أوضحُ مؤشر على تضرر الشعب السوري من الأزمة الاقتصادية هو أنهم لا يتحدثون فقط عن ارتفاع الأسعار والتضخم المرتفع وانخفاض قيمة العملة. قد يكون هناك ما هو أكثر من ذلك، مثل التحول في الأنماط المجتمعية والانتقال إلى نمط التقشف السلبي.

من هذا المنطلق يمكننا البدء في مناقشة مشكلة منتجات ومواد التنظيف الرخيصة والخطيرة التي تسللت إلى السوق في سوريا وتمت الموافقة على استعمالها من قبل الأهالي فقط بسبب أسعارها المنخفضة.

فاتورة المنظفات ترهق الأهالي

تواصل خديجة، وهي ربة منزل من دمشق، استخدام مواد التنظيف الكيميائية محلية الصنع، على الرغم من إصابتها بحساسية جلدية نتيجة الجمع بين هذه المكونات، مما دفعها إلى طلب بعض المراهم من الصيدلية لعلاجها.

تدعي خديجة خلال حديثها لـ”الحل نت”، أنها أصيبت بالحساسية التي أعقبتها حكة في الجلد نتيجة الجمع بين نوعين من محاليل التنظيف محلية الصنع؛ ومع ذلك، حتى الآن تستمر في استخدامها ولكن دون خلطها؛ لأنها أقل تكلفة من مواد التنظيف الأخرى المستوردة.

في سوريا وخصوصا داخل دمشق، هناك عشرات الورش المتخصصة في إنتاج مواد التنظيف، ويقبل الأهالي بهذه الأصناف بسبب أسعارها الأرخص مقارنة بالعلامات التجارية المعروفة، بغض النظر عن المخاطر الصحية التي قد يشكلها استخدام هذه المواد مقابل الأسعار المخفضة.

الورش الصغيرة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، تصنع مجموعة متنوعة من المنظفات، بما في ذلك منتجات تنظيف الأرضيات، ومواد الغسيل، ومواد التنظيف الأخرى. ويحتل سائل غسيل الصحون، بحسب سامر البرم، الذي يدير شركة تبيع هذه المواد، على رأس قائمة المواد “المقلدة” للعلامات التجارية المشهورة، كما توجد أيضا مركبات أخرى، مثل الكلور ومسحوق الغسيل.

للقراءة أو الاستماع: سوريا.. تضاعف أسعار المنظفات والصناعيون يتهمون كورونا!

رخص أسعار مواد التنظيف في سوريا

ونظرا لسعرها المنخفض، مما يجعلها مناسبة للعرض تُباع منتجات التنظيف المحلية أكثر في البازارات، وهي أسواق مشهورة تفتح في مناطق مختلفة في كل أسبوع.

تقول خديجة، إنها تشتري مستلزماتها من سائل الغسيل والكلور كل يوم أربعاء، عندما يكون سوق بلدتها مفتوحا. وبحسب خديجة، فإنها “توفر الكثير من المال” بهذه الطريقة لأن هذه العناصر باهظة الثمن لا يمكن مقارنتها بالمنتجات الأخرى.

وتشير خديجة أيضا، إلى أن عبوة 450 مل من سائل غسيل الصحون “نورا” تكلف 2500 ليرة سورية. لكن لترا كاملا من أفضل سائل غسيل الأطباق المحلي يكلف 500 ليرة سورية فقط.

وفي حالة الكلور، قد تنتج حفنة بودرة صغيرة تكلفتها أقل من 250 ليرة لترين من الكلور السائل. في حين أن لترا واحدا من “الكلور كانوكس” يكلف ما لا يقل عن 3000 ليرة سورية.

للقراءة أو الاستماع: أسعار الخضار تُحلّق.. هل استغل التجار موضوع رفع الدعم؟

الفقر تسبب بجهل الأهالي للمخاطر

في السياق ذاته، تقول طبيبة الجلدية في درعا، ريم القداح، لـ”الحل نت”، “للأسف من يعمل في صناعة هذه المواد لا يعتمد في كثير من الأحيان على المعرفة العلمية. ولا يقدر مخاطر العبث بنسب المواد المستخدمة في صنعها”، محذرة في الوقت ذاته من استخدام هذه المواد في التنظيف. 

وتشير الطبيبة، إلى أن هذه المواد التي لا تخضع لمعايير التصنيع العلمية. وهي تشتمل على مواد ضارة مثل التكسابون وحمض السلفونيك، الذي يُعرف أحيانا باسم الكبريت. بالإضافة إلى جزيء قلوي يسمى تارون، وأيضا القطرونة.

وأوضحت الطبيبة، أن أغلب الحالات التي ترد إلى المستشفيات أو العيادات الخاصة هي من النساء. واللاتي يعانين من الحساسية أو التسمم أو الحروق نتيجة استخدام هذه المنتجات. وهناك حالات مرتبطة بصعوبات في القصبة الهوائية. 

والمشكلة في هذه الظاهرة ليست مجرد شراء الناس لمواد تنظيف ضارة؛ بل إن الجانب الآخر الذي لم يتطرق إليه أي مسؤول أو صانعي القرار في الحكومة السورية، هو أن الناس وصلوا إلى نقطة تدهورت فيها ظروفهم المعيشية إلى درجة أصبحت فيها الصحة والسلامة من اهتمامات الدرجة الثانية.

للقراءة أو الاستماع: دون إنذار مسبق.. إزالة الأكشاك في دير الزور تثير غضب أصحابها

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.