نشرت صحيفة “لاكروا” الفرنسية تقريراً عن حال اللاجئين السوريين في إقليم غويانا الفرنسي، وهو أحد أقاليم ما وراء البحار الفرنسية ويقع على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية وله حدود مع دولتي البرازيل وسورينام. فقد ازدادت أعداد المهاجرين واللاجئين القادمين من الشرق الأوسط، لاسيما السوريون منهم، الذين يصلون إلى غويانا على أمل الحصول على وضع لاجئ في فرنسا. حيث ينام الكثيرون منهم في شوارع كايين، عاصمة الإقليم، بسبب عدم وجود أماكن لإيواء كل هؤلاء المنفيين من بلادهم. وقد نددت ثلاث جمعيات إنسانية بهذا الوضع المزري في الإقليم وقامت بتحريك دعوى أمام المحكمة الإدارية.

ويشير التقرير  إلى جمالية المناظر الطبيعية في هذا الإقليم والتي هي أشبه بديكور للبطاقات البريدية. فمما لا شك فيه أنه ومع مناظر بانورامية واسعة مطلة على البحر وأكشاكه الخشبية باللونين الأحمر والأبيض، فإن غويانا تعتبر واحدة من أكثر المناظر الطبيعية رمزية. ناهيك عن صور الأجداد في غويانا وهم يلعبون لعبة البولينغ في كايين. لكن بالمقابل وعلى التلال المعشبة حيث ترتفع الأشجار التي تحمل اسم الإقليم، ينام حوالي ستين لاجئاً سورياً في الخيام منذ شهر كانون الثاني الماضي. والخيمة هناك هي عبارة عن أربع قطع من الخشب متشابكة مغطاة بطبقتين من البلاستيك الأزرق مزروعة في العشب. أما أرض الخيمة، فهي لا تتجاوز قطع من الكرتون مفروشة على الأرض للحماية من الحشرات. فالملاجئ هناك أكثر من بدائية. وأبعد قليلاً عن شاطئ البحر، نصب بضع عشرات من الفلسطينيين الخيام خلف مبنى المحافظة.

فماذا يفعل هؤلاء المنفيون من الشرق الأوسط هناك، على بعد آلاف الكيلومترات من بلدهم؟
عمل (إبراهيم) في مزرعة تفاح في ريف حمص في سوريا وقد هرب من الحرب في العام 2014. كذلك فعلت (خديجة) و زوجها مع بناتهم الأربعة، حيث فرّوا من إدلب في العام 2013 بعد أن تم اعتقال زوجها وتعذيبه على أيدي المخابرات السورية. وقد مر الجميع عبر مخيمات اللاجئين في لبنان منذ عدة سنوات. ولكن وبعد أن شنت وزارة العمل اللبنانية هجوماً على العمل غير القانوني في عام 2019، اتخذ العديد من اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين قرار الرحيل من جديد.

ولكن للذهاب إلى أين وقد باتت أوروبا حصنًا منيعًا؟ فتجيب خديجة: “بحثنا في الإنترنت عن المكان الذي يمكن أن نذهب إليه ورأينا أنه يمكننا القدوم إلى أوروبا عبر غويانا لأن البرازيل لا تزال تمنح التأشيرات”. وعند وصولها بالطائرة إلى ساو باولو، انتقلت العائلة إلى شمال البرازيل وعبرت نهر أويابوك، وهو يشكل معبر حدودي بين البرازيل وغويانا. وبذلك وصلت العائلة إلى كايين وتقدمت بطلب لجوء في عاصمة الإقليم على أمل الحصول على وضعية لاجئ في فرنسا والوصول إلى الأراضي الفرنسية فيما بعد.

ولعل الوضع الجيو سياسي لبلدهم هو الذي يبرر في حالة السوريين ارتفاع معدل الحماية والذي يتجاوز 90 ٪ من إجمالي طلبات اللجوء. وهو الأمر الذي يعطي اللاجئين السوريين أسباباً جيدة للقدوم. وهناك عدد لا بأس به من هؤلاء اللاجئين يخطط للذهاب فيما بعد للأراضي الفرنسية، كما هو حال عائلة خديجة. ويحاول الكثير من السوريين اليوم اجتياز رحلة الهجرة هذه وإن كانت غير مؤكدة العواقب. حيث يقول، مارك ديل غراندي، حاكم إقليم غويانا، بهذا الخصوص: “في العام 2016، لم يكن هناك سوى 60 طلب لجوء سوري، وقد شهد الإقليم تزايداً في العام 2019 مع أكثر من 250 طلب لجوء سوري. ومنذ شهر كانون الثاني من العام الحالي، تم تسجيل 160 طلباً جديداً للسوريين الذين بدأوا يتدفقون على الإقليم بغزارة”.

ويكشف التقرير أنه وبالرغم من ذلك، فإن الأحوال المعيشية لهؤلاء اللاجئين سيئة للغاية في إقليم غويانا. ففي هذا الإقليم الفرنسي في ما وراء البحار، يحصل طالبو اللجوء على مساعدة مالية أقل بكثير  من أولئك الموجودون على الأراضي الفرنسية. كما أن طاليي اللجوء في غويانا يواجهون بشكل خاص حالة مأساوية في كل ما يتعلق بالسكن والإيواء. حيث تقول لوسي كوريت، المسئولة عن الاستبقاء في جمعية “سيماد” في غويانا: “في الوقت الذي يُطلب فيه من الدولة تقديم الإقامة لجميع طالبي اللجوء أثناء دراسة ملفاتهم، فإنه في غويانا  يتم استيعاب أقل من 10 ٪ من طالبي اللجوء، مقارنة بـ 40 ٪ في المناطق الأخرى في فرنسا”.

وبطبيعة الحال، تقوم محافظة الإقليم بتسليط الضوء على الزيادة الجارية من 150 إلى 220 مكان إقامة للطوارئ مخصصة لطالبي اللجوء، والتي تمت إضافتها إلى ما يقرب من 280 مكان تم طلبها في الفنادق. بالإضافة إلى ذلك، تعد المحافظة بحوالي ستين وحدة سكن قيد الإنشاء. لكن مع ذلك، سيبقى الكثير من الناس ينامون في الشوارع، مع العلم أنه فقط في العام 2019، تقدم حوالي 2800 شخص جديد بطلب لجوء في الإقليم.

ويبين التقرير أنه إن كان وضع اللاجئين السوريين في ساحة “ديز أمندييه” لا يزال  ينال تضامن عدد معين من مواطني إقليم غويانا، فإن الأمر مختلف تماماً بالنسبة للجنسيات الأخرى، لاسيما أولئك القادمون من هاييتي والذين يشكلون الأغلبية بين طالبي اللجوء في غويانا اليوم. حيث يجد هؤلاء الهايتيون أنفسهم محرومين حتى من الالتجاء إلى أكواخ التنك العديدة في العاصمة كايين وما حولها.

ولعل هذا هو السبب الذي دفع ثلاث جمعيات إنسانية (سيماد وأطباء العالم ورابطة حقوق الإنسان) إلى اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة في المحكمة الإدارية للإقليم يوم الاثنين الماضي. حيث تهدف الجمعيات المذكورة إلى استصدار أمر قضائي يأمر للدولة بتحسين رعاية المتقدمين بطلبات اللجوء في الإقليم. ودون انتظار الحكم القضائي، أعلنت المحافظة أنها ستوفر إقامة ليلية في صالة للألعاب الرياضية لحوالي خمسين شخصاً من طالبي اللجوء الأكثر تعرضاً للخطر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.