سعر صرف الدولار في العراق: هل ستؤدي إجراءات البنك المركزي لأزمة سياسية بالبلاد؟

سعر صرف الدولار في العراق: هل ستؤدي إجراءات البنك المركزي لأزمة سياسية بالبلاد؟

ما تزال قضية سعر صرف الدولار في العراق تلعب دوراً مركزياً في الأزمات السياسية للبلاد. فقد قرر البنك المركزي العراقي اعتماد تعليمات وإجراءات جديدة، للمحافظة على استقرار سعر صرف الدولار. وضرورة الالتزام بمتطلبات قانون “مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب” رقم (۳۹) لسنة ۲۰۱٥. فضلاً عن تعزيز دور الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية غير المصرفية، في تأمين العملة الأجنبية. وهي تعليمات من المفترض أن تُطبق في السابع عشر من الشهر الحالي.

‎وتضمّنت تعليمات البنك المركزي العراقي لضبط سعر صرف الدولار عديداً من النقاط. تخصّ المصارف والبنوك وشركات الحوالات المالية. إذ سيتم إلزام هذه المؤسسات بالإفصاح عن تعاملاتها في بيع وشراء العملة الأجنبية. والتدقيق بياناتها المالية، والغاية منها وعلاقاتها وطبيعتها. فضلاً عن اتخاذ إجراءات التحقق من صحة البيانات والمعلومات، التي حصل عليها المصرف من العميل عن استخدامات الأموال المعززة. وفي حال وجود أية شبهة بعدم صحتها يجب أن يقوم المصرف بإبلاغ مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

كما يجب إرسال كشف إلكتروني. يتضمّن تفاصيل المبالغ المباعة لأغراض التعزيز الخارجي. إضافة إلى هوية العميل وأوضاعه القانونية، معززة برأي المصرف بها، للهيئة العامة للضرائب والهيئة العامة للجمارك. فضلاً عن دائرة العمليات المالية وإدارة الدين، قسم نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية في البنك المركزي العراقي.

إلا أن كل هذه الإجراءات، رغم أهميتها الاقتصادية، ربما ستتسبب بأزمة سياسية كبيرة في البلاد. خاصة بعد صدور نتائج الانتخابات العراقية. فكثير من المراقبين يؤكدون أنها ستؤدي لصدام بين الأحزاب العراقية المتنفّذة. التي تحقق عائدات مالية كبيرة من الحوالات الخارجية، وعدم استقرار سعر صرف الدولار. وبين البنك المركزي العراقي، الذي يسعى لضبط الأمور المالية للبلاد.

تحذيرات من ارتفاع سعر صرف الدولار

عدد من أصحاب مكاتب الصيرفة في بغداد حذّروا من ارتفاع سعر صرف الدولار في العراق. محملين تعليمات البنك المركزي العراقي الجديدة مسؤولية هذا الارتفاع.

“أوس الخفاجي”، صاحب أحد مكاتب الصرافة وسط العاصمة، يقول لـ«الحل نت»: «التعليمات الجديدة، والإجراءات التي أعلن عنها البنك المركزي قبل أيام، لبيع الدولار للمصارف. رفعت أسعار صرف الدولار. ومن المتوقع أن الأسعار سترتفع أكثر بعد تطبيق تلك التعليمات».

‎وبيّن الصيرفي البغدادي أن  «التعليمات ستدفع بالمصارف والتجار إلى السوق المحلية للحصول على الدولار. بدلًا من الحصول عليه عبر مزاد العملة، الذي يجريه البنك المركزي العراقي. ما سيجعل أسعار صرف الدولار ترتفع أكثر وأكثر. كما ستجد المصارف صعوبة في تطبيق التعليمات الجديدة. فيما يخص شراء الدولار الخاص بالتحويلات الخارجية. التي تشكّل أكثر من 80% من عمليات الشراء التي تحصل في مزاد البنك المركزي. وبالتالي ستعاني الأسواق المحلية من ضغوط كبيرة».

علاقة الأحزاب المتنفّذة بأسعار الدولار

‎إلا أن المشاكل لا تقتصر على الصعوبات التي سيواجهها التجار مع ارتفاع سعر صرف الدولار. الخبير الاقتصادي “منار العبيدي” يشرح لـ«الحل نت» الأبعاد السياسية والأمنية للمسألة بالقول: «البنك المركزي العراقي يقوم ببيع الدولار عن طريق مزاد العملة. للحفاظ على أسعار صرف الدولار في السوق الموازي (محلات الصيرفة). و في حال لم يبع البنك الدولار بشكل كبير، يفوق الطلب عليه، فسيرتفع سعره في السوق».

‎المشكلة بحسب الخبير الاقتصادي العراقي هي أن «أغلب البنوك العراقية تتعاقد مع شركات وهمية لشراء الدولار منها في مزاد العملة. والهدف من هذه التعاقدات تغطية الحوالات المالية القادمة من خارج العراق، التي يتم تحويلها في السوق المحلية إلى دولارات. لذلك وضع البنك المركزي العراقي قيوداً تمنع التعاقد مع شركات وهمية. لضبط الحوالات المالية القادمة من الخارج. وإذا اختفت كل الشركات الوهمية التي تبيع الدولار فسيقلّ عرض العملات الأجنبية في السوق، دون أن يقلّ الطلب. وبالتالي سيرتفع سعر صرف الدولار في السوق المحلية».

‎ويتابع “العبيدي”: «هنا نصل إلى الأبعاد السياسية للمسألة. فالأحزاب العراقية ذات النفوذ هي أكبر جهة تتلقى حوالات خارجية في العراق. والقيود التي فرضها البنك المركزي ستضطرها لجعل تعاملاتها الخارجية مكشوفة للعلن.  لذلك من المتوقع أن تعمل تلك الأحزاب باتجاه الضغط على البنك المركزي العراقي. بطرق مختلفة قد لا تخلو من التهديد، لإلغاء القيود التي فرضها. ما ينبئ بأزمة سياسية كبيرة في البلاد».

حرب بين “المركزي” والمصارف الخاصة 

‎”ضرغام محمد”، رئيس “مركز الإعلام الاقتصادي”، يعتبر أن التعليمات الجديدة للبنك المركزي العراقي «امتثالٌ لتعليمات صندق النقد الدولي. والاتفاقية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال. التي من شأن تطبيقها أن يرفع من تصنيف العراق المالي عالمياً. والحد من عمليات تهريب الأموال. وتمويل جهات مشبوهة، أو جهات تواجه عقوبات اقتصادية دولية. وكذلك من شأن هذه التعليمات الحد من مخالفة تعليمات الاستيراد النافذة، التي تسببت بهدر مليارات الدولارات، عبر تحويلات غير قانونية. ولاتقع ضمن نافذة الاستيراد الحقيقة. باختصار إذا أدت تعليمات البنك المركزي العراقي إلى رفع أسعار صرف الدولار مرحلياً، فإنها في الوقت نفسه ستساهم بتقوية الاقتصاد العراقي».

‎مضيفاً، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «هذه التعليمات، لو طُبقت فعلاً، ستضبط إيقاع التمويل الخارجي. وهذا سيحدّ بشكل كبير من تهريب العملة إلى الخارج. فضلاً عن أنه سيضبط البيع النقدي للأموال. وكل هذا يتعارض مع مصالح القوى السياسية المتنفّذة في البلاد. التي تحتجّ اليوم على هذه الإجراءات. بحجة أنها سترفع أسعار صرف الدولار».

‎إلا أن الخبير الاقتصادي العراقي يستدرك بالقول: «من الصعب السيطرة على حركة الأموال والحوالات الخارجية. بسبب ما تتمتع به بعض البنوك الخاصة العراقية، التابعة لقوى سياسية معروفة، من نفوذ سياسي كبير. أقوى حتى من قدراتها الاقتصادية».

وإضافة إلى الأزمة السياسية المتوقعة يرى “محمد” أن المصارف الخاصة ستلجأ إلى مقاومة تعليمات البنك المركزي العراقي عبر ما سماه «سياسة تعطيش السوق». مؤكداً أن «المصارف ستقلل بدورها مما تطرحه من دولارات في السوق. أي ستعمل على زيادة أسعار صرف الدولار بشكل متعمّد. ما سيوقع الجميع في أزمة مالية كبرى. وهنا يجب على البنك المركزي العراقي، إذا أراد أن تُنفذ تعليماته باحترافية، فتح نوافذ لبيع الدولار بشكل مباشر إلى السوق. وعدم الاكتفاء بمزاد العملة. وهكذا سيحجّم سلطة ونفوذ المصارف الخاصة على سوق الدولار».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.