حققت المرأة السورية استقلالية ربما لم تكن لتبلغها لولا وصولها إلى أوروبا فبعد أن اختبرت محنة الحرب واللجوء، اليوم هي عضو إيجابي في البلد المستضيف ومتحدثة بلغته ومبادرة لعدة مشاريع، بينما لا تزال قريناتها في سوريا تصارع الحياة بين سلطة الزوج وقيود مجتمعية أفرزت قصص معاناة وأخرى مطالبة بالتغيير والانخراط في المجتمع المدني.

الشغف والهواية يتحولان لمهنة

“كل قطعة فنية تسافر إلى عملائي حول العالم هي عبارة عن معرض متحرك ” بهذه الكلمات تخبر”الحل نت” يسر الخطيب عن مشروعها التي أطلقته في دبي منذ ثلاث سنوات، إذ بدأ بالشغف والهواية وتحول لمهنة تفردت بها، باستخدام الرسم والكتابة على الحقائب النسائية والمحافظ الرجالية، وجعل الخط العربي وجهتها لتجول بتصاميمها الفنية بين دول الوطن العربي والدول الأوروبية التي وصفتها يسر بأنها متعطشة جدا لكل شي يخص لغتنا وتراثنا.

ابتكرت يسر أسلوب خاص بعملها ونجحت في نشر ثقافة رسم الكلمات بالخط العربي حول العالم عبر القطع الفنية التي تصممها لأصحابها وفق ما يتناسب مع شخوصهم، في حين بقيت الفكرة في مخيلتها مدة ستة أشهر،خلالها قامت بالتحضيرات والتجارب الأدوات والتقنيات المناسبة والصحيحة لهذا المشروع قبل البدء بتنفيذه.

هذا المشروع لاقى رواجاً كبيراً وبالذات بين الجالية العربية بأوروبا إذ لم تكن يسر لتنثر النجاح وتحقق حلمها لولا دعم عائلتها لها وعلى وجه الخصوص زوجها ووالدتها وفق ما قالت عبر بث الحماس والثقة في كل خطوة من مشروعها كونها امرأة عاملة وزوجة وأم.

وعن انتقال مشروعها إلى تركيا تقول يسر أنها حققت في تركيا انتشار أوسع لاسمها، مضيفة أن تركيا قدمت لها الرواج الكبير كونها صلة وصل بين الغرب والشرق إضافة إلى أنها بلد مصنّع بتكاليف معقولة ومنطقية.
أحلام عريضة تحيط بيسر لاستكمال مشروعها فهي تسعى لأن يكون اسمها علامة تجارية موثوقة عالمية بصبغة عربية.

أما عن استقلالية يسر في أوروبا فختمت حديثها لموقع “الحل نت”، بأنها لا تعلم ما إذا كنت ستحقق شيء من أحلامها ومشاريعها لو بقيت في سوريا لكن لاشك أنه لا مجال للمقارنة بين ظروف الحرب القائمة، و سهولة توفر كل الأدوات والوسائل لمشروعها إضافة لاستقرار الأوضاع هنا نفسيا وعمليا.

“حرة نفسي”

أما رشا الحاج فسطرت قصة نجاحها من اللجوء إلى الاندماج عبر تقديم الدعم لزوجها، إذ أطلقت مشروعها عبر افتتاح صالون حلاقة ليتمكن زوجها من مزاولة مهنته وتضيف رشا “تم افتتاح الصالون بعراضة شامية وكل شيء جرى كما تمنيته”.

أتقنت رشا اللغة الألمانية بالشكل الذي يسمح لها بافتتاح أي مشروع تحصد النجاح من خلاله، إذ طلبت قرض من مكتب دعم المشاريع الحرفية المتعلق باللاجئين والذي يشترط إلمام صاحب المشروع باللغة الألمانية، إذ تمكنت رشا بعد رحلة محفوفة بالمصاعب استغرقت عشرة شهور من إنهاء الإجراءات واستيفاء كافة الشروط واستكمال أوراق السجل التجاري لإمكانية افتتاح المشروع.

عدم معرفة زوج رشا باللغة الألمانية كان عائقا في البداية لعدم تمكنه من البدء بأي مشروع، لكن بدعم رشا وإيمانها بقدرة المرأة السورية على تحقيق كان دافعها لتقديم المشروع وتعلمت كل ما يتعلق بأمور الحسابات، حتى تتمكن من إدارة المكان كما أنها تساعد زوجها في القسم النسائي من الصالون منذ بداية المشروع عام 2018، لخبرتها الجيدة وفق ما قالت لـ”الحل نت”.

تدير رشا شؤون الصالة وهي أم لثلاثة أطفال تحرص على التوازن بين رعايتها لأولادها وتعليمهم وتأمين كل ما يلزم لهم وعملها في الصالة إلى جانب زوجها بحسب وصفها.

تطمح رشا أن يستمر نجاح مشروعها لا سيما أن نسبة زوار الصالون من الألمان أكثر من العرب وفق ما قالت وتنصح كل إمرأة باستغلال الفرص لتحقيق مرادها.

سلطة الزوج والأهل بين التعنيف والإهانة

على جانب آخر هناك نساء في سوريا تعيش فصول من الاضطهاد، في سوريا تتكاثر معاناة النساء إذ تعتبر سعاد (35 عاما)، معاناتها مع زوجها كانت أكبر بكثير من حجم معاناتها مع الحرب فبعد أن اشتد القصف في الغوطة الشرقية نزحت وداد مع زوجها واولادها إلى دمشق، وعند وصولهم اعتكف زوجها عن العمل وبدأ يطلب منها أن تعمل بدلا منه وتؤمن له مصروفه وتدفع أجرة منزلهم في دمشق منوهة عن رفضها العمل بسبب رعاية أولادها مما دفع زوجها ضربها وتعنيفها، فقررت أن تترك المنزل وتطلب الطلاق، وتعود لبيت أهلها إذ لم يعد بمقدورها أن تتحمل شتائم وضرب وسوء معاملة من قبل زوجها بحسب وصفها.

لا تنفك وداد عن السعي للتعلم واكتساب صنعة تستطيع أن تؤمن حياة كريمة لأولادها الثلاثة، فهي تذهب كل يوم إلى ورشة لتعلم فنون الخياطة من أجل أن تحصل على فرصة عمل بات من الصعب الحصول عليها دون واسطة أو خبرة في دمشق بحسب قولها.


الحدود الاجتماعية التي تلقي بظلالها الثقيلة على بعض النساء داخل سوريا ليصبحن مجردين من أي حقوق موجبة، قصة أسماء صرما مختلفة عما سبق فهي عانت من سلطة مارستها أسرتها عليها، ولا تزال تعاني منها حتى وصفتها أسماء بأنها أقسى ما مرت به في حياتها، إذ حرمت أسماء من حقها من قبل والدها من الإرث ولم تلق أي مساعدة من أخواتها الذين حصلوا على أموال وأراض بحسب قولها وتخلوا عنها في شدة ظروفها، لكنها تحدت الصعاب وتطوعت في عدة مجالات لتثبت أنها قادرة على السعي والبدء من جديد مهما كانت الظروف، إذ تعمل أسماء متطوعة في منظمة إنسانية وزوجها يدعمها بكافة السبل، لم تثن التحديات من إصرار أسماء لا سيما بعد قصف منزلهما في حلب لذا اضطروا للانتقال إلى بلدة كفر تخاريم وسط قلة فرص العمل وارتفاع الأسعار والتطوع دون أجر مادي.

التخلص من التبعية

الباحثة الاجتماعية سهير أومري في حديثها لـ “الحل نت” أوضحت أن المرأة السورية، تعاني من حصيلة منظومة كاملة من عادات وتقاليد وثقافة، في حين استطاعت خارج سوريا أن تطلع على تجارب الشعوب الأخرى، وتختلط وتحتك وتتوسع في آفاقها وتدخل في مجالات أوسع لتكون أكثر قوة، معتبرة أن القوة لم تكن خيار وإنما واقع، أما في الخارج وجدت مساحة أوسع ومساعدات ودعم وتخلصت من التبعية الاجتماعية للمنظومة القبلية لعدم اعتقادها بها، وأضحت قادرة على التغيير وعادت إلى نفسها ومعتقداتها التي تؤمن بها وفق قولها .

وتعتبر أومري أن المرأة في الخارج، اضطرت لأن تعتمد على نفسها وتصبح عضو قابلة للتطور ومواكب للحياة، أما التي بقيت في سوريا، لا تزال رهينة ضعف الإمكانيات، منوهة بأنها قويت في بعض الأحيان بسبب الظروف ولأن الحياة أصبحت أصعب.

وعن أسباب تطور المرأة في الخارج، ترى أومري استطاعت المرأة في أوروبا أن تحظى بفرص داعمة من منظمات مجتمع مدني وهيئات حقوقية، في البلدان المستضيفة، بينما التي في لبنان وضعها أسوأ من التي بقيت في البلد أما التي في البلدان العربية يعتمدن على جهودهم الشخصية، تخلصت من الرقابة المجتمعية التي تشكل قيود بالنسبة لها، وأصبحت حرة نفسها تدرس وتعمل، وأسست حياة جديدة لوحدها وبقيت على تواصل مع أهلها.

وتشير في نهاية حديثها إلى أن البعد عن المنظومة الاجتماعية سبّب لها اكتئاب ووحدة وضياع نفسي، رغم تحقيق أحلامها لكن هناك حالات دفعت ثمن ضغوط نفسية بوصولها لذلك بسبب البعد عن البيئة التي ربيت فيها، وإن أثبتت قدرتها على الاستمرار لكنها تعاني من فقدانها الحماية من المجتمع والجيران والأسرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.