سيقول القارئ العزيز أن هذا سؤال افتراضي لا نعرف ما هي احتمالات تحققه، ما يسبغ صفة الترف، وربما التسلية على النص الذي سيناقش هذا الأمر، في عز زحمة أزمات سورية ومشاكلها، وكلها قضايا واقعية ومعاشة، لماذا أقرأ نصاً بهذه المواصفات على حساب قراءتي لنصوص تتحدث عن الصراع الدولي والإقليمي في سورية، وعن الأزمة الاقتصادية الخانقة، أو عن أزمات الخبز والمازوت وقضايا المعتقلين والمفقودين، بل وأخبار الجبهات الساخنة في شرق وشمال سورية؟.

هذا السؤال، رغم افتراضيته، كان احد محاور النقاش الذي جرى مؤخراً في واشنطن بين وفد من المعارضة السورية وأعضاء من الكونغرس الأميركي الذين تولوا طرح هذا السؤال وحاولوا البحث عن بدائل ممكنة ومحتملة للأسد في حكم سورية، لا يعني ذلك أنه قد يكون مقدمة لسياسة أمريكية محتملة في سورية تسعى لإزاحة الأسد عن الحكم وبالتالي البدء في البحث عن بدائل ودراسة الاحتمالات والتداعيات، المؤكد أن الأمر ليس في هذا السياق، لأن واشنطن باختصار لا تبدو مستعدة في هذا الوقت، وهي تجمع مواردها و توضب أمورها لمواجهة الصين، للانشغال بقضية باتت تعتبرها هامشية وغير مهمة للمصالح الأمريكية.

لكن هذا السؤال الذين يبدو لنا افتراضياً، ربما يكون أكثر الأسئلة واقعية لدى العديد من الدوائر والجهات، وحتى لدى فئات وشرائح مجتمعية في سورية والمشرق، وخاصة وأن بشار الأسد يقف دائما على حافة الخطر بالنظر لكثرة خصومه المحليين والإقليميين والدوليين، فهو معرض لعملية اغتيال من قبل معارض، أو جهة معارضة لها تواجد في دمشق وتستطيع بطريقة ما استهدافه، وهو معرض للاغتيال من ضباط من الجيش قد لا يعجبهم ما وصلت إليه الأحوال من دمار واحتلالات روسية وإيرانية وتركية وغيرها، أو حتى معرض للاغتيال من قبل بيئته التي ترى أن غيابه عن المشهد قد يخرجها من أزمتها القاتلة، وخاصة إذا تسلم الحكم رفعت الأسد على سبيل المثال، أو شخصية أخرى تكون مقبولة عربيا ودولياً وتستطيع تفكيك العزلة وإلغاء العقوبات على البلاد وإخراجها من صندوق العزل الموجودة بداخله طالما بقي بشار حاكماً.

أيضاً، وليس سراً، أن إسرائيل قد تفكر بأمر اغتياله، في إطار سياسة حكومة نفتالي بينيت القاضية بعدم السماح لإيران التموضع قرب الحدود الإسرائيلية مهما كان الثمن، أو منع بشار من إعادة إحياء برنامجه النووي، وقد سبق لإسرائيل أن لمحت إلى إمكانية قيامها بهذا الخيار إذا ثبت أن الأسد مصر على دعم النفوذ الإيراني في سورية، كما ظهرت مؤخراً أصوات إسرائيلية تبدي الندم على عدم اتخاذ هذه الخطوة في مراحل سابقة، أكثر من ذلك، أميركا نفسها، وفي عهد إدارة ترامب كادت أن تفعلها، فقد أصدر دونالد ترامب قراراً بقتل الأسد في عملية أطلق عليها اسم” الرأس المقطوع”، بعد ضرب مدينة خان شيخون بالأسلحة الكيماوية في نيسان 2017، لكن وزير الدفاع جيمس ماتيس رفض تنفيذ أمر الرئيس ترامب.

ماذا لو مات بشار الأسد، من المؤكد ان هذا السؤال يقيم دائما في تفكير صناع القرار في روسيا وإيران، هاتان الدولتان صرفتا في الحرب السورية استثمارات هائلة، والأهم أن الدولتين قامتا بتشييد صروح عالية لمشاريعهما الجيوسياسية تأسيساً على وجودهما في سورية، وبناء على دعامة وجود الأسد في السلطة، فماذا لو مات بشار الأسد، كيف ستتكيفان مع واقع لا وجود للأسد فيه.

تأسس وجود إيران وروسيا في سورية على مقولة أنهما موجودتان بطلب من الجهة الشرعية، أي الأسد، وبررتا نهبهما للاقتصاد السوري وربطه لسنوات طويلة باقتصادياتهما بأن الاتفاقيات التي يعقدونها بهذا الخصوص تتم مع السلطة الشرعية الممثلة للبلاد، وبالتالي فهي اتفاقيات قانونية لا غبار عليها وملزمة لأي حكومة مستقبلية في سورية، أو بلغة أدق لأي نظام يأتي لسورية.

لكن رغم هذه الإدعاءات تدرك موسكو وطهران أن موت بشار الأسد سيكون متغيراً خطيراً يؤثر على وجودهما في سورية، فمن سيحل محله؟، الكثير من التوقعات ترشح ماهر الأسد لهذا لمنصب الرئاسة، حتى الأمريكيين أنفسهم يذهبون بهذا الاتجاه، لكن واقعياً ماهر لن يكون خياراً صائبا للروس، ليس بسبب ميله الشديد لإيران، بل لأن روسيا، ومهما حاولت، ستجد صعوبة في تكييف وضعه، وخاصة انه شخص لا صفة له في الهيكلية السياسة للنظام السوري، وهو مجرد قائد عسكري يوجد كثر أعلى منه مرتبة، حسناً قد يقول البعض أن بشار الأسد نفسه لم تكن له أي صفة في هيكلية نظام حافظ الأسد، ورغم ذلك جرى تعديل الدستور واستلامه السلطة، واعترفت به جميع الدول في المنطقة والعالم!.

الأمر هنا مختلف، سورية في حالة حرب وتعيش أزمة خانقة، وروسيا تحاول إخراجها من هذه الأوضاع، بذريعة أن الأسد منتخب ومنتصر في الحرب وتحوّل إلى واقع لانعدام البدائل في الجهة المقابلة، وإذا مات بشار وعينت بدلاً منه ماهر الأسد، حتى ولو في إطار لعبة دستورية، ستظهر على حقيقتها كقوة احتلال، سينعكس الأمر على مساوماتها مع اللاعبين الإقليميين والدوليين في تأهيل النظام السوري، أو فإنها ستفقد إمكانية الاعتراف بوضعها الذي تحاول تسويقه على أنها قوّة استقرار ولم تأت لسورية إلا بهدف إنقاذها من الفوضى والتفكك.

ما هي بدائل روسيا وإيران إذاً، وماذا لو قررت جهة دولية أو إقليمية خلط الأوراق عليهما في سورية عبر تصفية الأسد؟، كيف ستتصرف روسيا، من المؤكد أن الكرملين قد درس وناقش هذا الاحتمال منذ اليوم الأول لتدخله في سورية، وإلا فإنهم يقامرون ولا يصنعون إستراتيجيات وخطط، وقيل في أوقات سابقة أن روسيا يجهز سهيل الحسن الملقب ب” النمر” كخيار بديل في حال غياب الأسد عن المشهد، لكن تبين أن النمر ليس خياراً منطقياً لأسباب كثيرة منها عدم أهليته لمنصب الرئاسة ووجود قوى بداخل النظام قد تعرقل ترئيسه، وحتى في إطار البيئة الموالية للأسد لا يحظى بقبول كبير.

إذا ماذا لو مات الأسد؟ هذا سؤال سيناريو هاتي، يستدعي بناء احتمالات ودراسة مخاطرها وفرص تحقّقها، سؤال عصف ذهني سياسي، لكن طالما الحدث ممكن ومحتمل، فإن شرعية السؤال قائمة وتفتح الباب على سؤال يخطر ببال كل سوري، كيف ستكون سورية في اليوم التالي لموت الأسد؟.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.