ينتظر ريبر محمد(32 عاما)في بهو قاعة الإسعاف بمشفى بلدة تل تمر شمالي الحسكة، دوره لتلقي حقنة معالجة لحبة اللشمانيا، فيما تجلس زوجته مع طفله خارجا بعد تقييده اسمهما أيضا في قائمة المصابين.

وريبر وعائلته الصغيرة ليسوا إلا ثلاثة من آلاف المصابين بعد أن اجتاح “وباء” اللايشمانيا بلدة تل تمر وعشرات القرى على سرير نهر الخابور وروافده التي جفت بعد أن قطعت تركيا المياه بشكل كامل منذ شهر أيار/ مايو الفائت.

انتشار واسع

ويقول “محمد” لـ الحل نت، إنه أصيب منذ ثلاثة أسابيع بعد ارتياده ملعبا لكرة القدم في تل تمر يقع بجوار النهر الذي جفت مياهه وبات مرتعاً للروائح الكريهة والأمراض.

ويوضح الشاب إنها المرة السادسة التي يرتاد فيها مع عائلته المشفى لتلقي حقنة اللشمانيا، منذ إصابته بأربع حبات في منطقتي البطن والساق، فيما بدا أن أكثر المراجعين ممن حوله مصابون أيضا في أنحاء متفرقة من أجسامهم.

 ويتناوب خمس كوادر من مشفى “الشهيدة ليكرين” من أطباء وممرضين منذ ساعات الصباح، في حقن المئات من المصابين، بينما تعلو صرخات الأطفال الذين تفوق نسبتهم نصف المراجعين.

والتقت الحل بمصابين من سكان قرية خويتلة بريف منطقة أبو رأسين-(زركان) البعيدة نسبياً، حيث ينتشر المرض بنسبة أقل مقارنة بقرى حوض الخابور.

دمشق تتهم أنقرة

و تنتشر ثلاثة وثلاثين قرية للآشوريين على امتداد الخابور، بات العديد منها مأوى للنازحين من منطقة رأس العين-(سري كانيه) عقب الاجتياح التركي لمنطقتهم أواخر العام 2019.

ويقول عمار أحمد من سكان قرية تل حفيان إن زوجته وطفليه الصغيرين أصيبوا مع ثلاثة أرباع من سكان قريتهم التي تضم 450 شخصا بينهم كثير من نازحي رأس العين-(سري كانيه).

ويضيف الشاب الثلاثيني، الذي نقل زوجته وطفله بدراجة نارية إلى المشفى، إن الحبة ظهرت في قريتهم منذ العام 2015، لكنها لم تكن بمستوى انتشارها الحالي.

وفي أيار/مايو الفائت صرح مدير الموارد المائية في الحسكة عبد العزيز أمين بأن خرق تركيا للاتفاقية الموقعة مع سوريا حول توزيع حصص مياه نهر الفرات و”سطوها على كميات كبيرة من المياه لاستثمارها في الداخل التركي أديا إلى جفاف نهر الخابور وروافده”.

وقال أمين إن “روافد الخابور جافة تماما حاليا، بينما يقدر التدفق الاعتيادي لها خلال هذه الفترة من العام ما بين 5 إلى 8 أمتار مكعب بالثانية”.

“وباء”

وتقول مسؤولة قسم اللشمانيا في مشفى “الشهيدة ليكرين” هنوف الشاهر، لـ الحل نت، إن سبب انتشار اللشمانيا يعود إلى ظهور ذبابة الرمل وتكاثرها في المستنقعات والمياه الراكدة، بعد جفاف الخابور.

وتضيف الشاهر، أنهم سجلوا خلال الأسبوع الأخير نحو 1500 إصابة جديدة، وأن المرض تطور إلى سوية وباء منذ أن ظهر قبل ثلاثة أشهر.

مشيرة إلى وجود نسبة من المصابين ممن لا يعلمون بتوفر العلاج في المشفى، ويلجؤون إلى استخدام علاجات بدائية أو أدوية غير مجدية من الصيدليات المجاورة لهم.

وتعرف اللشمانيا بحبة السنة، إذ أنها تدوم لنحو عام قبل أن تزول، ولا تنتقل بالعدوى إلا عبر ذبابة الرمل فيما تصل فترة حضانة المرض لستة أشهر، بحسب المسؤولة الصحية.

وبدا أن غالبية مرتادي المشفى كانوا من المصابين باللشمانيا للمرة الأولى في حياتهم ولا يملكون معلومات كافية حول سبب الإصابة أو كيفية انتشارها.

وحددت المشفى أربعة أيام في الأسبوع هي؛ الآحاد والاثنين والأربعاء والخميس، لمنح العلاج، حيث يتم ذلك وفق جرعتين  لكل مصاب خلال الأسبوع الواحد.

وتشهد مناطق سوريا أخرى كريف دير الزور مؤخرا انتشارا واسعا لحبة اللشمانيا وسط تدهور الواقع الصحي وغياب العلاج في المراكز الصحية.

تدهور زراعي

وقال إبراهيم أحمد الخلف (65 عاما)  من سكان قرية البجارية 3 كلم غرب تل تمر، إنها المرة الأولى التي تسجل فيها إصابات في قريتهم بشكل واسع بين سكانها البالغين نحو 65 عائلة.

مضيفاً لـ الحل نت إن أعداد قليلة أصيبت من قريتهم منذ نحو 15 عاما، ولم تتكرر لاحقاً.

ويتحدث الخلف الذي قصد المشفى لمعالجة حفيدته إن جفاف الخابور تسبب بتراجع زراعتهم بشكل كبير، فبعد أن كانوا يرون مشاريعهم الزراعية بمساحات تصل إلى 1000 دونم بمياه الخابور، لم يعد هناك لا زراعات صيفية ولا شتوية إلا بنسبة قليلة.

وسبق أن اتهمت منظمات دولية تركيا باستخدام المياه كسلاح حرب ضد السوريين في شمال وشرقي سوريا، بعد تكرار قطعها لمياه محطة علوك بريف رأس العين عن مدينة الحسكة وريفها، كما وتحكمها بحصة السوريين من نهر الفرات خلال السنوات الماضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.