تزامن الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك، مع وجود وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في موسكو، والذي صرح في الوقت ذاته، عن استعداد الرئيس السوري، بشار الأسد، الاعتراف بالجمهوريتين الأحدث.

هذه الأحداث المتسارعة، تفتح الباب أمام السؤال حول احتمالية قبول دمشق بهذا النموذج الروسي في سوريا، لا سيما وأن ذلك يحدث في وقت ليس بالبعيد عن طلب موفق طريف، الرئيس الروحي لطائفة الدروز الموحدين، بإقامة إدارة مستقلة في السويداء. إذ إن الأمر في الجنوب السوري ليس بالجديد، فقد تم طرح تأسيس إدارة مستقلة في درعا، في عموم المحافظات الثلاث بعد اتفاق التسوية عام 2018، بعد أن هناك كانت هنالك محاكاة مصغرة لهذا النموذج في مدينة بصرى الشام التابعة لمحافظة درعا، تحت قيادة أحمد العودة، المدعوم من روسيا.

لعب على الوتر اللامركزي

بتقدير الكاتب والأكاديمي، زارا صالح، فإن الوضع في سوريا يختلف بالنسبة للوضع لما حصل في دونيتسك ولوغانسك، فروسيا ليست بصدد قبول صيغة فدرالية في سوريا، وفق رأيه. 

وأوضح صالح، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه حتى صيغة مسودة الدستور التي قدمتها روسيا عام 2017، كان قد ذكر فيها إشارات عن حكم ذاتي ثقافي أي لا مركزية إدارية، حيث يكون توزيع السلطة عبر بناء بشكل لامركزي؛ لكن إداريا وليس سياسيا. حتى تلك المسودة رفضتها الحكومة السورية وتراجعت عنها روسيا أيضا. 

 يعتقد صالح، أن الصيغة الحالية التي قد تقبلها روسيا في سوريا هي صيغة اللامركزية الإدارية، التي هي نسخة مشابهة مطابقة لنظام الإدارة المحلية الموجود في ظل حكم حزب “البعث”، الذي يطبق نظام إداري مركزي أكثر لأنه خاضع لسلطة الحزب الحاكم وأجهزته الأمنية. مضيفا “أي حتى إذا قبلت روسيا بهذه الصيغة تحت مسميات أخرى، لن تتجاوز مفهوم اللامركزية الإدارية فقط”.

واللافت لزارا، أن استراتيجية روسيا حاليا في سوريا تشمل استعادة كافة المناطق. إذ تحاول السيطرة على كافة المناطق وإنشاء حكم مركزي. فقد تكون التفاهمات مع الجانب الأميركي مستقبلا حول شكل الحكم اللامركزي في سوريا. لكنه حتى الآن لا يوجد وثيقة أو صيغة تفاهم في هذا الجانب لتداخل وتعقيد أكثر من ملف مع الملف السوري. 

للقراءة أو الاستماع: قاعدة “حميميم“.. أداة روسية لخلق التوتر الدولي؟

موسكو تعرقل الحل لأسباب جيوسياسية

يؤكد الباحث السياسي السوري، أن سوريا لن تعود إلى ما قبل 2011، “روسيا تدرك هذا جيدا”. ولذلك تحاول موسكو قدر الإمكان إيجاد صيغة للتفاهم مع الجانب الأميركي حول مستقبل الحل في سوريا. كما تدرك جيدا بأن هناك مطالب من أكثر طرف معارض ومكون في سوريا بصيغة الفيدرالية. وهذا برؤيتها يعني نهاية حكم حزب “البعث” والنظام الحالي.

وكذلك، فإن روسيا لن تفرط بسوريا لأنها بالنسبة لها هي منطقة نفوذ استراتيجية في البحر الأبيض المتوسط، وفي مناطق الشرق الأوسط. 

وما يعزز ذلك، هو ما حصل مؤخرا من مناورات عسكرية في سوريا، وهو وفق نظر صالح، دليل على أن سوريا بالنسبة لروسيا هي منطقة استراتيجية ولن تتخلى عنها. كما سوف تحاول قدر الإمكان الحفاظ على وجودها كمنطقة نفوذ استراتيجي، ولهذا هي تعرقل الفيدرالية. وتأخذ منحى فرض واقع يتناسب مع سيطرة حكومة دمشق على كامل الأراضي السورية. والتذرع باللامركزية الإدارية في سوريا وفق المادة السابعة من الدستور الحالي.

للقراءة أو الاستماع: روسيا تطالب بإدخال الأكراد في العملية الدستورية.. ماذا تريد موسكو؟

اللعبة الروسية في سوريا

يواجه المجتمع السوري تحديا تاريخيا وربما وجوديا، إذ إن البلاد بحاجة إلى صياغة نموذج من اللامركزية في سوريا كجزء من عقد اجتماعي جديد في وقت أن مؤسساتها الوطنية شبه فاشلة، وبيئتها تتحدى سلامتها الإقليمية وسيادتها.

يقول المحلل السياسي، بسام القوتلي، لـ”الحل نت”، رغم كون روسيا دولة فدرالية، إلا أنها فعليا دولة شديدة المركزية وتؤمن بمركزية القرار.

وبالنسبة لسوريا، يضيف القوتلي، “روسيا تحاول إرضاء النظام السوري من جهة، والذي يرفض أي مستوى من اللامركزية (إلا نظريا). وتركيا التي تقبل بنموذج لا مركزي ولكنها تخشى من انعكاسات نموذج فدرالي على أمنها الداخلي”. 

ويتابع، “لكننا الآن نجد تلويحا روسيا بدعم مطلب الفدرالية، ردا على دعم تركيا لأوكرانيا. ولن تتردد موسكو في استخدام ورقة اللامركزية عندما تريد بما يخدم مصالحها”.

حديث القوتلي، هو تعليق على ما طالب به نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، على ضرورة مشاركة ممثلي الأكراد في عملية الإصلاح الدستوري بسوريا. إذ وصفت هذه التصريحات التي بينت فيها روسيا على أنها تدعم مشاركة ممثلي الأكراد في العملية السياسية. وأنه سيحول دون أي اتهامات بالانفصال، لا توضح حقيقة المطلب الروسي وما مدى جديته. وإذا ما كان يندرج تحت إطار إضاعة الوقت الذي تتمتع به موسكو.

فسابقا وتحديدا في نهاية عام 2021، وفي إشارة إلى بعض الأنباء التي تتحدث عن اتفاق روسي محتمل مع قضية الفيدرالية في سوريا، بعد زيارة وفد من “الإدارة الذاتية” إلى موسكو، قال ممثل الإدارة الذاتية السورية، في إقليم كردستان، نورشان حسين، “إن الوفد لم يعد من الزيارة للتعليق على الموضوع. لكن ما تنوي روسيا ليس كذلك، فيدرالية لكنه مشروع يعترف بإدارة ذاتية الحكم ضمن اتفاق مع الحكومة المركزية”.

لقد بات الشعور السائد في الشارع السوري، أن روسيا تروج دعمها للاستقلال كما حصل مؤخرا في أوكرانيا. ويمكن أن تسوق للحكم الذاتي كما حصل في أوقات متقطعة في سوريا، من أجل إطباق سيطرتها وتنفيذ مخططاتها. وهذا إن يؤشر على شيء فهو يدل على أن هناك دور سلبي أكبر لروسيا في سوريا من خلال هذا الافتراض. فمبتغى روسيا الأوحد هو السيطرة والنفوذ على الأرض السورية دون تقديم حلول حقيقية وفاعلة لسكان المناطق السورية.

للقراءة أو الاستماع: هل بدأت دمشق في البحث عن الفدرالية للخروج من الأزمة السورية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.