من دون تحذير أو سابق إنذار، سلّمت البحرين القائم بالأعمال في سفارة العراق لدى المملكة مؤيد عمر عبد الرحمن مذكرة احتجاج، وذلك بعد أن استدعته الثلاثاء الماضي، حيث أبلغته أسفها واستيائها لمخالفاته المتكررة للأعراف الدبلوماسية، وذلك في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن أن الدبلوماسي العراقي كان قد تفوه بطرفة غير محبذة في مجلس رفيع المستوى، وبغض النظر عن ذلك؛ فإن الموقف البحريني فتح الباب أمام تكهنات حول مصير علاقات بغداد والمنامة.

التطور السريع بالموقف البحريني إزاء القائم بأعمال العراق، ترك الباب مفتوحا على عدة روايات، منها أن القضية تتعلق بمسألة تجارية، لكن الخارجية البحرينية قد تحدثت بشكل واضح وصريح، عن أن قرار استدعاء القائم بالأعمال في السفارة العراقية لدى المملكة الخليجية، ليس له علاقة بالترتيبات الجارية في مجال النقل بين البلدين.

البحرين عبّرت عن موقفها من دون رتوش، حيث قال المتحدث الرسمي باسم مركز الاتصال الوطني الحكومي في المملكة، محمد العباسي، إن استدعاء القائم بالأعمال في سفارة العراق إلى وزارة الخارجية وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية جاء بناء على مخالفاته المتكررة للأعراف الدبلوماسية، إذ اتهم العباسي الدبلوماسي العراقي بتدخله في الشؤون السياسية الداخلية للبحرين وهو أمر “يتعارض مع مهمته الدبلوماسية في المملكة”.

بالتالي فإن القرار البحريني لا يتعلق بأي شكل من الأشكال ترتيبات تجارية في مجال النقل بين البلدين، بحسب ما قاله العباسي، والذي أكد رفض بلاده التدخل في الشؤون السياسية الداخلية للمملكة، وهو ما يتعارض في الأساس مع مبادئ ميثاق “الأمم المتحدة” التي تنظم العلاقات بين الدول.

تصرف غير مقبول

في التطور السريع للقضية وفي الساعات القليلة التي لم تكن بغداد قد بينت موقفها بعد من كل ذلك، استنكرت البحرين بشدة ما وصفه وزير خارجية المملكة عبداللطيف بن راشد الزياني بـ”التصرف غير المقبول” من قبل الدبلوماسي العراقي، والذي يتنافى مع البروتوكولات الدبلوماسية في المملكة ويتعارض مع مهامه.

بينما لم تكشف البحرين أي تفاصيل أخرى عن القضية واكتفت بما أفادت به في بيانها، سارع العراق وبشكل مباشر إلى إعادة القائم بأعمال العراق في البحرين إلى بغداد. وحول ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف، إن هذا الإجراء يأتي تعزيزا لمكانة الدبلوماسية العراقية التي تنتهجها الوزارة في الحفاظ على الأعراف الدبلوماسية.

اقرأ/ي أيضا: مسلسل “دفعة لندن“.. يثير غضب العراقيين ويشعل جدلا مع الكويتيين

رد فعل العراق السريع وتأكيده على أهمية العلاقة مع البحرين، والذي بدا فيه يحاول جاهدا تدارك أي أزمة محتملة نظرا لشدة الموقف البحريني؛ فوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين لم يدخر وقتا أكثر من يوم على الحادثة، حتى أجرى اتصالا هاتفيا بنظيره البحريني، عبداللطيف الزياني.

خلال الاتصال الهاتفي، أكد حسين أن “العراق يولي تعزيز العلاقات الثنائية مع مملكة البحرين أهمية كبيرة”، وفي المقابل أشادت البحرين بقرار العراق إعادة القائم بأعمال العراق إلى بغداد، حيث عبّرت المنامة عن تقديرها لهذه الخطوة عقب الاتصال الهاتفي بين الوزيرين.

المتحدث الرسمي باسم مركز الاتصال الوطني الحكومي في المملكة محمد العباسي، أكد في أعقاب الاتصال الهاتفي بين وزيري الخارجية، إن هذه الخطوة، تعكس الأجواء الإيجابية والعلاقات الوثيقة التي تربط بين البلدين والحرص المشترك على تنمية وتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات لتحقيق المصالح.

إلى ذلك، وعن تداعيات القضية، أوضح المحلل السياسي علي البيدر في حديث لموقع “الحل نت”، أنه يجب النظر بملف إدارة الدبلوماسية في البلاد لأن شكله ضعيف، بسبب وقوعه تحت تأثير الأمزجة والإرادات السياسية التي لم تكلف نفسها بدفع عناوين قادرة على تمثيل البلاد بشكل أفضل ومشرف، بل يتم اعتماد شخصيات غير قادرة على حماية نفسها أولا، ومثلا على ذلك ظهور السفير العراقي في نواكشوط ذات مرة بمظهر لا يليق بقدسية السلك الدبلوماسي الذي سيطرت عليه الأحزاب.

غياب الحرص الوطني

إن ما حصل في البحرين وغيره، ليس خفيا على أحد، بل ربما يدرك ساسة البلاد سذاجة هكذا شخصيات، كما يرى البيدر. مشيرا إلى أن إمكانية تطور الموضوع إلى مستوى أزمة دبلوماسية بين العراق والبحرين أمر مستبعد، لكن مع ذلك، ما حصل يمثل مؤشرا واضحا على غياب الحرص الوطني من قبل السفراء والساسة في ذات الوقت.

المحلل السياسي يعتقد أن الأمر سيمر مرور الكرام، وينتهي بسحب القائم بأعمال العراق ونقله إلى جهة معينة أو سحبه إلى مقر وزارة الخارجية. لافتا إلى أن البحرين تتعامل مع العراق بحذر خلال هذه الفترة، لأن الجميع يعلم أن السلوكيات السياسية في العراق تجاه البحرين أخذت جوانب عدائية وتنبع من منطلقات مذهبية، بل تدفع لتحويل المشهد البحريني الداخلي جزء من اهتماماتها، وفي بعض الأحيان تكون تلك المواقف مدفوعة برغبة إيرانية.

اقرأ/ي أيضا: ضرائب جديدة بموازنة العراق الثلاثية.. ما تأثيرها على المواطنين؟

لذلك بحسب البيدر، فإن كل هذه الاعتبارات ممكن أن تغضب البحرين التي مدّت يد السلام للعراق، وهو ما يتطلب من العراق إرسال ممثلين أكفاء يمكنهم إقناع الجانب الأخر، وتطمين البحرينيين بأن المواقف العراقية إيجابية تجاههم، مستبعدا إمكانية أن تكون هنالك أي سيناريوهات تصعيدية في هذا الجانب.

ذلك يأتي بينما كان القائم بأعمال العراق، يسعى مع مسؤولين بحرينيين التقاهم في 7 آذار/مارس الماضي، لإعادة فتح خط الطيران المباشر بين البلدين، كما التقى وزير المواصلات والاتصالات محمد بن ثامر الكعبي في مقر وزارة المواصلات بالمنامة.

بحسب بيانات رسمية، فقد بحث الوزير المفوض مؤيد عمر عبد الرحمن كوبرلي مع الجانب البحريني قضايا المواصلات، وإعادة فتح خط الطيران المباشر بين البلدين، بما يخدم مصالح البلدين والشعبين.

عكس كل ما جرى من توتر مفاجئ وسريع بين البلدين، كانت شركة “الخطوط الجوية العراقية” قد أعلنت مباشرة بعد اللقاء بيوم عن قرب تسيير رحلات مباشرة بين البحرين والعراق، ونشرت الشركة على حسابها في وسائل التواصل الاجتماعي أن إدارة “الخطوط الجوية العراقية” تعلن عن قرب تسيير رحلات مباشرة بين العراق والبحرين، إلا أن مصدرا بحرينيا مسؤولا نفى الأمر.

سياق علاقات معقد

المصدر البحريني أكدا أنه ليس هناك أي جديد يتعلق باستئناف الرحلات الجوية الآتية والمغادرة من وإلى العراق، وفق ما نقلته صحيفة “إندبندنت عربية”. وبحسب المتداول، فإن تعليق الرحلات بين البحرين والعراق حتى إشعار آخر، يعود لدعم جهود مواجهة وباء “كورونا” في المملكة، بحسب ما ذكرته شؤون الطيران المدني البحرينية في شباط/فبراير 2020.

 أزمة استدعاء القائم بأعمال العراق في البحرين وتوجيه مذكرة احتجاجية له، لم تكن المرة الأولى، ففي حزيران/يونيو 2019، استدعت وزارة الخارجية البحرينية القائم بأعمال السفير العراقي لدى المملكة محمد عدنان محمود الخفاجي للاحتجاج على الاعتداء الذي تعرض له مبنى سفارتها في بغداد.

يشار إلى أن العلاقات العراقية البحرينية سبق وكانت واحدة من أكثر العلاقات تعقيدا، فمنذ العام 2003 وحتى نحو 15 عاما لم تشهد أي تحسن، بل على العكس، اتسمت بالتشنج وبإطلاق التصريحات النارية بين الفينة وأخرى ولمرات كثيرة، خاصة بعد عام 2011 عقب أحداث ما يُعرف بـ “دوار اللؤلؤة” في العاصمة البحرينية المنامة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات