منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تستمر تفاعلات سرقة أموال الأمانات الضريبية المعرفة بـ “سرقة القرن”، والتي تُعدّ واحدة من أكبر السرقات في تاريخ العراق، حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مساء أمس الأحد، أنه عازم على محاسبة مسؤولين عراقيين كبار متورطين في عملية السرقة، دون الإشارة إلى مَن هم أولئك المسؤولين.

تصريح السوداني، جدد الحديث عن ما باتت تعرف به بـ “سرقة القرن”، والتي تورط بها مسؤولون سابقون كبار ورجال أعمال، وأثارت سخطا شديدا في العراق الذي شهد في السنوات الماضية احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد للفساد.

في هذه الحادثة، تم الاستيلاء على ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار بين أيلول/ سبتمبر عام 2021، وآب/أغسطس الماضي من خلال 247 صكا تم صرفها من قبل خمس شركات، ثم سُحبت هذه الأموال نقدا من حسابات هذه الشركات، التي فرّ معظم مالكيها خارج البلاد.

كم تبلغ قيمة “سرقة القرن”؟

 المبلغ المختلس يصلح إلى نحو 2.8 بالمئة من حجم موازنة الدولة لعام 2021، ويشير تقرير مدققي الحسابات، الذي حصلت عليه وكالة “أسوشيتد برس”، ونشرته صحيفة “الغارديان” لأول مرة، إلى أن السرقة كانت مدبرة من قبل شبكة واسعة من المسؤولين وموظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال. وفي نظام المحسوبية المتجذر في العراق، غالبا ما يكون لهؤلاء الأفراد صلات بفصائل سياسية قوية.

اقرأ/ي أيضا: بسبب القائم بأعمال العراق.. بغداد والمنامة على عتبة خلاف دبلوماسي؟

على إثر ذلك، اعتقلت حكومة مصطفى الكاظمي السابقة، أحد المتهمين بالسرقة المدعو نور زهير، واستعادت بعض الأموال المسروقة، واستمرارا لإجراءات الحكومة التي اصطدمت منذ أول تشكيلها بهذه القضية، وتعهدت بالكشف عنها، أصدر القضاء العراقي مذكرات توقيف بحق أربعة مسؤولين كبار في الحكومة السابقة. 

قرار القضاء صدر بتُهم “تسهيل الاستيلاء” على 2.5 مليار دولار من الأموال العامة، واستنادا على ذلك، تعهد السوداني خلال استضافته في برنامج “المقابلة” الذي تبثه قناة “الجزيرة” القطرية، بمحاسبة أسماء كبرى من المتورطين في قضية “سرقة القرن”. 

رئيس الحكومة العراقية قال إن التحدي الذي تواجه الدولة العراقية اليوم هو الفساد، وإن “الجزء الأكبر من الفساد محمي من الواجهات السياسية أو الرسمية”، ولم تكن هناك إرادة حقيقية لمكافحته في الفترة السابقة، في حين أن جزءا من الفساد هو مجتمعي بسبب غياب المحاسبة.

وأضاف السوداني أن “سرقة القرن”، وهي ضمانات ضريبية سرقت بمقدار 3 تريليونات و7 مليارات دينار، “فيها حماية وغطاء رسمي حكومي، والقضاء يتحدث عن وجود شبكة من كبار المسؤولين في الحكومة السابقة أسهموا بالتغطية وتقديم التسهيلات لشبكة من السارقين استولت على هذه الأموال”.

حول طريقة تعامله مع المسؤولين الذين يؤكد تورطهم في “سرقة القرن”، أشار السوداني إلى أن هذه القضية بالتحديد إذا لم تكن فيها محاسبة واسترداد للمال العام فأي حديث عن مكافحة سيكون عبثا وضحكا على الذقون. 

القضاء أمام المتورطين مهما كان حجمهم

السوداني أكد أنه كان واضحا وصريحا منذ اليوم الأول للرأي العام ومع “مجلس القضاء” الذي أخبره؛ أيّا كان المتورط في القضية مهما كان موقعه أو صفته أو قربه من هذه الجهة أو تلك، أنتم بحكم القانون تقومون بإصدار أمر القبض وأنا المعني بجلبه سواء داخل العراق أو خارجه. 

السوداني وردا على سؤال حول ما إذا كان يتوقع شيئا قريبا ضد أسماء كبرى، أجاب قائلا؛ نعم.. ضد أسماء كبرى في هذه السرقة الكبيرة.. ويجب أن يحاسبوا لأنه لا وجود لخطوط حمراء.

في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ظهر السوداني، وإلى جانبه أكوام من المبالغ المالية بالدولار الأميركي، والعملة العراقية، قال إنها تعادل 182 مليار دينار، أي نحو 121.3  مليون دولار، تمكنت حكومته من استرجاعها من أصل مبلغ 3.75 ترليون دينار ما يعادل 2.5 مليار دولار، والتي اختفت من حسابات دائرة الضرائب العراقية.

اقرأ/ي أيضا: مسلسل “دفعة لندن“.. يثير غضب العراقيين ويشعل جدلا مع الكويتيين

المبلغ المُستعاد هو جزء من مبلغ 1.6 تريليون دينار سُرقت من قبل رجل أعمال عراقي اسمه، نور زهير، وفقا للسوداني، وفي كانون الأول/ديسمبر، أطلق سراح زهير بكفالة مالية، لحين استرداد الأموال المتبقية من السرقة، وقال السوداني  حول ذلك؛ إن القاضي المختص أصدر أمرا بإطلاق سراح المتهم بسرقة الأموال بكفالة، مقابل تعهده بتسليم كامل المبلغ المسروق خلال مدة أسبوعين من تاريخه، مشيرا إلى أن القسم الأكبر من المبلغ لدى المتهم عبارة عن عقارات وأملاك، ومبيّنا وجود اتفاق بين محكمة تحقيق الكرخ الثانية في بغداد والمتهم، لجدولة استرداد كامل المبلغ الذي بحوزته.

الكشف عن سرقة الأموال أدى إلى صدمة داخل العراق بسبب الحجم الكبير للمبلغ، مع أن البلاد متعايشة نوعا ما مع الفساد المسيطر على مرافق الدولة، وصنفت “منظمة الشفافية الدولية”، وهي هيئة رقابية عالمية، العراق في المرتبة 157 من أصل 180 دولة على مؤشرها لعام 2021 للحوكمة النظيفة.

المخطط لـ “سرقة القرن” كما يسمى في البلاد، قد ظهر إلى النور في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عندما أفادت مراجعة داخلية أجرتها وزارة المالية بأن الهيئة العامة للضرائب، دائرة الإيرادات الداخلية العراقية، دفعت عن طريق الاحتيال نحو 3.7 تريليون دينار عراقي، أو حوالي 2.5 مليار دولار، لخمس شركات.

حيثيات “سرقة القرن”

الدفع تم من خلال 247 شيكا من فرع في  مصرف “الرافدين” الذي تديره الدولة  ويقع ضمن لجنة الضرائب، ويحتوي الحساب على ودائع ببلايين الدولارات قدمتها شركات كان من المفترض أن تعاد إليها بمجرد خصم الضرائب وتقديم الشركات بيانات مالية مستكملة.

خيوط السرقة بدأت تظهر عندما قام وزير المالية بالوكالة في ذلك الوقت، إحسان عبد الجبار، الذي شغل أيضا منصب وزير النفط، عملية تدقيق، واكتشف السرقة بعد تلقيه شكاوى من شركة نفط غير قادرة على استرداد ودائعها الضريبية، وفقا لمسؤول كبير مقرب من التحقيق.

المسؤول تحدث لوسائل إعلام، بأنه عندما استفسر الوزير عن الرصيد المتبقي في الحساب، قالت مصلحة الضرائب إنها تحتفظ بحوالي 2.5 مليار دولار، لكن المزيد من التفتيش كشف أن الرصيد الفعلي قد تم استنزافه إلى 100 مليون دولار، ومثّل ذلك أول مؤشر على السرقة الضخمة.

يشار إلى أنه قبل وقت طويل من مراجعة الحسابات، أعربت إدارة غسل الأموال في المصرف لوزارة المالية عن قلقها إزاء الحجم الكبير لعمليات السحب النقدي، وقال المسؤول إن سلفه عبد الجبار وزير المالية السابق علي علاوي، طلب أن تحصر الموافقة على أي سحوبات كبيرة بمكتبه لكن المديرين الرئيسيين في مصلحة الضرائب تجاهلوا الطلب.

حاليا، يتهم علاوي إلى جانب رائد جوحي، مدير مكتب رئيس الوزراء السابق، والسكرتير الخاص أحمد نجاتي، والمستشار مشرق عباس، بتقديم تسهيلات لـ “سرقة القرن”، وعلى الرغم من أن قرار القضاء لم ترد فيه أسماء الأربعة الذين كانوا ضمن فريق الكاظمي، لكن مصادر مطلعة قالت لوكالة “فرانس برس”، هؤلاء الأشخاص الأربعة الموجودين خارج العراق هم المتهمون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات