هل تؤثر المعادلة السياسية في حرمان “المناطق الكردية” من الدعم التنموي للمنظمات الدولية؟

هل تؤثر المعادلة السياسية في حرمان “المناطق الكردية” من الدعم التنموي للمنظمات الدولية؟

تتمركز العشرات من المنظمات المدنية الدولية منذ سنوات في المدن والمناطق الحدودية في شمال وشرقي سوريا، إلا أن تواجدها لم يسهم في استمرارية دعم هذه المناطق بمشاريع تنموية أسوة بمناطق أخرى، بحسب نشطاء محليين.

وفي حين يرجع بعضهم السبب إلى قلة الدعم لهذه المناطق في الأساس، يتحدث مسؤولون في مؤسسات الإدارة الذاتية عن حالة تهميش ووجود ما يشبه الفيتو على مناطق تمتد على طول الحدود ويصل عمقها إلى 30 كلم.

قد يهمك: كيف ستواجه الإدارة الذاتية مشكلة انخفاض مخزون القمح الاستراتيجي؟

“دعم قليل”

الصحفي عزالدين صالح قال لـ الحل نت إن “دعم المنظمات الدولية للمشاريع التنموية في إقليم الجزيرة قليل في الأساس”.

وأضاف الباحث لدى منظمة سوريون لأجل الحقيقة والعدالة أن هذه المنظمات توجهت لدعم مناطق أخرى أكثر سخونة، بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فيها، ومرد ذلك يعود إلى سياسة تلك المنظمات والجهات المانحة لها، وحاجة تلك المناطق للدعم بشكل أكبر بعد النزاع.

وتنقسم المنظمات الدولية العاملة في مناطق الإدارة الذاتية إلى قسمين: الأول منها تلك المحسوبة على الأمم المتحدة والتي تعمل ضمن نطاق سيطرة الحكومة السورية وعدد من المخيمات التي تعترف بها الحكومة السورية، وقسم ثان هي المنظمات غير الحكومية والتي تتلقى الدعم إما من مانحين مرتبطين بالخارجية الأميركية أو مانحين أوربيين.

اقرأ أيضا: الإدارة الذاتية تقر قانونا لمكافحة الإرهاب.. ماذا يتضمن؟

ويقدر نشطاء الدعم المقدم عبر الخارجية الأميركية بأنه يتجاوز نصف الدعم المقدم للمنظمات عموما، مقارنة بما يقدمه المانحون الأخرون.

“معيار صراع داعش”

وأوضح مصدر من إدارة منظمة مدنية تنشط في القامشلي والرقة ودير الزور أن المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش تأتي على رأس أولويات الولايات المتحدة الأميركية والتحالف الدولي الذي تدخل في سوريا لمحاربة التنظيم. 

وأضاف لـ الحل نت أن معايير الخارجية الأميركية في دعم المشاريع في أية منطقة تكون على أساس مدى تأثرها بالصراع ضد داعش، ولا تقدمه وفق معيار تدهور الوضع المعيشي أو الاقتصادي.

وذكر المصدر وجود نوع آخر من التهميش لأرياف المناطق الحدودية يعود إلى ضعف إداء المنظمات المحلية التي ما أن تنفذ مشاريع حتى تركز على المدن الرئيسية التي تستقر فيها، كحال بعض المنظمات التي تفضل العمل في القامشلي ولا تكلف نفسها عناء الوصول إلى مدينة كالقحطانية –(تربسبيه) وهي لا تبعد 30 كلم شرقاً أو الوصول إلى الدرباسية وهي تبعد 55 كلم غربا.

على صلة: تواصل اللقاءات بين ممثلين عن الإدارة الذاتية والروس.. هل من جديد؟

مشيرا إلى وجود حاجة لتوسيع مناطق الاستهداف لتلافي تهميش الأطراف على حساب المركز.

ووصل عدد المنظمات المدنية في إقليم الجزيرة إلى نحو 113 منظمة محلية ودولية  في العام 2015، تركزت غالبيتها في الحسكة والقامشلي وعامودا وديريك-(المالكية) بحسب إحصائية غير رسمية،  في المقابل تشير الأرقام الحالية إلى وجود 110 منظمة محلية ودولية في القامشلي وريفها فقط، كما تتمركز مكاتب أكثر من 30 منظمة أجنبية في عامودا وديريك.

لكن نشطاء يؤكدون أن المنظمات المحلية الفاعلة لا يتجاوز عددها الـ15 منظمة، ذلك أن “دور الغالبية منها  اقتصر على التسجيل ونيل التراخيص فقط”.

“تناقض”

بخلاف ما تقدم، قال الناشط المدني بيروز بريك إن “عدم وصول الدعم التنموي إلى المناطق الكردية، الذي كان قليلا بالأساس، لا يعود فقط إلى أولوية الداعم، كحال الأميركيين الذين يولون أهمية للرقة وريف دير الزور فيما يستهدف الدعم الأوربي كالنروجي والسويدي،على قلته، جميع المناطق على حد سواء”.

وأضاف الناشط، الذي عمل حتى شباط 2020 في إدارة منظمة شار للتنمية بالقامشلي، أنهم كانوا يعيشون “حالة من التشنج” فيما يتصل بتوجيه الدعم نحو المناطق الحدودية مع الجهات الداعمة وخاصة الأميركيين حتى العامين 2015 و2016.

قد يهمك أيضا: “لقاء حاسم”.. هل يتفاهم بايدن وبوتين على توافقات جديدة في سوريا؟

ولا يجد بريك، المقيم في بريطانيا، ضيرا في أن يتم دعم مناطق الرقة وريف دير الزور، “وقد بات الدعم كبيرا ومضاعفا عقب تحريرها، على اعتبار أنها مناطق منكوبة”، ولكن “التناقض” بالنسبة له يظهر عندما يغيب الدعم حتى عن مدينة مثل كوباني وهي التي عانت أيضا من تدمير كامل بسبب هجوم داعش.

وعبر الناشط عن اعتقاده أن من أحد أسباب قلة الدعم وتراجعه لهذه المناطق هو “موقف نشطاء وموظفين لدى الجهات الداعمة ونفوذهم”، في إشارة إلى وجود تأثير لمواقفهم السياسية على دعم المشاريع للمنطقة الحدودية.

ويعتقد بريك أن للإدارة الذاتية دورا في توجيه الدعم نحو مناطق الرقة وريف دير الزور، على اعتبار أن ذلك يخفف الأعباء عن كاهلها في تلك المناطق.

وأشار إلى أن “الإدارة الذاتية أخطرت في تموز/يوليو وآب/ أغسطس من العام 2019غالبية المنظمات المدنية في إقليم الجزيرة بتوقف عملها لأسباب أمنية، بينما سمحت الإدارة لذات المنظمات العمل في مناطق الرقة وريف دير الزور”.

وأردف أن “الإدارة عادت وتراجعت عن قرارها بعد الهجوم التركي، بعدما تميزت المنظمات المحلية في جهودها لتقديم الدعم للنازحين عقب انسحاب المنظمات الدولية من المنطقة”.

قد يهمك أيضا: حضور سوريا بصفة مُراقب.. أبرز كواليس القمة العربية في الجزائر

تأثير السياسة

 الرئيس المشترك لرئيس مكتب شؤون المنظمات إقليم الجزيرة خالد إبراهيم أفاد الحل نت  أن المجتمع المدني حديث العهد في شمال وشرق سوريا وتجربته ليست في المستوى المطلوب ولا يعمل وفق معايير العمل الإنساني أو المجتمع المدني.

 ويضيف إبراهيم أن “الإدارة الذاتية هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن تقديم الدعم لمختلف مناطق شمال وشرقي سوريا، فيما يأتي عمل المنظمات المدنية والإنسانية مكملاً لعملها”.

 وأشار إبراهيم إلى وجود دعم أكبر لمناطق كجنوب الحسكة والرقة ودير الزور لأسباب تتعلق بالدمار والخراب خاصة بعد دخول داعش إليها، وأنه لا يمكن مقارنتها بمناطق أخرى في شمال شرق سوريا تتمتع بنوع من الاستقرار.

لكنه في المقابل قال إنهم تلمسوا لدى الجهات المانحة والمنظمات الدولية، “تأثر عملهم بالمعادلة السياسية”، معتبرا أن “لا وجود لمنظمات إنسانية مستقلة بنسبة 100%، حيث تعمل بشكل أو بآخر وفق أجندات سياسية”.

وقال إبراهيم إن “العديد من المنظمات الدولية والجهات الداعمة لها(دون الإفصاح عن جنسيتها) لم يعد يقتربون منذ العام 2019 من المنطقة الحدودية بعمق 30 كلم، والتي نجد أن المعادلة السياسية هي التي حددت ذلك”.

وأضاف أن ” ممثلي المنظمات الدولية سبق أن تحججوا بداية، ومن ثم أقروا بعدم إمكانية اقترابهم من المنطقة حتى 30 كلم، بعد أن طلبنا منهم توضيح الأسباب”.

وكانت تركيا قد اجتاحت منطقتي رأس العين-(سري كانيه) وتل أبيض-(كري سبي) في العام 2019، بعدما أعلنت نيتها عن تأسيس “منطقة آمنة” بعمق 30 كلم مترا على طول الحدود السورية التركية، دون أن تتمكن من ذلك.

اقرأ أيضا: سوريا.. بدائل بدائية لمقاومة برد الشتاء

هل من فرصة؟

ويعتقد الصحفي عزالدين صالح أن “الإدارة الذاتية تتحمل المسؤولية الأكبر كسلطة قائمة في قلة دعم المشاريع التنموية في منطقة الجزيرة، وتليها المنظمات المدنية، وهو ما تسبب بتدهور البنية التحتية منذ بداية النزاع في سوريا”، بحسب رأيه.

ويرى أن هناك أهمية لتكاتف المنظمات المدنية المحلية، واعتماد سياسة فعالة من أجل توجيه المانحين، وتحقيق توازن في دعم المنطقة بمشاريع من شأنها تحسين الواقع الخدمي والمعيشي لسكان المنطقة.

من جانبه قال الرئيس المشترك لرئيس مكتب شؤون المنظمات إقليم الجزيرة خالد إبراهيم، إن المنظمات الدولية تحدثت مؤخرا خلال لقاء، عن توجههم للتدخل في جميع مناطق شمال وشرقي سوريا وفق احتياجاتها، لكنها لا تزال في نطاق الوعود.

للمزيد اقرأ أيضا: تحذيرات جديدة من مخاطر أزمة مياه وجفاف في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.