الذي رافق الحملة العسكرية على المنطقة.

وبحسب مصادر أهلية فإنّ المؤسسات الحكومية طالبت الأهالي بتسديد ذمم مالية عن الكهرباء مقابل السنوات الفائتة، علماً أنّهم لم يستفيدوا من هذه الكهرباء بسبب التهجير وتعرض المنطقة للقصف، كما أنّ مؤسسة الكهرباء لم تنفذ أي مشروع لإيصال الكهرباء إلى القريتين بشكل نظامي، ما دفع الأهالي لاستجرار الكهرباء من مناطق أخرى، وشراء محولات تعمل على الطاقة الشمسية، بتكاليف مالية مرتفعة جداً.

وعلى الرغم من المطالبات الكثيرة للأهالي بإصلاح شبكة المياه فإنّ الوعود وانتظار الإمكانات هي الإجابة التي يلقونها من مسؤولي المؤسسة العاملين في ريف دمشق، ويحاولون تخفيف أزمة المياه من خلال تقسيم مياه الآبار فيما بينهم، وشراء كميات من السيارات الجوّالة. التي توزع المياه على المنازل.

وبحسب مصدر من وزارة الأوقاف (رفض التصريح عن اسمه) فإنّ الوزارة رفضت طلباً بدعم إصلاح المساجد المتضررة جراء القصف وعمليات التعفيش، ما دفع الأهالي لطلب مساعدات من القرى المجاورة لافتتاح مساجدهم، فحصلوا على مساعدات محدودوة من مساجد أخرى لتغطية النقص الحاصل لديهم.

الجنوب الدمشقي والعودة الزائفة
استعرضت بعض الصفحات الموالية للنظام صوراً ومقاطع مصورة لاحتفالية أقيمت بمناسبة عودة أهالي حي التضامن إلى منازلهم بعد سنوات من النزوح، لكن سرعان ما نفى الناشط المعارض “حذيفة الدمشقي” صحة هذه الأنباء، وأكدّ أنّ ما جرى احتفال شكلي نظمته ميليشيا “الدفاع الوطني” وبعض الفعاليات المدنية الموالية للنظام لإظهار سماح حكومة النظام بعودة سكان جنوبي دمشق إلى منازلهم في ظل المطالبات الكبيرة للأهالي بالسماح لهم بالعودة والاستقرار في منطقتهم.
وأشار الدمشقي إلى أنّ هذه المرة هي الثالثة التي يتم الإعلان فيها عن السماح بعودة الأهالي إلى الحي، دون تطبيقه فعلياً على الأرض، بحجة وجود إجراءات خاصة بمحافظة دمشق، وأخرى أمنية متعلقة بضبط المنطقة التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش قبل دخول قوات النظام إليها.

وبحسب ذات المصدر فإنّ أحياء أهالي حيي القدم والعسّالي أيضاً لم يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم، وذلك بسبب شمل هذه الأحياء بمشاريع عمرانية ضخمة دون استشارة سكانها، أو حتى تقديم تعويضات مالية لهم مقابل أرضهم أو منازلهم.

مصادرة ممتلكات “على عينك يا مواطن”
أكدّ المركز الإعلامي في الغوطة مصادرة قوات النظام لأكثر من 76 منزلاً تعود ملكيتها لناشطين وعناصر المعارضة المهجرين في مدينة حرستا في الغوطة الشرقية بريف دمشق، وقد تم منحها لعناصر من الأمن السياسي والمخابرات الجوية، حيث جلبوا أسرهم واستقروا في المنطقة دون مواجهة مشاكل مع السكان الذين يخشون من سلطتهم الأمنية، خصوصاً في ظل الاعتقالات المتواصلة بحق كل من يحاول رفع صوته بوجه سياسات النظام.
وبحسب ذات المصدر فإنّ النظام سيطر في وقتٍ سابق على 100 عقار في مدينة كفر بطنا، و 50 في بلدة سقبا، وعدد من المنازل في بلدة العتيبة، بحجة أنّ ملكيتها تعود لإرهابيين خرجوا من المنطقة إلى الشمال السوري، وقد هدد ضباط وعناصر النظام أقرباء مالكي المنازل المصادرة بالاعتقال في حال التدخل بشؤون “الإرهابيين”، وفق وصفهم.
كما أفاد الناشط أحمد القلموني بأنّ ميلشيا “حزب الله” اللبنانية صادرت عدداً من منازل المدنيين في كلٍ من يبرود وفليطة، وذلك بعد استقدام عدد من أسر المقاتلين في صفوفها، واستيطانهم في المنطقة من جديد بعد انسحابهم منها في وقتٍ سابق، بعد هدوء الأوضاع الأمنية في المنطقة وعجز الحزب عن تحمّل تكاليف وجودهم المرتفعة.

داريا والجهد الذاتي
على الرغم من مرور عدة سنوات على سيطرة النظام على مدينة داريا إلّأ أنّ ما نسبته 8% (حسب مصدر من مجلس المدينة المحلي) فقط تمكّنت من العودة إلى المدينة والاستقرار فيها، وذلك بسبب التجاهل الكبير من حكومة النظام لتنفيذ الإصلاحات الخدمية وإعادة الإعمار فيها، بالإضافة للإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها الأفرع الأمنية من خلال سياسة الموافقات الأمنية والعمل على إنشاء بطاقات دخول لدفعات قليلة من السكان بعد دراسات أمنية معقدة عليهم.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات والإهمال إلّا أنّ أبناء داريا من المسؤولين المحليين وحتى السكان أصرّوا على بناء مدينتهم وإصلاح ما يمكن إصلاحه لإعادتها إلى سابق عهدها، حيث تم العمل بخطة محلية لتعزيل الطرقات وإزالة الردم من الشوارع، وصيانة بعض المساجد وإصلاح بعض المحال التجارية، دون الحصول على أي دعم من حكومة النظام، التي اقتصر دورها على الموافقات بعد “الوساطات” والتصوير عند إنجاز أي عمل أو تنفيذ أي إصلاح، حسب الأهالي.

بين التجاهل والمصادرة والاعتقالات والإهمال يواجه سكان الريف الدمشقي واقعاً مأساوياً يعتبره الكثير من السكان فاتورةً تُدفع لقاء مشاركتهم في الانتفاضة الشعبية ضد النظام لسنوات، واستغلال بعض الفصائل المعارضة لمطالبهم، وعلى الرغم من تحمّلهم الكثير من تبعات هذه الانتفاضة من الموت والدمار، إلّا أنّهم يتحمّلون الجزء الأكبر من معاناة الحرب التي باتت ساحةً لتصفية الحسابات وترتيب المصالح الدولية، فهل من جهة ستعمل على تحصيل حقوقهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.