نشرت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، مقالاً للكاتب برنار غويتا، يتحدث فيه عن أضرار الموقف الأوروبي السلبي من التطورات في إدلب، والنتائج السلبية لانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.

بعد غارات النظام السوري وحليفه الروسي على إدلب، قررت تركيا السماح للاجئين السوريين، الذين كانت قد وعدت بإبقائهم على أراضيها، بمواصلة مسيرتهم إلى اليونان. واليوم، يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يتخلى عن سلبيته، وأن يقدم المساعدة لهؤلاء اللاجئين، ويضع حداً للمواجهة السورية التركية.

إن التقاعس له ثمن لابد من دفعه يوماً. وقد حان الوقت لتجاوزه وفعل شيء ما. دعونا نتذكر سلسلة الأحداث التي أدت إلى الفوضى التي باتت على مشارف أوروبا. في سوريا، على الرغم من إرادة فرنسا، لم يرغب باراك أوباما في معاقبة بشار الأسد، الذي تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها أوباما نفسه. ثم جاء خليفته ترامب لينسحب إلى حد كبير من الشرق الأوسط، بينما قررت أوروبا عدم التصرف بمفردها. فاستغلت روسيا هذا الفراغ لاستعادة موطئ قدم لها في المنطقة، بالوقوف إلى جانب الأنظمة في كل من دمشق وطهران. وبذلك عادت روسيا مرة أخرى لاعباً عالمياً، بينما تراجع دور الديمقراطيات الغربية.

قرر فلاديمير بوتين إنهاء الصراع السوري. وكان لابد من سقوط إدلب القريبة من الحدود التركية، وهي الجيب الأخير للمعارضة، الذي لجأ إليه تسعمئة ألف نازح، تحت الحماية النسبية لنقاط المراقبة التركية.

وفي مجال جوي يسيطر عليه الجيش الروسي، بدأ طيران النظام السوري بقصف النازحين البائسين والمحاصرين بين فكّي كماشة، دون مستشفيات ولا إمدادات ولا حتى إمكانية الفرار، لأن تركيا أغلقت حدودها. أي لا شيء! لا شيء لأنه، باستثناء فرنسا، وألمانيا إلى حد ما، لم يفعل أحد شيئاً. وهكذا وصلنا إلى النتيجة الأخيرة للتقاعس الأوروبي والأمريكي.

أضرار الموقف السلبي

قرر رجب طيب أردوغان الانتقام من الهجوم السوري-الروسي على مواقعه الأمامية. إنه يشمّر عن ساعديه ويوجه الضربات للنظام السوري، وعلى نفس المنوال، إلى حليفه الروسي. ومن أجل حمل الأوربيين على التحرك، فتح الحدود الآن للاجئين، الذين وعد بإبقائهم على أراضيه، ليكملوا مسيرهم نحو اليونان وأوروبا. ونظراً لأن الأمر بدا أقل تكلفة بالنسبة لنا نحن للأوربيين، فضّلنا عدم التدخل. لكننا لم نعد نستطيع أن نبقى سلبيين، نحن الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لم يعد بإمكان هذا الاتحاد أن يكون مذنباً بالفشل في مساعدة تسعمئة ألف شخص في خطر، والسماح للصراعات والفوضى بالتكاثر على حدوده. فالدول السبع والعشرون، أو حتى الثماني والعشرون، إذا انضمت إلينا بريطانيا العظمى، لديها ما يكفي من القوة الجوية لإغلاق سماء هذه المنطقة على الطيران السوري، وإنهاء مأساة النازحين في إدلب، ووضع حد للاشتباكات السورية التركية، واستبعاد احتمال اندلاع صراع روسي تركي. وكذلك دفع تركيا إلى التخلي عن ابتزازها للدول الأوربية، بفتح حدودها أمام اللاجئين للوصول إلى أوربا.

الموضوع بالنسبة لنا لا يعني الإطاحة بالنظام السوري. كما أننا لن نخوض حرباً معه. لكن هذا التدخل، الذي ستدفعنا إليه الإنسانية وكذلك مصالحنا، سيضعنا في الواقع في مواجهة روسيا التي تسود اليوم السماء السورية. ويجب ألا ننسى أن هناك توازناً للقوى على الأرض، وهذا ضدنا! فالقوات الجوية الأوروبية لن تكون لديها الوسائل الكافية للتدخل دون تعبئة القوى الأمريكية من خلال حلف الناتو. وفي الوقت الذي ينسحب فيه دونالد ترامب من كل مكان، لن يكون من السهل بالتأكيد إقناعه بالتدخل معنا. ولكن لن تكون مساعدته أمراً لا غنى عنه، وقد تكون لها نتائج عكسية.

 على الأقل يمكننا أن نضغط على الولايات المتحدة من خلال رفضنا دعمها اللوجستي، وعندها سيصبح حلف الناتو بلا فائدة. وهذا أمر سيدركه الأمريكيون جيداً. المأساة في إدلب وتطوراتها تكشف عن الاختلافات في الأولويات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

بالنسبة لنا نحن الأوروبيين، فإن هذه الأزمة اختبار حقيقي. هل لدينا ما يكفي من الوضوح لفهم المخاطر التي تسببها الفوضى في خطواتنا المستقبلية؟ وهل لدينا ما يكفي من الإرادة لتحمل المسؤوليات؟ وكذلك ما يكفي من الوحدة لجعل الاتحاد الأوربي موجوداً في مواجهة التحديات التي تهدده؟ لا نعرف! إلا أن المؤكد هو أن مصلحتنا لن تتمثل في الاستهزاء بمبادئنا الإنسانية، من خلال عدم الاهتمام بمصير سكان ونازحي إدلب، أو السماح لحربين جديدتين بالتطور على حدودنا، ورؤية اليمين المتطرف وهو ينتقم من التدفقات الجديدة لللاجئين، وأن نتمزق مرة أخرى بين بلدان تحترم حق اللجوء وأنظمة تعادي اللاجئين وتحتقرهم.

الحاجة لدفاع أوروبي

عندما تتجاهل الحريق، فإنه سيتمكن منك. لذلك يجب، على الأقل، معرفة كيفية تعبئة قواتنا الجوية، في وقت نعترف فيه أخيراً بالحاجة إلى دفاع أوروبي مشترك. اليوم، هناك جنود إستونيون في مالي وجنود فرنسيون في إستونيا. حتى في وارسو، لم تعد هناك مشكلة مع فكرة الدفاع المشترك. ومع ذلك، لم نجد الإرادة المشتركة للذهاب وإقامة منطقة حظر طيران فوق إدلب؟ وإذا تخلينا عن مبدأ الدفاع الأوروبي اليوم، فإننا سنتخلى عن أي طموح في الوجود. فلنصبح إذاً، ولكن دون الحق في التصويت، رعايا أمريكيين أو خدم لدى الصين أو نعالاً لروسيا. دعونا لا نتحدث عن أوروبا موحدة لأننا في النهاية نرى ما يحدث في العالم.

أساء إيمانويل ماكرون إلى أكثر من عاصمة بالإشارة إلى “الموت السريري” لحلف الناتو. لكن ما الذي ينبغي قوله عندما يترك حلف الأطلسي ثاني أهم جيش فيه، الجيش التركي، وحده في مواجهة الجيش الروسي، الذي لولاه لما كان لبشار الأسد أن يضرب المواقع التركية؟

لا شك أن كثيرين سيقولون بإن ذلك جيد، بل وحتى مثالي، وأن رجب طيب أردوغان نال ما كان يستحقه، وعلى هذا الديكتاتور الأكثر جنوناً أن يتحمل تبعات أفعاله، لكن لا! لأنه في هذه الحالة لن يبقى هناك وجود لحلف شمال الأطلسي، ويكون قد مات بالفعل، وليس مجرد “موت سريً” فقط.

 حذار! إذا لم نفعل شيئًا، ولم نتفاعل أكثر مما حدث في جورجيا بالأمس، وفي أوكرانيا اليوم، فسيعلم الكرملين أنه لا يوجد شيء محظور عليه، لأن البيت الأبيض أصبح في مكان آخر، ولم يعد لأوروبا حتى الجرأة على الوجود.

وهكذا سنمضي إلى الحروب ولكن ونحن في أسوأ أحوالنا. كما أننا سنفوّت الفرصة لفتح مفاوضات مع روسيا، حول البحث عن طريقة عمل بين محوري قارة أوروبا: الاتحاد الأوروبي وروسيا. يجب علينا بالطبع التحدث إلى الرئيس الروسي، وهذا ضروري للبحث عن سبل للتعايش ثم التعاون. لكننا بحاجة إلى اتحاد أوربي قوي. يجب أن نكون قادرين على التفاوض مع إحدى أكبر دولة في العالم نداً لند، وألا نسمح بالنهاية المأساوية في إدلب، كما هو مقرر لها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.