“كورونا” في مناطق الإدارة الذاتيّة: مواجهةٌ في ظلِّ واقعٍ طبيٍّ هَشّ واستهتارٍ من الأهالي

“كورونا” في مناطق الإدارة الذاتيّة: مواجهةٌ في ظلِّ واقعٍ طبيٍّ هَشّ واستهتارٍ من الأهالي

«عدد أجهِزة التنفّس الاصطناعي في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا 30 جهاز فقط، 10 أجهزة منها موجودة في المستشفى الوطني بمدينة قامشلي، أمّا الباقي فهي موزّعة على مراكز ومستوصفات هيئة الصحّة في مناطق شمال شرقي سوريا، وهو الجهاز الأهمّ والأكثر استعمالاً في الحالات المتقدّمة للمصابين بفايروس #كورونا»، يقول مُدير #مستشفى_فرمان “إياد عبد الكريم” في مدينة قامشلي.

تلخّص هذه الإفادة، جزئيّاً، واقع القطاع الطبيّ والصحّي في شمال وشرق سوريا، ومدى جاهزيته واستعداده لمواجهةِ جائحة كورونا؛ إذ لم يكن هذا القطاع، بمنأى عن الحربِ والدمار في مناطق #الإدارة_الذاتية منذ بدايتها؛ وزادَت الهجمات التركيّة مؤخّراً على محافظتي الحسكة و#الرقّة، من هشاشةِ الوضع.

ووفقاً للإحصائيات والبيانات الّتي نشرها #مركز_آسو للاستشارات والدراسات الاستراتيجيّة، فإنّ عدد المستشفيات العامّة والخاصّة والمستوصفات، في عموم مناطق شمال وشرق سوريا يبلغ (127) مستشفى ومركز، بما فيها مدينتي #رأس_العين (سري كانييه) وتل أبيض والتي تُسيطر عليهما الفصائل السورية المسلحة المدعومة من تركيا.

وسجّلت مناطقُ الإدارة الذاتيّة، حتّى تاريخ 10 آب أغسطس، (171) حالة إصابة بفايروس كورونا، بينها (8) حالات وفاة و(10) حالات شفاء، بحسب إحصائيةٍ للهلال الأحمر الكردي.

واقع القطاع الطبيّ في مواجهة “كورونا”

بحسب إحصائية مركز (آسو)، فإن عدد أجهِزة التنفّس الاصطناعي في شمال وشرق سوريا يبلغ 100  جهاز فقط، وطبيبين اثنين مدرّبين على كيفية العمل عليها. في حين يملك الهلال الأحمر الكرديّ 55 سيّارة إسعاف في عموم مناطق الإدارة الذاتيّة، في الجزيرة العليا والرقّة ودير الزور وكوباني.

وتُعاني مناطق الإدارةِ الذاتيّة، من ضعفٍ في الإمكانيّات الطبيّة، من أجهزة وأدويّة ومراكز وعاملين في المجال الطبيّ؛ ففي مدينة قامشلي على سبيل المثال، التي تتبع لها نواحيّ ومئات القُرى، يوجد 12 غرفة عناية مشدّدة، كُل غرفة تحوي على عِدة أسرّة،  و30 جهاز تنفُّس اصطناعيّ، 10 منها في المستشفى الوطني التابع للحكومة السورية، بحيث لا يتمكّن عدد من المدنيين من المعالجة فيها، لأسباب أمنيّة متعدّدة، فيما تملك الإدارة الذاتيّة 20 جهاز موزّع على المراكز الصحيّة والمستوصفات التابعة لها.

ويقرّ “أياد عبد الكريم” مدير مستشفى (فرمان) خلال حديثه لـ (الحل نت)، بوجود «نقص في الكمّامات والكفوف الطبيّة وأجهزة المخبر، وهو ربّما يعرّض الكوادر الطبيّة لخطرِ الإصابة بالفايروس أثناء تقديم العلاج الطبيّ للمصابين».

وتُعاني مناطق الإدارةِ الذاتيّة في شمال وشرق سوريا من نقصٍ حادّ في توفّر المواد والمعدّات اللازمة للتعقيم. يقول “عبد الكريم”: « يتم تعقيم الغرف والصالونات في المستشفيات الخاصّة بمادة الكلور فقط، وفي غرف العمليات وغرفة العزل، يتمّ بمادة الفورمول وجهاز الأشعّة بالأوزون. وهنا تستعملُ الكوادر الطبيّة الكمّامات والكفوف الطبيّة فقط بشكل مستمرّ لحماية أنفسهم من الفايروس».

قرارات غير جادة من الإدارة الذاتيّة والأهالي غير مبالين

نظراً للواقع الطبيّ الهش، اتخذت الإدارة الذاتيّة، مجموعة تدابير وقائيّة واحترازيّة، وقامت بخطوات استباقيّة لمحاولة الحدّ من إمكانيّة تفشّي الفايروس في مناطق سيطرتها، بعد تزايد حالات الإصابة في الدول المجاورة لسوريا، في العراق وتركيا.

إذ فرضت حظراً للتنقّل في مناطق سيطرتها منذ يوم 21 آذار/مارس، ثمّ حظر تجوّل كامل منذ تاريخ 23 آذار/مارس.  ضمن مناطق الحسكة والرقّة وريف دير الزور الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

وفرضت هيئة الصحّة في الإدارة الذاتيّة، الحجر الصحيّ لمدة 14 يوم، لكل قادمٍ إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتيّة، من إقليم كردستان العراق، ومن مناطق سيطرة الحكومة السوريّة، ومناطق سيطرة الفصائل السوريّة الموالية لتركيا.

وأعلنت خليّة الأزمة التابعة للإدارةِ الذاتيّة، في 29 تموز، عن فرض حظر للتجوّل والتنقّل بين مدن وبلدات محافظة الحسكة خلال عطلة عيد الأضحى، بعد إعلان المجلس التنفيذي في الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا قراراً مماثلاً لمدّة عشرة أيّام.

وفي الرابع من شهر آب الجاري، أعلنت خليّة الأزمة، فرض حظر التجوّل الكامل في محافظة الحسكة لمدّة (14) يوماً، بعد ظهور حالات إصابة بفايروس كورونا في المنطقة، واستثنت الخليّة من قرارها محلّات المواد الغذائيّة والأفراد والصيدليات والمشافي ومحطات الوقود وصهاريج المياه وسيارات نقل المواد الغذائيّة والطبيّة.

ولاقى القرار الذي أصدرته الإدارة الذاتيّة، انتقادات لاذعة بسبب عدم جدوى الحظر المفروض وعدم تطبيقه والتساهل مع السكان المحليين؛ إذ أظهرت صور بعد يوم من فرض حظر التجوّل، الحركة الطبيعية للسكان في مدن وبلدات محافظة الحسكة، بالإضافةِ إلى التجمعات   الكبيرة على الأفران والمراكز الغذائيّة.

وبعد أن أصدرت الإدارةُ الذاتيّة قرارها بحظر التجوّل، تسبب توزيع مادة “الغاز” على السكان المحليين في مدينة قامشلي، بتجمعاتٍ وطوابير من الناس دون الالتزام بالتباعد الاجتماعيّ وارتداء الكمامات. ناهيك عن استمرار السكان المحليين بالزيارات العائلية وإقامة مجالس العزاء، لما لها من خطورة كبيرة لانتقال الفايروس.

ويقرّ نائب رئيس هيئة الصحّة “محمد خلف” بتقصير الإدارةِ الذاتيّة في فرض حظرٍ شامل، لكنه لفت إلى أن ذلك «غير ممكن، لما له من آثار سلبية على حياة المواطنين، خاصةً بالنسبة للعمال المياومين وأصحاب المهن الحرّة الذين سيخسرون أعمالهم وسيصعب عليهم تأمين قوت عوائلهم اليومي».

ويضيف في حديثٍ لـ (الحل نت): «الإدارة الذاتيّة أصدرت مؤخّراً قراراً بمنع الازدحات والالتزام بالتباعد الاجتماعي وعدم دخول الأماكن العامة، إلا بارتداء الكمامات وكلّفت لجنة الصحة بمراقبة ذلك وفرض الغرامات بحق المخالفين لكن الالتزام بتلك القرارات لابد أن يكون نابعاً من شعور المواطنين ومدى خشيتهم على صحّتهم».

دور دمشق في تفشّي الوباء

يعتمدُ السكان المحليون في مناطق الإدارةِ الذاتيّة على مطار قامشلي الدوليّ للذهاب والإياب من وإلى دمشق، بسبب سوء الطرق البريّة وخطورتها منذ بداية الحرب في سوريا؛ إذ يستقبل المطار بشكلٍ يوميّ، باستثناء يوم الجمعة، طائرة يوشن (وهي طائرة شحن عسكريّة روسيّة)، بالإضافةِ إلى رحلات للشركة السورية للطيران وأجنحة الشام.

ومنذ تفشّي فايروس كورونا في دول العالم، نظّمت الإدارةُ الذاتيّة والهلال الأحمر الكرديّ حواجزَ طبيّة عند مدخل مدينة قامشلي، لفحص القادمين من المطار إلى مناطق سيطرتها. إلّا أنّ وجود مناطق خارج سيطرة الإدارة، حالت دون تطبيق الفحص على كل المسافرين القادمين.

بعض المسافربن  القادمين من دمشق، يدخلون المدينة دون المرور بالحواجز الطبية، باتفاقٍ مع موظفين في المطار أو عناصر أمنية مقابل مبالغ مالية. حيث اتهمَت خليّة الأزمة التابعة للإدارةِ الذاتيّة، السلطات السورية، بالوقوف وراء ظهور حالات إصابة بفايروس كورونا في مناطق شمال وشرق سوريا، لعدم تعاونها مع اللجان الصحيّة.

ويقول “خلف”: «لا يوجد أيَّ تعاون لدمشق  بهذا الشأن. حتّى على مستوى الإصابات والاحصائيّات والأدوية».

ويضيف: «سواء بقصد أم بغير قصد، عندما تضع (300) راكب في طائرة شحن، وتأتي بهم إلى مطار قامشلي، ستحدث عدوى وينتشر الوباء بين السكان».

ماذا عن استجابة المنظّمات في دعم المنطقة؟

مع بداية شهر نيسان، افتتح #الهلال_الأحمر_الكردي، في مدينة الحسكة، بدعمٍ من عدة منظماتٍ دولية، مستشفى خاصّ باسم “كوفيد19″، يضمّ 60 سريراً، إضافة إلى اسطوانات أوكسجين ومعدّات طبيّة تُفيد في الإصابات المتوسّطة.

كما درّبت منظّمةٌ إيطاليّة، 15 كادراً من الهلال الأحمر الكرديّ بالإضافةِ إلى كوادر  أخرى، حول كيفيّة التعامل مع حالات مصابة بـ كورونا في مدينة الحسكة.

ويقول “إدريس خلو”، وهو رئيس قسم الدراسات في مركز (آسو) للاستشارات والدراسات الاستراتيجيّة: «إنّ الدعم الدولي، لا يتلائم مع الظروف الاقتصاديّة والطبيّة الموجودة في شمال وشرق سوريا؛ حيث أنّ بعض المنظّمات الدوليّة المختصّة بالقطّاع الطبيّ، قدّمت دعماً محدوداً وطارئاً لعدّة مراكز، فيما لا تزال المحاولات مستمرّة من قبل المنظّمات المدنيّة المحليّة للحصول على دعم بخصوص ملف كورونا».

ويضيف “خلو”: «المنطقة بحاجة إلى مساعدة طارئة وعاجلة، بخصوص الأجهزة الطبيّة والمستلزمات الضروريّة للسكان وللطواقم الطبيّة، فضلاً  عن دعم مشاريع للتوعية المجتمعيّة وتوزيع الكمامات الطبيّة مجاناً، بسبب الظروف الاقتصاديّة الحاليّة».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.