«وصلنا فجأة خبر موت عمتي بسرطان الثدي، كنت في التاسعة عشر من عمري ولا أعرف كثيرا عن هذا المرض، لم أعلم بأنها مريضة من قبل، عمتي التي لم تتزوج وبقيت تعيش وحيدة استؤصل ثديها وماتت بعد العملية بأيام».

تتحدث “رهف مسعود”(اسم مستعار)، عن اكتشافها الأول لمرض سرطان الثدي وتجربة عمتها الوحيدة في ذلك، وتتابع: «كانت عمتي تهتم بنا جميعا وتساعدنا في حياتنا، وهي الفتاة العزباء الوحيدة في العائلة لكنها لم تخبر أحدا عن أوجاعها أو ربما اعتبرتها أوجاعا عادية ولم تهتم لأمرها حتى فقدت حياتها بسبب ذلك».

يفتقد مجتمعنا للثقافة الصحية بالعموم، فمن الصعب أن يقوم أي فرد من أفراد المجتمع السوري بفحوصات طبية إن لم يشعر بالألم، من الممكن أن يستطيع الإنسان تجاوز مرضه إن كان عاديا أما في حالات الأمراض المزمنة والخبيثة يصبح من الصعب الشفاء في وقت متأخر، يعتبر مرض سرطان الثدي من الأمراض التي تصيب النساء بدرجة كبيرة، غالبا ما تكتشف النساء إصابتهن بعد تقدم المرض وذلك بسبب الإهمال وعدم الاهتمام بأجسادهن، فيما تعيش نساء كثيرات آلام المرض وحدهن دون مساندة أو عناية من أحد، يضاعف هذا من صعوبة وضعهن الصحي والآثار النفسية لوحدتهن على أجسادهن.

مواضيع قد تهمك: سيدات سوريات يروين تجربتهن مع سرطان الثدي

الرجال ودورهم في الحالات المرضية

يلعب وجود الرجل وتأثيره دورا كبيرا في حالة المرأة النفسية، فالنساء في مجتمعنا معتادات على ضرورة وجود الرجل كشريك مساند وداعم لهن في الحياة، وفي حالات المرض يصبحن بحاجة له بشكل  مضاعف، كيف يتعامل الرجال مع مرض نسائهم في المجتمع السوري؟ تقول “بشرى حامد”(اسم مستعار)، وهي سيدة في الأربعين من العمر أصيبت بالمرض وتخضع الآن للعلاج:

«لم يذهب زوجي معي إلى المشفى ولو لمرة واحدة، ابنتي كانت ترافقني دائما في جميع جلسات العلاج، والأسوأ من ذلك أنه أصبح يتعامل مع وجودي بتجاهل وكأن مرضي يعني انتهاء صلاحيتي للحياة، فهو معتاد أن أقدم له كل ما يحتاجه الآن أصبح الوضع مختلفا أنا متعبة وهو يتأفف طوال الوقت من ذلك».

تتمحور حياة النساء حول أمر واحد وهو قدرتهن على خدمة الرجل وتأمين الراحة له في المنزل، يختصر ذلك شخصيتهن في قدرتهن على القيام بهذه الأفعال من عدمها، وكأن ذلك ينفي عنهن صفة الإنسانية وحاجتهن للراحة وإمكانية مرضهن، ويتعامل بعض الرجال مع مرضهن بطريقة سلبية تزيد من معاناتهن، فعطلتهن غير مقبولة، وبقاؤهن عاجزات أو غير قادرات على القيام بفعل هو عبء على الرجل، يؤثر ذلك بطريقة سيئة على الحالة النفسية لهاته النسوة ويضاعف من حالتهن المرضية، فإحساسهن بانعدام الأمان والأهمية يؤدي بشكل طبيعي لتدهور حالتهن الصحية وتفاقم المرض.

لا يمكننا تعميم ذلك على جميع الرجال بكل تأكيد ولكن حتى الرجال الذين يحبون نساءهم ويخافون عليهن، تدور في عقولهم فكرة نهاية هذه العلاقة بمرض المرأة وإمكانية وجود أخرى تحل محلها، لا يمكننا فهم الجذر لهذا الميل إلى تهميش المرأة بمرضها والسعي للحصول على أخرى بديلة، هل هو من طبيعة الرجال وميلهم الغريزي للجنس؟ أو نتيجة عادات مجتمعية تربط أهمية وجود المرأة بما تقدمه من خدمات للرجل؟ “شيرين عبد الملك”(اسم مستعار )، وهي سيدة في الثامنة والأربعين لها تجربة مختلفة تقول: «ترك خبر مرضي بسرطان الثدي أثرا كبيرا على زوجي، تغيرت معاملته وأصبح يهتم بي أكثر ويمنعني من القيام بأعمال المنزل كي لا أجهد نفسي، هذا الاهتمام من قبله جعلني أرغب أكثر في الشفاء والعودة لحياتي الطبيعي، الآن أنا أخضع للعلاج والأمور تسير باتجاه الأفضل».

اقرأ أيضا: شهرٌ وردي في السنة للتذكير بخطر الإصابة بسرطان الثدي

في حالات المرض عموما يشعر الإنسان بضعفه وحاجته للآخرين، الوحدة وعدم المساندة هي إحدى الأسباب التي تزيد من تفاقم المرض وإحساس المريضة بالتعب، قد يغير الاهتمام والدعم النفسي للمريضة من حالاتها تماما ويجعلها أكثر قابلية للشفاء، وذلك كلما شعرت بأهمية وجودها وضرورته، لذلك على المحيطين بالمريضة التعامل مع مشاعرها بحذر وتأكيد اهتمامهم بشفائها وحياتها.

الحالة النفسية وتأثيرها في ظهور المرض أو زيادته

تبين الدراسات بأن لسرطان الثدي جذورا نفسية متعددة، وإن كانت الحالة النفسية لا تشكل سببا للمرض بشكل مباشر، لكن ما ينتج عن هذه الحالة من عادات وسلوكيات يشكل قاعدة داعمة لظهور المرض وانتشاره، فالضغط النفسي الشديد يؤثر على عمل الخلايا العصبية المقاومة لنمو الخلايا السرطانية، كما يمكن للتوتر الدائم والذي يسبب زيادة بإفراز هرمون الكورتيزول بدوره يؤدي لانقسام الخلايا بشكل غير طبيعي وتشكيل أورام خبيثة، أو يقوم بتحويل الأورام العادية إلى خبيثة في حال استمرار التوتر، وبالعموم يوجد رابط قوي بين حالات الاكتئاب لدى النساء ومدتها وظهور سرطان الثدي، فالحزن المتواصل وما ينتج عنه من عدم الاهتمام بالصحة وسوء التغذية يرفع من معدل الإصابة بالمرض، كما أن استمرار التوتر أثناء العلاج يثبط من إمكانية الشفاء.

الإعلام ودوره

الإعلام هو المصدر الأساسي لوعي المجتمع وزيادة ثقافته فيما يخص جسد الفرد ونفسه، يفتقد الإعلام السوري لتأثيره على وعي الشعب لسبب رئيسي هو عدم مصداقيته، فمعظم الأفراد في مجتمعنا لا يكترثون لما يقال عبر وسائل الإعلام نتيجة عدم قدرة هذا الإعلام على تشكيل صلة من الاحترام بينه وبين جمهوره ترتكز على الصدق والتأثير به، بالإضافة لافتقاد هذا الإعلام للأسس العلمية والبرامج الصحية التوعوية التي تعتمد على أبحاث علمية دقيقة يقدمها إعلاميون متخصصون، في الوقت الراهن تلعب وسائل التواصل الإجتماعي دورا مهما في تشكيل الوعي الجمعي، ولكننا هنا أيضا تواجهنا ثغرة أخرى وهي أن الوسائل التي تهتم بالتوعية لمرض سرطان الثدي وأهمية الكشف المبكر عنه هي فقط تلك التي تهتم بقضايا النساء، بينما تعرج المنصات الأخرى على هذا الموضوع دون الإحاطة بكافة جوانبه وأسبابه.

للمزيد اقرأ أيضا: أكتوبر الوردي.. ما هي أعراض سرطان الثدي؟

التوعية والكشف المبكر

سرطان الثدي مرض خبيث عواقبه سيئة في حال وصل لمراحل متقدمة في جسد المرأة، فقد تضطر إلى استئصال جزء مهم من جسدها يعبر بشكل أساسي عن أنوثتها وفي أحيان كثيرة تفقد النساء حياتهن بسبب هذا المرض، وحسب الطبيب المختص بالأورام “رامز عمر”(اسم مستعار)،  يمكن أن يكون المرض في بعض الحالات لا عرضي، ولكن هناك أعراض تشير بقوة في حال تواجدها لوجود المرض يقول: «التورم والاحمرار أو جس كتلة بالثدي، ظهور مفرزات من الحلمة أو غور الحلمة، وتشوه جلد الثدي بما يشبه علامة قشر البرتقالة وظهور سماكة في جلد الثدي وجس عقدة إبطيه» جميعها أعراض مؤكدة للمرض.

أما فيما يخص الحالة النفسية وعلاقتها بظهور المرض يقول: «حسب تجربتي الشخصية للعامل النفسي السلبي دور كبير في ظهور المرض، أسلوب التفكير والخوف فحسب الطب النفسي، الورم هو نتيجة لمشاكل وعقد لم يتم حلها في حياة الإنسان، أستطيع التأكيد أن التفكير بالمرض يسببه والشك بالعلاج يوقف الفائدة منه، أما طرق الوقاية فيجب على كل امرأة لديها قريبات مصابات (أم، أخت، أو خالة) مراجعة الطبيب وإجراء فحوصات إيكو وماموغرام سنوية، وإن لم توجد حالات مرضية في العائلة يجب مراجعة الطبيب بعد سن الأربعين، بالإضافة لفحص الثدي أثناء الاستحمام مرة كل سنة وليس دائما كي لا يشكل ذلك خوفا وهاجسا لدى المرأة».

على النساء جميعا الوعي لضرورة إجراء فحوصات بشكل دوري ومتكرر، وعدم إهمال أجسادهن وذواتهن لأي سبب، ولا يتوقف الأمر على أجسادهن بل ينبغي عليهن مراقبة حالتهن النفسية وعدم الانغماس في الحزن والتوتر، أو العيش في حالة أسرية أو مجتمعية غير مريحة تسبب لهن ضغطا وحالة نفسية متردية، فكل هذه العوامل مجتمعة تشكل على المدى الطويل أرضية جيدة لتشكل المرض وانتشاره في أجسادهن، النساء وحدهن قادرات على حماية أنفسهن ضمن مجتمع لا يهتم لحياتهن وصحتهن، بأن يبقين على تواصل مع أجسادهن وفهم لتغيراتها والاهتمام بذواتهن بعيدا عن التأثيرات السلبية للوسط المحيط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.