قبيل السيطرة على درعا البلد كان هنالك إجماع من المتابعين والخبراء في الشأن السوري على وجود اتفاق تسوية، أو خفض تصعيد في محافظة درعا، بين روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل والأردن. برعاية وضمانة روسية. منذ تموز/يوليو 2018.

وقام الاتفاق بين طرفي النزاع، الممثّلين باللجنة المركزية للمفاوضات، التابعة للمعارضة السورية في درعا، واللجنة الأمنية التابعة للحكومة السورية. على تعهّد الجانب الروسي بضمان عدم السماح بالتواجد الإيراني في الجنوب السوري. وكذلك التأكيد على أن القوات العسكرية والأمنية الحكومية السورية، بالتعاون مع من بقي من فصائل المعارضة المسلحة، هي من سيتولى السيطرة على المنطقة. لكن كثيراً من التقارير الإعلامية أكدت أن الحكومة السورية وإيران عملا بشكلٍ حثيث على الالتفاف على هذه التسوية. لأنها لا تخدم مصالحهما.

وبعد السيطرة على درعا البلد من قبل القوات النظامية. يوم الأربعاء الثامن من أيلول/سبتمبر الجاري. أشارت وسائل الإعلام، إلى أن «أعلام حزب الله اللبناني، وميلشيا “فاطميون”، وغيرها من الميلشيات الموالية لإيران، أصبحت منتشرة في درعا البلد. ما يعني انهيار التفاهمات القديمة حول إبعاد إيران عن المنطقة».

محللو الشأن السوري يؤكدون أن إبعاد الإيرانيين وأنصارهم العقائديين عن الجنوب السوري كان أساساً لتفاهم روسي-إسرائيلي. إذ أن إسرائيل تخشى وجود هذه الميلشيات قرب حدودها الشمالية. وكذلك فإن الأردن لا يحبّذ وجودها، لأسباب متعددة. منها السياسية، التي تتعلق بسياسات المحاور الإقليمية في المنطقة. ومنها الأمنية البحتة. نظراً لدور هذه الميلشيات في تهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية. فما مصير التفاهمات الإقليمية بعد السيطرة على درعا البلد؟

 

التداعيات الإقليمية للسيطرة على درعا البلد

السيطرة على درعا البلد قد تعني أشياءً متعددة على الصعيد الإقليمي والدولي. ومنها ترسيخ الحضور الإيراني في محافظات الجنوب السوري، درعا والسويداء والقنيطرة. وتصاعد مخاوف إسرائيل والأردن من تهديد ميلشيات إيران على حدودهما. وأيضاً قد تعني نية المجتمع الدولي بطي ملف الأزمة والصراع في سوريا.

الأردن مثلاً من بين أكثر دول العالم تأثّراً بما تشهده سوريا. فبعد أن كان على أهبة الاستعداد لإعادة تشغيل كلي لمعبره الحدودي “جابر – نصيب”، الرابط مع سوريا. على أمل تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية بين البلدين. قرر، في الحادي والثلاثين من تموز/يوليو الماضي، إغلاقه بالكامل. مرجعاً ذلك إلى تطورات الأوضاع الأمنية في الجانب السوري، في إشارة إلى استشعاره لقرب السيطرة على درعا البلد من قبل القوات النظامية السورية.

وبالرغم من تحولات المواقف السياسية الأردنية تجاه الأزمة السورية منذ عام 2011، إلاّ أن الثابت أنّ الأردن ينظر إلى ما تشهده محافظة درعا، المتاخمة لحدوده الشمالية، بوصفه جزءاً من أمنه الوطني. وقضية السيطرة على درعا البلد ذات أهمية قصوى للحكومة الأردنية.

وهذا ما أكده لـ«لحل نت» “عمر الرداد”، خبير الأمن الاستراتيجي. ومدير عام “مركز الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية” في العاصمة الأردنية عمّان. الذي قال: «مع تجدد المواجهات بين القوات النظامية وفصائل المعارضة في درعا. وما تردد عن مشاركة ميلشيات إيرانية في المعركة، بدعم من روسيا. ما أدى للسيطرة على درعا البلد من قبل حكومة دمشق وحلفائها. فإن الأردن، ووفقاً لمرجعياته الأمنية والسياسية والاقتصادية، يسعى لدفع الحكومة السورية لجعل قواتها النظامية تسيطر بشكل كامل على الحدود بين البلدين. بما يعني منع أية ميلشيات إيرانية، أو فصائل جهادية إسلامية، من الاقتراب من هذه الحدود. وكذلك تأمين الخط الدولي بين عمّان ودمشق. ما يضمن تنفيذ اتفاقات اقتصادية مع الحكومة السورية. من بينها ما أعلن عنه مؤخراً. من موافقة دمشق على مرور إمدادات الغاز المصري والكهرباء الأردنية، عبر الأراضي السورية، الى لبنان. وهكذا تعمل عمّان من بوابة المصالح الاقتصادية لدمشق، والوعد بفك عزلتها الدولية، لضمان أمن الأردن الوطني».

 

تحولات السياسة السورية بعد سقوط درعا البلد

ولكن هل ستنجح محاولات الأردنيين لدفع الحكومة السورية لكبح جماح حلفائها الإيرانيين. بعد السيطرة على درعا البلد؟

“الرداد” يرى أن «حكومة دمشق قد تعاكس المشروع الإيراني في سوريا. فهي بموافقتها على مرور إمدادات الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، أظهرت انحيازها لمشروع إقليمي يتعاكس مع المشروع الإيراني».

ويوضح الباحث الأردني وجهة نظره بالقول: «الموافقة السورية على المشروع جاءت رغم علم دمشق بأنه يأتي في سياقات الصراع الأمريكي – الإيراني. فقد أعلنت إيران استجابتها لطلب حليفها في لبنان حسن نصر الله  بتزويد بلاده بالنفط الإيراني. فيما سعى رئيس الحكومة اللبناني الأسبق سعد الحريري، ربما بدعم أميركي وسعودي، لجلب الغاز المصري عبر سوريا، بدلاً من النفط الإيراني. وقبول دمشق بهذا يشي بالتأسيس لتحوّلات عميقة. قد تُقدم عليها الحكومة السورية. بخصوص موازنة علاقاتها مع طهران وموسكو. وخاصة بعد السيطرة على درعا البلد».

ويضيف: «يمكن ملاحظة أن الموافقة السورية جاءت بعد لقاء العاهل الأردني عبد الله الثاني مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو. وهو اللقاء الذي رشح عنه أن الأردن طلب من موسكو اقناع دمشق بالمشروع. ما يعني سعياً أردنياً، بالتعاون مع روسيا، لجر سوريا بعيداً عن المحور الإيراني. مقابل إعادة تأهيل حكومة دمشق دولياً».

 

الهيمنة على التجارة السورية-الأردنية

من جانبه يرى “شين ماثيوز”، الصحفي الأميركي المتخصص بقضايا الشرق الأوسط، أنّ «السيطرة على درعا البلد تسلّط الضوء على المصالح المتضاربة للداعمين الرئيسيين للحكومة السورية. أي إيران وروسيا. ويطرح سلسلة من التحديات على الأردن. في محاولته لاستعادة العلاقات مع الحكومة السورية».

ويضيف “ماثيوز” في حديثه لـ«الحل نت»: «الوجود الإيراني على طول الحدود الأردنية، بعد السيطرة على درعا البلد، يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع بالمنطقة بشكل أكبر. ويجعل الأردن في مرمى أي غارات جوية إسرائيلية على الميلشيات الإيرانية. ومن المحتمل أن يأمل وكلاء إيران في تعزيز سيطرتهم على درعا البلد. من أجل الهيمنة على الحركة التجارية بين الأردن وسوريا. بعد عزم الحكومة الأردنية على إعادة فتح المعابر بين البلدين. وهو الأمر الذي سيوفّر مصادر تمويل جديدة للميلشيات الموالية لإيران».

إلا أن المحلل السياسي الأردني “د.زيد النوايسة” لديه وجهة نظر مختلفة بعض الشيء. فهو يرى، في تعليقه لموقع «الحل نت»، أنه «من الواضح أنّ هناك توافقاً عربياً ودولياَ لطيّ الملف السوري. وقرار حسم البؤر المتمرّدة في البلاد، الذي بلغ أوجه مع السيطرة على درعا البلد، يلقى رضى من مختلف الأطراف. خاصة وأن المناخ الدولي، بعد القرار الأميركي بالانسحاب من أفغانستان والعراق، ولاحقاً من شمال وشرق سوريا. والاستعداد عربياً وإقليمياً لذلك، يساعد على إنهاء ملف الحرب السورية تماماً. ولذلك فإن السيطرة على درعا البلد قد لا تتعارض مع الاستراتيجية البعيدة للأردن».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة