لَمْ يَعُد خافياً على أحد المجازر والفظائع التي ارتكبها تنظيم «داعش» بحق الطائفة الإيزيدية، ففي الرابع من آب / أغسطس 2014،  سيطر جهاديو التنظيم على منطقة سنجار وقتلوا عدداً كبيراً من الإيزيديين وسبوا العديد من النساء، بينما هرب البقية إلى جبل سنجار وحوصروا هناك لعدة أيام.

وقد مات العديد منهم هناك بسبب الجوع والعطش والمرض، إلى أن تمكّنت القوات الكردية، بدعمٍ جوي من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من تأمين هروبهم من جبل سنجار إلى مناطق أكثر أماناً.

وتسببت حملة تنظيم داعش تلك، بمقتل ما لا يقل عن 3 آلاف إيزيدي، تسبب بوجود نحو 2745 طفلاً يتيماً، واختطاف أكثر من 6 آلاف من النساء والأطفال، وتشريد 400 ألف في دهوك وأربيل وزاخو بإقليم كردستان، فضلاً عن تعرّض 1500 امرأة للاغتصاب الجماعي، وبيع 1000 منهن في أسواق النخاسة على أنهم «سبايا».

ونشر التنظيم فيديو يقول فيه إن المئات من الإيزيديات دخلن الإسلام وتظهر مجموعة منهن يرددن الشهادة ويصلين وهن محاطات برجال التنظيم الذي حرق منازل ومدارس الإيزيديين ودُور عبادتهم، حيث بلغ عدد المزارات ودور العبادة الخاصة الإيزيدية التي دمرت 68 مزاراً.

فهل يمكننا اعتبار ما جرى بحق الإيزيديين على أيدي جهاديي تنظيم داعش جريمة “إبادة جماعية”؟ 

إن مصطلح الإبادة الجماعية أو “Génocide”يتكون من كلمتین، الأولى یونانیة “Génos” وتعني الجنس أو الأمة أو القبیلة، والثانیة لاتینیة  “Cide”وتعني قتل. وتم استعمال هذا المصطلح للدلالة على الجرائم البشعة التي ارتكبها النازیون في أوروبا بحق الیهود أثناء الحرب العالمیة الثانیة.

وبالرغم من أن ميثاق نورمبورغ لعام 1945 لم يعرّف الإبادة الجماعية حينها، فإنها وردت في لائحة الاتهام والخطب الافتتاحية أثناء محاكمة كبار مسؤولي النظام النازي أمام محكمة نورمبورغ الجنائية الدولية.

وجاء أحدث تعریف لجریمة الإبادة الجماعیة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائیة الدولیة على أنه فعل من الأفعال التالیة یُرتكب بقصد إهلاك جماعة قومیة أو إثنیة أو عرقیة أو دینیة بصفتها هذه، إهلاكا كلیاً أو جزئیاً:

قتل أفراد الجماعة.

إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسیم بأفراد الجماعة.

إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشیة يُقصد بها إهلاكها الفعلي كلیاً أو جزئیاً.

فرض تدابیر تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.

نقل أطفال الجماعة عنوةً إلى جماعة أخرى.

فالإبادة الجماعية هي واحدة من عدد من الأعمال الرامية إلى إهلاك جماعات سكانية معينة عن آخرها أو القضاء على جزءٍ منها.

وقد یتداخل مفهوم جریمة الإبادة الجماعیة مع الجرائم الدولية الأخرى، كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لكن جريمة الإبادة الجماعية تظلُّ الأخطر والأكثر رمزية كون نية الإبادة هي الأساس فيها.

وبالنظر إلى تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة وتقارير العديد من المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، فإن نية تنظيم داعش «إهلاك الطائفة الإيزيدية إهلاكاً كلياً أو جزئياً» تظهر واضحة لا لبس فيها.

كما أن أفعال القتل وإلحاق الضرر الجسدي أو العقلي الجسيم بأفراد هذه الطائفة ونقل أطفالها عنوةً إلى جماعة أخرى، قد اجتمعت في جرائم التنظيم المرتكبة بحق الإيزيديين. وبالتالي، فإنه يمكن اعتبار جرائم تنظيم داعش المذكورة جرائم “إبادة جماعية”، وإن كانت كلمة الفصل تبقى للقضاء.

من جهةٍ أخرى، فإن حقيقة أن تنظيم داعش ليس منظمة معترف بها دولياً؛ لا يحول دون وصف ما ارتكبه التنظيم بحق الإيزيديين بـ “الإبادة الجماعية”. فما جرى هو بالفعل جريمة دولية تُنسب إلى جهاديي التنظيم، وليس بالضرورة أن يتصرف هؤلاء الجهاديون باسم دولة أو منظمة معترف بها دولياً.

وقد سبق وأن حوكم “راتكو ملاديتش” أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي عن مذبحة (سربرنيتسا)، حيث حكم عليه بالسجن المؤبّد بعد إدانته بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، في الوقت الذي كان فيه “ملاديتش” قائد في جيش جمهورية صرب البوسنة غير المعترف بها.

مما لا شك فيه، أن توصيف المجازر المرتكبة بحق الإيزيديين بأنها “إبادة جماعية” يمكن أن يكون له أهمية كبيرة وعواقب متعددة، أهمها البُعد الرمزي والتاريخي لهذا التوصيف، ناهيك عن أن عقوبة الجناة ستكون أشد وأن الكثير من هؤلاء الجناة ينتمون لدول غربية.

وبما أن المحكمة الجنائية الدولية باتت واقعاً، فقد جعلت من الفرد أحد رعايا القانون الدولي، كذلك فإن الاختصاص العالمي الذي يمارسه القضاء في العديد من دول العالم لاسيما بعض الدول الأوروبية، يفتح الباب واسعاً أمام الضحايا وذويهم لملاحقة الجناة ومحاكمتهم.

وإذا علمنا بأن ما جرى للإيزيديين على أيدي جهاديي تنظيم داعش ليس “الإبادة” الأولى لهذه الطائفة عبر التاريخ، وأن هذه الطائفة لا تزال تعاني الأمرّين في سوريا على يد مرتزقة تركيا من الجهاديين، فإن الإيزيديين يحتاجون اليوم لإرساء مؤسسة اجتماعية قانونية تساعدهم على التعبير عن الظلم الذي قاسوه، وإيجاد آليات لإرساء العدالة، ولو بعد حين. ولعلَّ توصيف الجرائم التي وقعت عام 2014 وما بعده بـ “الإبادة الجماعية” قد يجعلها الأخيرة بحق هذه الطائفة المستضعفة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.