الثروة الحيوانية في سوريا: كيف أدت الحرب إلى تهديد أحد أهم مقومات الاقتصاد المحلي

الثروة الحيوانية في سوريا: كيف أدت الحرب إلى تهديد أحد أهم مقومات الاقتصاد المحلي

تظهر أهمية الثروة الحيوانية في سوريا في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور لعدة عوامل منها، وجود مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالشعير، الذي يعتبر العلف الرئيسي للحيوانات. إضافة لوجود مصادر وفيرة للمياه، على رأسها نهرا دجلة والفرات. الا أن سنوات الحرب في سوريا أتت على جزء كبير من الثروة الحيوانية. فقد انشغلت أطراف الصراع بالتقاتل فيما بينهما. متناسيةً أحد أهم مقومات الاقتصاد في المناطق التي تسيطر عليها.

ماذا تبقى من الثروة الحيوانية في سوريا؟

توحي المؤشرات الرسمية وغير الرسمية بانخفاض كبير في أعداد الثروة الحيوانية في سوريا، بنسبة تقدّر بأكثر من سبعين بالمئة. بفعل تبعات الحرب السورية، المستمرة منذ ما يزيد عن عشر سنوات. وجاء الجفاف في العام الماضي، وانخفاض منسوب مياه نهر الفرات، بعد قيام تركيا بتخفيض كمية المياه المتدفقة الى سوريا لمستويات قياسية، ليضاعف خطر حدوث تناقص إضافي في أعداد الحيوانات، التي تتركز تربيتها أساساً حول مجرى الفرات ودجلة. أي في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور. ما قد يشكل تهديداً حقيقياً لوجود المواشي في سوريا. في ظل محاولات من المربين، وبعض الجمعيات المدنية والإنسانية المحلية والدولية لتلافي الكارثة. وسط غياب أي دور حكومي، سواء لحكومة دمشق، أو “حكومة الإنقاذ” التابعة لهيئة تحرير الشام،  أو “الحكومة المؤقتة” التابعة للجيش الوطني وتركيا.

وبحسب الإحصائيات، التي تعود للسنوات الأربع الماضية، كان عدد الأغنام في سوريا قبل الحرب 2200000 رأس غنم، ومع نهاية عام 2017 انخفض العدد إلى 1,86000 رأس. وكان عدد الماعز 222481 رأساً، وفي 2017 أصبح 76000 رأساً. أما عدد رؤوس الأبقار في سوريا قبل الحرب فكان 108 ألف رأس. وبقي منها مع نهاية 2017 ما لا يزيد عن 71000 رأس ما أدى لارتفاع سعر البقرة في سوريا مقارنة بالسنوات الماضية.

ماذا يقول مربو الماشية؟

المربي “محمد الفاضل” يقول لموقع «الحل نت» إن «تكلفة العلف اليومية لمئة رأس من الغنم باتت تصل إلى مبالغ تتراوح بين مئة وخمسين ومئتين وخمسين ألف ليرة سورية. عدا عن تكاليف التلقيح وأجور الأطباء». مؤكداً أن «معظم مربي المواشي لجأوا لـ”الضمان”. أي استئجار الأراضي، التي خرجت عن الإنتاج الزراعي، لتأمين العلف لحيواناتهم. وهذا تكلفته عالية كذلك. وتتراوح أيضاً بين مئة وأربعمئة ألف ليرة يومياً. بحسب أعداد رؤوس الماشية التي يملكها المربي».

ويرى “الفاضل” أن السبب الرئيسي لتراجع الثروة الحيوانية في سوريا هو «الجفاف وانخفاض منسوب مياه الفرات، الذي تغذي مياهه عدداً من الروافد الصغيرة والآبار في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور. وجميع هذه الروافد والآبار جفت. ما أدى إلى  شح  في مادتَي الشعير والتبن. ودفع غالبية المربين لبيع جزء من القطيع،  لتأمين العلف للجزء المتبقّي».

أما المربي “سعيد الحمد”، الذي اعتاد مرافقة قطيعه، فيما  يعرف شعبياً بـ”الغنامة”، بحثاً عن مرعى لأغنامه، فيؤكّد لـ«الحل نت» أن «هنالك مخاوف من وصول الثروة الحيوانية في سوريا إلى مرحلة الانقراض، في حال استمرت ظروف الجفاف، وانخفاض مستوى نهر الفرات. وغياب أي دعم  للمربين، من الأطراف التي تتقاسم السيطرة على سوريا. لإعانتهم على تربية ماشيتهم».

خطر انخفاض أسعار اللحوم

“الحمد” يشير الى أن «كثيراً من المربّين قاموا ببيع كامل قطيعهم. بسبب عدم قدرتهم على تأمين التكلفة المرتفعة للأعلاف». معتبراً أن «الخطر على الثروة الحيوانية في سوريا يكمن في ارتفاع استهلاك أهالي المنطقة للحوم الماشية، نتيجة انخفاض سعرها بشكل كبير. بعد أن باتت الحيوانات عبئاً على المربّين، الذين اضطروا لذبحها وبيعها. ما أدى لتوافر كثير من اللحوم في الأسواق. وبالتالي انخفاض سعرها. لكن السعر سيعود للارتفاع بشكل هائل، مع انخفاض عدد القطعان في البلاد، بعد استنزافها بالذبح».

من جهته، يقول المربي “سالم بكار” إنه «قام بشراء الشعير وتبن القمح والفول بقيمة خمسة وعشرين مليون ليرة سورية، لتأمين العلف لمئتين وثلاثين رأساً من الأغنام. لمدّة قد لا تتجاوز ثلاثة أشهر».

ويشرح لـ«الحل نت» أن «هذا المبلغ يشكّل نحو 35 إلى 40%من قيمة كامل القطيع. وفي حال جاء موسم جفاف إضافي فسينهار سعر المواشي، ويضطر غالبية المربين لبيع قطعانهم».   

تأثير السياسات التركية على الثروة الحيوانية في سوريا

أطلق ناشطون في شمال شرقي سوريا، في شهر نيسان/إبريل الماضي حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر وسم #حصة_سوريا_ من_ مياه_ الفرات. و #الفرات_ينحسر. وتداولوا صوراً وتسجيلات لانخفاض مستوى المياه، ليس فقط في الرقة، بل في محافظة دير الزور أيضاً. ويمكن تخيّل انعكاس هذا على الثروة الحيوانية في سوريا. فقد يسبب نقص المياه كارثة للزراعة المحلية السورية، ويهدد مئات آلاف من رؤوس الماشية في تلك المحافظات.

مقالات قد تهمك: إلى متى تستمر أزمة المياه في الشرق السوري؟

الصحفي “شفان خليل” يقول لموقع «الحل نت» إن «المناطق الأكثر تضرراً هي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. فتركيا تستخدم سلاح المياه ضد الإدارة الذاتية. وتلحق الضرر والأذى بالمدنيين في الحسكة والرقة ودير الزور». مضيفاً: «أنقرة لا تستهدف الإضرار بالإدارة الذاتية و”قسد”، بل الإضرار بالمواطنين العزل». حسب تعبيره.

وحذّر أيضاً من «استمرارية انخفاض حصة سوريا من المياه». مشيراً إلى أن «بحيرة الطبقة، التي تزوّد المنطقة بمياه الري والشرب، باتت مهددة بالخروج عن الخدمة. إذا ما انخفض منسوب المياه فيها إلى ما دون 298 متراً مكعباً».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.