نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريراً عن أهم فصائل المعارضة الموجودة في محافظة أدلب، وميولها الأيديولوجية. مركزة على مخاطر انتشار مقاتلي هذه الفصائل في العالم، إذا نجح النظام السوري بالسيطرة على آخر معاقل المعارضة.

بعد هجوم النظام السوري على آخر معاقل المعارضة في البلاد، بات أكثر من ثلاثة ملايين مدني عالقين في الحصار مع عشرات آلاف المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة، وغيرهم من المسلحين الذين جاءوا من جميع أنحاء العالم للمشاركة في الحرب الأهلية السورية.

لم يعد هناك مكان يذهب إليه هؤلاء المقاتلون المتشددون، بينما تصل الحرب السورية إلى نهايتها في محافظة إدلب، الواقعة شمال غرب سوريا على الحدود مع تركيا. إنهم محتجزون اليوم، مثلهم مثل المدنيين الذين أرهبوهم لسنوات، في أرض دائمة التقلص تحت قصف نظام بشار الأسد، المدعوم من روسيا.

هؤلاء المقاتلون يشكلون مزيجاً من المسلحين المحليين والجهاديين الأجانب، الذين بدأوا بالتوافد إلى سوريا بعد ثورة عام 2011 ضد نظام بشار الأسد، والتي تحولت فيما بعد إلى تمرد مسلح. وقد جعل هذا التوافد من سوريا إحدى المراكز الرئيسية للمتشددين على المستوى العالمي، ما دفع مبعوثاً أمريكياً كبيراً للقول إن البلاد صارت أكبر ملاذ لتنظيم القاعدة منذ أيام أسامة بن لادن في أفغانستان.

ويُعتقد أن في إدلب ما يزيد عن خمسين ألف مقاتل، من ضمنهم المقاتلون المتشددون، وكذلك عشرات الآلاف من الثوار السوريين الذين يتلقون الدعم من تركيا، ومعظمهم من ذوي الإيديولوجيات الأصولية الإسلامية. وكانت الحكومة السورية، خلال السنوات القليلة الماضية، قد عقدت اتفاقيات مع الثوار، لتسهيل مرورهم الآمن أثناء انسحابهم، بينما كانت تستعيد سيطرتها على مناطق مختلفة في جميع أنحاء البلاد. وكانت نتيجة تلك الاتفاقيات تدفق الثوار من جميع أرجاء البلاد إلى إدلب، معقل المعارضة المسلحة الأخير.

يهدف الهجوم الذي تشنه قوات الأسد بدعم من روسيا إلى استعادة السيطرة على إدلب وسحق الثوار إلى الأبد.

وفيما يلي نظرة على المقاتلين وتوجهاتهم:

المجموعات الرئيسية

“هيئة تحرير الشام”: تعتبر إلى حد بعيد أقوى الجماعات المسلحة في إدلب، وتنتمي إلى تنظيم القاعدة. تعرف أيضاً باسم “هتش”، وعلى رأسها القيادي في تنظيم القاعدة أبو محمد الجولاني.

سحقت هيئة تحرير الشام القوية عديداً من فصائل المعارضة المنافسة، وقامت بتشديد الإجراءات على السكان المدنيين، وأنشأت ما يسمى بـ “حكومة الخلاص” عام 2017، لإدارة الشؤون اليومية في المنطقة.

انبثقت هيئة تحرير الشام من جبهة النُصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، التي أعادة تسمية نفسها مرات عدة في مناسبات مختلفة، مدّعية أنها قطعت صلاتها مع تنظيم القاعدة.

في شباط/فبراير من العام 2018، عندما أصبحت هيئة تحرير الشام سورية أكثر، أنشأ معظم أفرادها الأجانب مجموعتهم الخاصة، المعروفة باسم “حرّاس الدين”. يُنظر إلى هذه المجموعة الآن على أنها الفرع الرئيسي لتنظيم القاعدة في سوريا، تتخذ مواقف متشددة، وترفض الحل السياسي لإنهاء الحرب. وينتشر معظم مقاتليها في جبال إدلب الوعرة، التي تشكل ملجأً لهم خلال الهجمات.

تعتبر إدلب كذلك موطناً لـ”الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا، الذي يتكون إلى حد كبير من آلاف الجهاديين الصينيين، معظمهم من مسلمي الإيغور، القادمين من إقليم شينجيانغ في الصين، والناطقين باللغة التركية. يتمركز تواجدهم الأساسي في مدينة جسر الشغور الإستراتيجية، بالقرب من محافظة اللاذقية، معقل آل الأسد.

يُقدر عدد المقاتلين الأجانب في إدلب بالمجمل بحوالي ثمانية آلاف مقاتل.

الجبهة الوطنية للتحرير: تحالف الثوار السوريين المدعومين من تركيا. شُكلت في العام 2018، ولعبت دوراً رئيسياً في محاربة القوات الحكومية في إدلب. تتكون المجموعة من ستة عشر فصيلاً، من ضمنهم مقاتلون أصوليون إسلاميون، يُعتقد أنهم أكثر اعتدالاً من مقاتلي المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة. “فيلق الشام” هو أحد أقوى فصائل الجبهة، يتلقى التمويل والسلاح من تركيا. وقد أصبح لاحقاً جزءاً من التحالف المدعوم من تركيا، والمعروف باسم “الجيش السوري الحر”.

نزع السلاح أو الموت

بينما يضيق الخناق حول إدلب، ليس لدى معظم المقاتلين أية خيارات سوى القتال حتى نهاية الحرب أو الموت. وسوف يحاول البعض منهم الامتزاج مع السكان المدنيين، رغم صعوبة ذلك بالنسبة للمقاتلين الأجانب.

يقول ناشطون معارضون في المنطقة إن المقاتلين السوريين المحليين بدأوا فعلياً بفصل أنفسهم عن المقاتلين الأجانب. وبحسب أكرم الأحمد، وهو ناشط سوري معارض، يقضي معظم وقته في إدلب، فإن عدداً من الجهاديين الأجانب انفصلوا عن السكان المحليين، وتحركوا باتجاه المناطق الجبلية.

وأجرى الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، لقاءاً نادراً في أواخر شهر كانون الثاني/يناير الماضي، مع مجموعة الأزمات الدولية، التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، قدم فيه هيئة تحرير الشام بوصفها مجموعة سورية محلية، مستقلة عن سلسلة القيادة التابعة لتنظيم القاعدة، وليس لها أجندة إسلامية عالمية.

وقال وائل علوان، متحدث سابق باسم مجموعة سورية ثائرة، يعمل الآن باحثاً في مركز “جسور للدراسات”، الذي يتخذ من تركيا مقراً له: “أبو محمد الجولاني  شخص واقعي جداً، جاء من جيل في تنظيم القاعدة حاول أن يكون أكثر محلية، بعكس إيديولوجية التنظيم التقليدية، التي تميل إلى أن تكون عالمية وعابرة للحدود”.

تشتت في العالم

بينما يدفع هجوم النظام السوري الوحشي المدنيين للتوجه نحو الحدود مع تركيا، يقول المحللون إن من المحتمل أن يحاول بعض المقاتلين الأجانب عبور الحدود نحو تركيا، وينتقلون من هناك إلى أجزاء أخرى من العالم، لتنفيذ هجمات لصالح تنظيم القاعدة.

من جانبه قال سام هيلر، محلل كبير في مجموعة الأزمات الدولية، إنه إذا ما استمر هجوم النظام بالتحرك على طول الطريق نحو الحدود التركية، فإن المشاهد الفوضوية قد تتصاعد، مع محاولة أعداد كبيرة من المدنيين الهروب. كما يمكن للمتشددين حينها استغلال هذه الفوضى للهروب. “إن الهجوم العسكري على إدلب يهدد بمخاطر دفع هؤلاء المسلحين نحو تركيا، ومن ثم تفرقهم على مستوى العالم، بما في ذلك أوروبا وربما بعض مناطق الفضاء السوفييتي. كما يمكن في تلك المرحلة لبعض الكوادر الأجنبية الأكثر خبرة التواصل مع متشددين في أماكن أخرى، وتصبح بذلك محفزاً للعنف الجهادي المحلي”، يضيف هيلر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.