كل ما عاناه السوريون من الحرب لم يكن كافياً لملء قامة المآسي التي كابدوها خلال السنوات الماضية، ولتبدأ مخاطر أخرى متعلقة بالمناخ والبيئة تلوح في الأفق وتحيط بهم من كل الأطراف، حيث فاقمت الحرب من مشكلتها وزادت من درجة تأثيرها وخطورتها.

أدت الأعمال العسكرية بالدرجة الأولى إلى زيادة نسب التلوث البيئي في سوريا، وأثرت بشكل مباشر على نوعية المياه والهواء والتربة، إضافة إلى تخريب الغطاء النباتي.

تسمم التربة!

الصحفي السوري المهتم في شؤون المناخ والبيئة زاهر هاشم، قال في حديث لـ”الحل نت” إن المواد المتفجرة الناتجة عن الأسلحة التقليدية سببت تلوث المياه والتربة بمواد كيميائية، إضافة إلى ما تنشره من دخان يلوث الهواء وحرارة عالية تحرق التربة وتجعلها غير صالحة للزراعة، فضلا عن بقايا المحروقات المستخدمة في الآليات العسكرية، ودور هذه الآليات في تخريب التربة خلال سيرها في المناطق الزراعية.

وأضاف، «إن مياه الشرب تلوثت نتيجة توقف محطات معالجة مياه الصرف الصحي، ما أدى إلى تلويث المياه السطحية والجوفية، وزيادة استخدام مياه الصرف غير المعالجة في الزراعة وأدى ذلك إلى تلويث التربة والمزروعات والتسبب بأمراض نقلتها المياه».

كما ركز هاشم على التلوث البيئي الناتج عن ركام المباني التي دمرتها الحرب، إذ قال أن مواد البناء تحتوي على مواد كيميائية ومعادن ثقيلة خطرة ومسرطنة تسربت إلى التربة، نتيجة احتراقها بدرجات حرارة عالية، مشيراً إلى استخدام الحكومة السورية السلاح الكيماوي في عدد من المناطق، وهو ما يهدد بآثار طويلة الأمد على التربة ومصادر المياه والغذاء.

بحسب ما أفادت صحيفة “الشرق الأوسط” من خلال تقرير نشرته في شهر آذار الماضي، بأن الخراب البيئي الذي لحق بالبيئة السورية بدأ يظهر كمأساة مدمرة أخرى، وإن كانت لا تزال أقل وضوحاً الآن.

تؤدي التربة الملوثة والمياه الآسنة إلى تفاقم المعاناة الشديدة للمدنيين السوريين، كما تقوض قدرتهم على تلبية حاجاتهم الأساسية وتهدد مستقبل البلاد بعد الحرب.

وفي حين أن الحرب في سوريا لم تنتهِ بعدُ، فإن الخسائر البيئية الشديدة سوف تُشكل تحديات كبيرة أمام تعافي البلاد عندما يتوقف القتال في نهاية المطاف.

يحذر خبراء سوريون ودوليون من ضرورة معالجة الآثار البيئية للحرب على وجه السرعة، وإلا ستصبح الأضرار والعواقب الإنسانية المترتبة على ذلك أكثر خطورة. يقول أحدهم، من المهم تحديد تأثير الضرر البيئي، حيث لا يدرك الناس دائماً أنه يستمر بعد توقف النزاع المسلح.

جفاف التربة والتصحر

أدى ارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات المتكررة، وقطع الأشجار من أجل التدفئة، إضافة إلى شح المياه، إلى جفاف التربة.

إذ ساهم تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة إلى انخفاض مستوى نهر الفرات وجفاف أحد السدود السطحية في الشمال السوري.

وقال هاشم، لـ”الحل نت” إن مناخ سوريا يصنف بأنه قاحل إلى شبه جاف،  نسبة الصحراء تبلغ نحو 55 بالمئة من مساحة البلاد، ويتفاوت معدل هطول الأمطار بين 1400 ملم سنوياً في المنطقة الساحلية، وأقل من 200 ملم سنوياً في البادية، وتعاني أكثر من 90 بالمئة من الجغرافيا السورية من معدل أمطار يقل عن 350 ملم سنوياً، وهو معدل منخفض.

وبالإضافة إلى العوامل المناخية، أدى سوء إدارة الموارد المائية والخلل في شبكات مياه الشرب والري، إضافة إلى استنزاف المياه الجوفية والاعتماد بشكل كبير على المحاصيل المروية، إلى تفاقم مشكلة الجفاف.

وكل هذه العوامل المذكورة أدت إلى تفاقم مشكلة الجفاف، حيث تستهلك الزراعة أكثر من 85 بالمئة من المياه المستهلكة في البلاد.

ويعتبر الجفاف سبباً رئيسياً لتدمير المحاصيل الزراعية وتهديد الأمن الغذائي للسكان، وانعدام الاستقرار الاقتصادي، والنزوح السكاني، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتأثيره الكبير الثروة الحيوانية.

منظمة الأغذية والزراعة العالمية “الفاو” قالت في تقرير سابق لها، أن قطاع الزراعة السوري عانى من خسائر كبيرة تقدر قيمتها بـ 16 مليار دولار بين عامي 2011 و 2016، بالإضافة إلى تراجع قطاع الزراعة بنسبة 40 بالمئة ما أدى إلى غلاء الأسعار وجعل نصف السكان تقريباً على حافة المجاعة.

وعاشت سوريا عدة موجات جفاف قالت عنها دراسة أصدرتها “وكالة ناسا” إن الجفاف الذي عانت منه دول حوض البحر الأبيض المتوسط وتضم سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وقبرص وسوريا، سيكون من المحتمل أن يكون أسوأ جفاف في القرون التسعة الماضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.