تتجدد ظاهرة إطلاق الرصاص الطائش، كمظهر للتعبير عن الفرح، في غالبية مناطق شمال وشرقي سوريا، وإن كانت تتسبب بوقوع ضحايا وإصابات، كانت آخرها إصابة ثلاثة أشخاص خلال احتفالات رأس السنة الميلادية مؤخراً.

وما أن تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأنباء حول وقوع إصابات خلال الاحتفالات، حتى ربط نشطاء وإعلاميون استمرار الظاهرة بعوامل عدة منها الموروث العشائري وانتشار السلاح والتهاون الأمني في تطبيق القوانين مع مطلقي الرصاص الطائش في المناسبات.

“مسؤولية الآساييش”

الصحفي دلوفان جتو، والذي سبق له أن شارك في حملات ضد ظاهرة الرصاص الطائش، أعرب عن خطورة استمرار  الظاهرة وضرورة مواجهتها.

وحمل “جتو” قوى الأمن الداخلي  “الآساييش” الجزء الأكبر من المسؤولية  تجاه ما وصفه بـ” التهاون وعدم تطبيق القوانين بحق مطلقي الرصاص في المناسبات”.

وقال “جتو” في تصريح كتابي لـ الحل نت، “إن كل من يطلق الرصاص رغم معرفته السابقة أن رصاصته ستعود إلى الأرض، ينحدر من طبقة غير واعية ومستهترة وإن امتلاكهم للأسلحة خطأ فادح”.

 وأشار إلى أن إطلاق الرصاص في المناسبات عامةً وبالأخص في ليلة رأس السنة من كل عام، متعلق بـ”الموروث الاجتماعي من عادات وتقاليد، وأن البعض لا يزال متمسكا بها رغم أن شكل الاحتفالات وطرق التعبير عن الفرح تغيرت مع مرور الزمن”.

وأضاف “جتو” أن “عدم فرض قوانين صارمة بحق كل من يطلق الرصاص، سواء من العسكريين أو المدنيين، والتهاون في تطبيقها، يطلق العنان لأهواء مالكي الأسلحة”.

وواظب نشطاء وإعلاميون منذ سنوات، على الدعوة عبر حملات إلكترونية أو بشكل منفرد، إلى مواجهة هذه الظاهرة التي تسببت بفقدان أرواح بريئة تحت ذريعة التعبير عن الفرح.

“انتشار للسلاح”

وربط الصحفي محمد حسين المقيم في القامشلي، الظاهرة بانتشار السلاح الذي بات “مصدرا للتباهي لدى بعض المراهقين والشبان”.

وأضاف في تصريح لـ الحل نت إن هناك “مداً للعرف العشائري، فيما لا تطبق الإدارة الذاتية القانون”، مشيرا إلى أن الظاهرة “تحتاج أيضا إلى مواجهتها عبر نشاطات توعوية”.

وتعاني غالبية المناطق السورية من انتشار ظاهرة إطلاق الرصاص الطائش، لكن تغيب إحصاءات دقيقة عن عدد الضحايا رغم تكرار وقوع إصابات وضحايا خلال المناسبات وحتى في الأيام الاعتيادية.

وتوفيت نازحة من عفرين مع جنينها بمدينة القامشلي مطلع تموز/يوليو الفائت، بعد يوم على إصابتها في إحدى الحدائق العامة برصاصة أطلقها مجهولون خلال احتفالات أعقبت صدور نتائج الثانوية العامة، لتخلف وراءها يتيما في الثالثة مع والده.

وسبق أن توفيت أم لطفل في الرابعة من العمر من سكان القامشلي، قبل يوم من حلول رأس السنة الميلادية 2020، بعد إصابتها بالقرب من منزلها في الحي الغربي.

“خارجون عن القانون”

إلى ذلك، قال نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الداخلية في إقليم الجزيرة، ريان اخته، في تصريح صوتي لـ الحل نت، إنهم يصدرون التعليمات لمنع إطلاق الأعيرة في كل مناسبة، “إلا أن هناك خارجين عن القانون يعرضون حياة المدنيين للخطر”.

وفي الثالث والعشرين من كانون الثاني/ ديسمبر الفائت، أصدرت قوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا، تعميماً يمنع إطلاق الأعيرة النارية واستخدام السلاح عشوائيا، تحت طائلة المسؤولية، وفقا للمسؤول الأمني. 

وأشار المسؤول الأمني، إلى أن “قلة الوعي يتسبب باستمرار هذه الظاهرة رغم القوانين الصادرة”، مضيفاً أن “الحالة الأمنية المستمرة في سوريا بسبب الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ عقد من الزمن، تسببت بحمل الناس للسلاح”.

“قوانين بعقوبات مشددة”

ونوه نائب هيئة الداخلية إلى أنهم بصدد استحداث قوانين جديدة تتعلق بتشديد العقوبات على مطلقي الرصاص، سواء من المدنيين أو العسكريين، منها مصادرة السلاح حتى لو كان مرخصاً وفرض غرامة مالية والمحاسبة قانونيا أمام المحاكم.

وقال “اخته” إن “القانون لا يزال قيد الدراسة من جانب المكتب القانوني في قوى الأمن الداخلي، وسيحال إلى مناقشته في الهيئة ومن ثم إلى المجلس العام للإدارة الذاتية ليتم إقراره خلال الأيام المقبلة”.

وعبر المسؤول الأمني، عن اعتقاده بضرورة “إشراك منظمات المجتمع المدني للعب دور بارز في نشر الوعي للقضاء معاً على ظاهرة الرصاص الطائش”.

وتوفي الصحفي عبدالرحيم عثمان في أيلول/سبتمبر من العام 2018، بعد خمسة أيام على دخوله في غيبوبة نتيجة إصابته برصاصة طائشة في الرأس أمام منزله بحي الكلاسة بمدينة الحسكة. 

وقبل احتفالات رأس السنة الحالية، تصاعدت النداءات من أجل محاسبة مطلقي الرصاص العشوائي بشكل صارم من جانب صفحات ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيما دعا نشطاء إلى مشاركة الكومينات ( لجان إدارة الأحياء) في جهود ضبط الظاهرة.

“تراجع كبير”

و قال الإداري في المكتب الإعلامي لقوى الأمن الداخلي، عبدالله سعدون إن احتفالات رأس السنة هذا العام شهدت وقوع ثلاثة إصابات سطحية جراء الرصاص، اثنتان في القامشلي وواحدة في الحسكة.

وأوضح في تصريح لـ الحل نت أن إطلاق الرصاص الطائش لم يُرصد في مناطق أخرى، كالرقة ودير الزور ومنبج كما في الحسكة والقامشلي.

وشدد على أن “هذا العام شهد ترجعا لهذه الظاهرة بشكل كبير، ذلك أنها لم تبلغ نسبة 20% مقارنة بالعام الماضي، حيث كان يتم إطلاق الرصاص لنحو ساعتين عقب حلول العام الجديد”.

واعتبر سعدون أن “ذلك دليل على أن الوعي بمخاطر هذه الظاهرة بات أفضل عما كان سابقا، وأن تفاعل المواطنين كان إيجابيا مع تعليمات قوى الأمن الداخلي، وأن كثيرين منهم كانوا يتواصلون لتقديم شكاوى ضد مطلقي الرصاص”.

وأشار إلى أن “الظاهرة ترتبط أيضا بانتشار السلاح خلال فترة الحرب، لكن وبعد تقييد حمل السلاح والقيام بحملات لضبط غير المرخص منه ووضع القوانين المتعلقة به من جانب المجلس التشريعي تراجعت الظاهرة”.

“تغيير تدريجي”

وفيما يتعلق بإطلاق الرصاص خلال الأعراس والاحتفالات في الأرياف، قال سعدون إنه “تقليد متجذر ولا يمكن التخلص منه سريعاً، خاصة وقد تحول إلى نوع من الثقافة والعادة”.

وأضاف أن “معالجة هذه العادة لدى المجتمع الريفي تحتاج إلى تعاون واقتناع مجتمعي بأضرارها، كما أن التخلص من أثار وتبعات الحرب يحتاج إلى فترة زمنية وتدرج”.

ولا توجد إحصاءات حول عدد ضحايا الرصاص الطائش خلال السنوات الماضية، إلا أن وسائل إعلام محلية نقلت عن مشفى الحكمة في مدينة الحسكة وقوع ما لا يقل عن 10 ضحايا جراء الرصاص الطائش خلال عامي 2017 و2018.

اقرأ أيضا: وزارة الداخلية السورية.. ترقية شخصيات مقربة من زوجة بشار الأسد

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.