انتهاكات عناصر الأمن بالعراق: جانب من عنف اجتماعي عام أم ممارسة ممنهجة؟

انتهاكات عناصر الأمن بالعراق: جانب من عنف اجتماعي عام أم ممارسة ممنهجة؟

تثير انتهاكات عناصر الأمن بالعراق غضبا كبيرا بين المواطنين. إذ اتُهم عديد من منتسبي القوات الأمنية بقضايا قتل واغتصاب. ما جعل مواقع التواصل الاجتماعي تعج بوسوم رافضة للجرائم المجتمعية، التي يرتكبها من يفترض أنهم حماة البلد.
اللواء سعد معن، مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية، يرى أن “المبالغة في الحديث عن انتهاكات عناصر الأمن في العراق نوع من التشويه لصورتهم. كما أن الإعلام والبرامج الساخرة تقلل من التضحيات التي يقدمونها. والتركيز على بعض الحالات الفردية أمر غير مقبول”.
ولكن يبقى السؤال: ما المدى الفعلي لانتهاكات عناصر الأمن بالعراق؟ وما دور القضاء العراقي والحكومة في الحد من انتشارها؟

انتهاكات هزت الرأي العام

وقعت قبل فترة جريمة هزت الرأي العام العراقي. واعتبرت من أهم الأمثلة على انتهاكات عناصر الأمن بالعراق. إذ اندلعت، في مجمع بسماية السكني في بغداد، مشاجرة بين محامٍ وضابط برتبة مقدم، يعمل في وزارة الداخلية العراقية- مديرية المخدرات والمؤثرات العقلية. وتطورت المشاجرة إلى استخدام السلاح الخفيف من قبل الضابط. ما أدى إلى مقتل المحامي.
“الحل نت” التقى بضابط برتبة رائد لسؤاله عن تفاصيل الحادثة، فأجاب بالقول: “ليس كل ما ينقل يمكن تصديقه. لا أدافع عن القاتل. ولكن الضابط شخص مثل بقية الأشخاص. تثيره الغيرة والحمية، ولديه مشاعر. فهو أب وزوج وأخ. والقضية التي أثارت ضجة على مواقع التواصل كان المعتدي فيها مزورا ومتحرشا. فظن الضابط بفعلته أنه يدافع عن شرفه وعرضه”.
ويتابع الرائد، الذي فضل عدم ذكر اسمه: “المشاجرة نشبت بسبب تحرش المحامي بزوجة الضابط. الأمر الذي دفع الأخير للدخول بمشادة كلامية معه. تطورت إلى استخدام السلاح، وإطلاق النار على المحامي. وبعد التحقيق تبين أن المحامي شخص مزور ومتحرش”.
وفي سياق متصل وقعت جريمة أخرى أثارت غضب الشارع العراقي. وهي قيام أحد أفراد الشرطة العراقية باغتصاب طفلة تبلغ من العمر سبعة أعوام. وقامت السلطات الأمنية بالقبض على الجاني.
المصدر في وزارة الداخلية، الذي التقاه الموقع، لا يعتبر هذه الجريمة أيضا دليلا على تفشي انتهاكات عناصر الأمن بالعراق. إذ يؤكد أن “مرتكب الجريمة شخص مختل عقليا ويتعاطى المخدرات. كما أنه نال جزاءه العادل. ولا يجب إدانة كل عناصر وزارة الداخلية بسبب حادثة ارتكبها فرد معزول”.
وسيم علاء، اسم مستعار لمقدم في وزارة الداخلية العراقية، أكد بدوره أنه “لا يمكن التعميم. فمنتسبو وزارة الداخلية يسهرون على راحة المواطن. ولكن هناك قلة قليلة منهم قد ترتكب الانتهاكات”.
ويضيف علاء أن “مواقع التواصل الاجتماعي باتت مرضا خطيرا، بنقلها معلومات مغلوطة. دون التأكد من حقيقتها. لذلك من الضروري وضع حد لنقل المعلومات بهذه الطريقة. وإعلان أخبار الجرائم من جهات مختصة. بعد التحقق من صحتها وحيثياتها”.

انتهاكات عناصر الأمن بالعراق مؤشر على سلوك المؤسسة

ورغم ادعاءات من التقاهم الموقع من ضباط وزارة الداخلية بأن المزاعم عن انتهاكات عناصر الأمن في العراق مجرد حالات فردية، إلا أن عددا من الحقوقيين والناشطين يعتبرون أن تكرار هذه الانتهاكات مؤشر خطير على سلوك المؤسسة الأمنية بشكل عام.
الحقوقي محمد جمعة المساحي يقول لـ”الحل نت” إن “تكرار جرائم منتسبي وزارة الداخلية يجعل من الصعوبة تصنيفها بوصفها أفعالا فردية. بل هي مشكلة بنيوية في المؤسسة بأكملها”. 
مبيّنا أن “واجب وزارة الداخلية العراقية، وبقية المؤسسات الأمنية، أن تقوم بمراجعة سلوك أفرادها دوريا. للحد من مشكلة انتهاكات عناصر الأمن بالعراق، التي باتت تتصاعد في الآونة الأخيرة. والأعذار التي تقدّم عادة، بأن مرتكبي الجرائم يعانون من مشاكل نفسية، أو يتعاطون المخدرات، غير مقبولة”.
أما على الصعيد القانوني فيرى المساحي أن “القضاء يعمل بموجب الأدلة والبراهين. فإذا ثبتت الجريمة على أحد عناصر الأمن، فمن المفترض أن تكون عقوبته مضاعفة”.

دور الفساد والعوامل النفسية في الانتهاكات


الباحثة الاجتماعية ندى العابدي تشدد على ضرورة “أخذ انتهاكات عناصر الأمن بالعراق من جانب انعكاساتها الاجتماعية والنفسية والبيئية والسلوكية. لأن المنتسب إلى الأجهزة الأمنية جزء من هذا المجتمع، الذي عانى طويلا من الحروب، ومشاكل كبيرة على المستوى الأمني والاقتصادي. ما قد يؤدي إلى تداعي الضوابط السلوكية. وحالات عنف اجتماعي متصاعد“.
وتشير العابدي، في حديثها لـ”الحل نت”، إلى أن “الضغوطات النفسية تتسبب بحدوث اضطرابات. ومنها الاكتئاب والوسواس القهري. فضلا عن الخوف والقلق. وتتحول إلى اضطرابات مزمنة إذا تم إهمالها. وهو الأمر الذي قد يعاني منه منتسبو القوى الأمنية. فهم يعيشون ظروفاً مماثلة لظروف كل العراقيين. ويعانون من الضغوط في كل مكان. من العائلة وحتى بيئة العمل”.

مقالات قد تهمك: تقريرً أميركي حول انتهاكات حقوق الإنسان دولياً: هذا ما يخص العراق

إلا أن الباحثة الاجتماعية لا تقتصر في تحليلها على الجانب النفسي، إذ تختتم حديثها بالقول: “القضية تبدأ ربما من عدم حصول عناصر الأمن على التدريب الكافي في مجال التعامل مع الأزمات. ووجود كثير من العناصر، الذين يلتحقون بالقوات الأمنية، دون أن يمروا بمراحل الإعداد الكافية لوصولهم إلى مناصبهم. وهذا ملف يشوبه كثير من الفساد. ويتطلب معالجات سريعة من قبل الجهات المختصة. فهو من أهم أسباب انتهاكات عناصر الأمن بالعراق”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.