على إثر إعلان الموقف المناهض لإسرائيل والداعم والمشيد بحركة “حماس”، أعلنت المملكة المتحدة أن “حزب التحرير” أصبح مصنفاً كمنظمة إرهابية محظورة. لكن المحللين يفسرون هذه الخطوة على أنها إجراء لردع توسع قوى الإسلام السياسي، وبالتالي يقودنا هذا إلى سؤال ما إذا كانت بريطانيا ستوسع إجراءاتها لتشمل الجماعات الإسلامية الأخرى الداعمة لما فعلته “حماس” في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، بما في ذلك جماعة “الإخوان المسلمين”، التي تعتبر الجماعة الأم التي تفرعت عنها “حماس”.

وقد أعلن وزير الداخلية البريطاني، جيمس كليفرلي، يوم الاثنين، أنه باشر إجراءات حظر “حزب التحرير”، وهو منظمة سياسية إسلامية سنية، واصفاً إياه بأنه معاد للسامية ويروج “للإرهاب”.

ووفق “فرانس برس”، فإن المنظمة محظورة بالفعل في بنغلادش ومصر وألمانيا وباكستان والعديد من دول آسيا الوسطى والدول العربية.

وينشط “حزب التحرير” في 32 بلداً على الأقل بما في ذلك بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، بحسب وزارة الداخلية البريطانية. ومن أهدافه على المدى الطويل إقامة “خلافة إسلامية”.

وقال كليفرلي إن “حزب التحرير منظمة معادية للسامية تعمل بنشاط على الترويج للإرهاب وتشجيعه، بما في ذلك الإشادة والاحتفال بهجمات 7 أكتوبر ضد إسرائيل في قطاع غزة”.

أسباب حظر بريطانيا لـ”حزب التحرير”

بحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن “حزب التحرير يقوم بأعمال التحريض والتجنيد في بريطانيا منذ ما يقرب من 40 عاماً”، موضحة أن موافقة البرلمان على خطوة الحظر سيجعله منظمة “على قدم المساواة مع تنظيمي القاعدة وداعش”.

من أنشطة “حزب التحرير” في بريطانيا- “الصورة من الإنترنت”

ويرى العديد من الباحثين في شؤون وقضايا الإسلام السياسي أن سبب قيام بريطانيا بهذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات يعود إلى أنشطة “حزب التحرير” الأخيرة في تنظيم عدة مظاهرات واحتجاجات بشأن الحرب المستمرة في غزة.

ونتيجة لأنشطة الحزب التي تروج لـ”الإرهاب” ولم تدين “حماس” على الإطلاق، يبدو أن الخطوة البريطانية تأتي في سياق مواجهة الأجندات التي ينتهجها الحزب الإسلاموي، وبالتالي بريطانيا مثل نظيراتها، ألمانيا وفرنسا، بدأت تتخذ إجراءات تميل إلى تجفيف منابع المروجين للإرهاب والتطرف الإسلاموي، بهدف منع خلق بيئة اجتماعية داعمة لأجندات هذه التنظيمات الإسلاموية المتطرفة.

وما يدعم هذه الرؤى، هو إصدار الشرطة البريطانية، بياناً، قالت فيه إنها لم تتخذ أي إجراء آخر بعد انتشار لقطات على الإنترنت لرجل يهتف “الجهاد، الجهاد” في مسيرة نظمها “حزب التحرير”، وفق “الغارديان”.

نشأة “حزب التحرير”

وفق تقرير لقناة “الحرة” الأميركية، فقد تأسس “حزب التحرير” في عام 1953 في الأردن على يد تقي الدين النبهاني، وهو مثقف إسلامي فلسطيني تخرج من من “المعهد العالي للقضاء الشرعي” التابع للأزهر بمصر.

ومن ثم لجأ “حزب التحرير”، بقيادة النبهاني، إلى “العمل السري”، بعد أن رفضت وزارة الداخلية في الأردن، سنة 1953، التصريح له لممارسة أنشطته علانية، وأغلقت مقره في القدس، وفقا لـ”الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية”.

ورغم التضييق عليه، نجح الحزب في إقامة خلايا سرية له في القدس والخليل ونابلس وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين حول أريحا، كما انتشر بين الطلاب في جنين وطولكرم بوجه خاص، وفقا للمصدر ذاته.

وانتقل النبهاني “قسراً” من عمان إلى دمشق عام 1954، لكن حزبه لم يحصل على ترخيص رسمي لممارسة النشاط السياسي في سوريا أيضاً، فلجأ تالياً إلى العمل السري مرة أخرى، قبل أن يضطر للانتقال إلى بيروت حيث عمل وعاش حتى وفاته عام 1977، بحسب الموسوعة المذكورة.

وحصل الحزب في عام 1959 على ترخيص بمزاولة النشاط السياسي في لبنان، قبل أن يمتد نشاطه إلى العراق ومصر، ثم نجح في الثمانينيات من القرن الماضي في إقامة فروع له في شمال إفريقيا، وخصوصاً في تونس وليبيا، طبقاً لذات المصدر.

كما برز نشاط فرعه في تركيا منذ السبعينيات، وشكل فرعا له في بريطانيا وفي عدد من الدول الأوروبية الأخرى، وصار يستند إلى قاعدة قوية في بعض بلدان آسيا الوسطى.

وكانت الطريقة الرئيسية التي اتبعها “حزب التحرير” في محاولة الوصول إلى السلطة متمثلة في “التسلل إلى جيوش البلدان ذات الأغلبية المسلمة”، وفق “الغارديان” التي أشارت إلى أن الحزب “كان وراء المحاولات الفاشلة للقيام بانقلابات في الأردن والعراق وسوريا في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات”.

ما مصير “الإخوان”؟

وضع “حزب التحرير” على قائمة الإرهاب، التي تعني الانتماء إليه أو الترويج له، وترتيب اجتماعاته، وحمل شعاره في ومع أن الأماكن العامة ستكون بمثابة “جريمة جنائية” في بريطانيا.

وفي سياق الحديث عن مصير جماعة “الإخوان المسلمين” في بريطانيا، بعد حظر الحزب، فإن كل التقديرات تشير إلى أن لندن أصبحت خائفة حقاً من أنشطة وحركات المنظمات والجماعات الإسلاموية، وخاصة تلك المرتبطة بحماس.

ليس من المستبعد أن تتبنى دول غربية أخرى أساليب التحرك ضد الجماعات الإسلاموية، من أجل الحد من نشاطات هذه الجماعات ذات التوجهات المتطرفة.

وبالنظر إلى أن جماعة “الإخوان المسلمين” هي المنظمة الأم لحركة “حماس”، فليس من المستبعد أن تتخذ بريطانيا إجراءات لاحقة ضد جماعة الإخوان وأنشطتها، لكن سياق هذه الإجراءات قد تكون “غير كبيرة”، أي عدم حظر الجماعة في بريطانيا، ولكن يمكن تقليص أنشطة الجماعة لحدود معينة.

كما أنه ليس من المستبعد أن تتبنى دول غربية أخرى أساليب التحرك ضد الجماعات الإسلاموية، من أجل الحد من نشاطات هذه الجماعات، نظرا لأنها تخلق بيئة متطرفة ومنغلقة، سواء من خلال المراكز التابعة لها أو المساجد أو حتى في اجتماعاتهم الخاصة، والذين في النهاية يخدمون قوى إقليمية لها أجندة دينية مسيسة، مثل إيران وتركيا.

لذا فإن بريطانيا وعموم الدول الأوروبية والغربية مرشحة طوال الوقت للاستهداف من قبل هذه الجماعات الإسلاموية ولاسيما المرتبطة بشكل مباشر أو أيديولوجياً مع الإخوان، وتالياً الوقوع في مواجهة مع هذا “اللغم” الذي قد ينفجر في أي لحظة، والسخط الإسلامي الذي يغذيه رجال دين لا يردد أي منهم سوى خطاب التطرف عوضاً عن خطاب التسامح والاعتدال وقبول الآخر.

الشرطة تتابع نهاية المسيرة بينما يحمل المتظاهرون لافتات وأعلاماً خلال مظاهرة لدعم الشعب الفلسطيني في غزة، في لندن، السبت، 13 يناير 2024 (أ.ب)

هذا ويعرّف “حزب التحرير” عن نفسه على موقعه الرسمي، على أنه “حزب سياسي مبدؤه الإسلام. فالسياسة عمله، والإسلام مبدؤه، وهو يعمل بين الأمة ومعها لتتخذ الإسلام قضية لها، وليقودها لإعادة الخلافة والحكم بما أنزل الله إلى الوجود”، وفق ما نقلته “الحرة”.

ووفقا للمقال المنشور على مركز “كارنيغي”، فإنه فيما استوعبت حركات إسلامية أخرى،”الأفكار الحديثة كالديمقراطية وحقوق الإنسان، التي لم يعد بإمكانها تجاهلها بعد أن نشطت في المجتمع المدني، والمنظمات المهنية، وبين أساتذة الجامعات، إضافة إلى دخولها حلبة الصراع السياسي ومنافستها في الانتخابات ووصولها البرلمان”، فإن “حزب التحرير” يصرح علناً برفض هذه المفاهيم “ناعتاً إياها بالكفر البواح والمؤامرة التي يسعى الغرب من خلالها إلى إحكام سيطرته على المسلمين”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات