الجدل حول حقوق النساء العراقيات تصاعد مؤخرا في أوساط السياسيين والحقوقيين والناشطين، من مختلف الأطياف والتوجهات. ما قد يؤشر إلى تطور فعلي، وإن كان بطيئا، في وعي المجتمع العراقي لأهمية تطوير أوضاع النساء، والحد من التمييز ضدهن.
رغم هذا فما تزال عوائق كثيرة تحول دون تطوير حقوق النساء العراقيات، من بينها الأعراف والتقاليد الاجتماعية شديدة الذكورية، التي يتسم بها جانب كبير من المجتمع العراقي.
نقطة الخلاف الأساسية في هذا السياق تدور حول سؤالين مهمين: هل يمكن للقوانين والمبادرات السياسية وحدها تغيير وضع النساء العراقيات؟ أم أن تطوير البنية القانونية والسياسية للبلاد لن يحقق نتائج كثيرة، طالما استمرت البنية المجتمعية والعشائرية على حالها؟

مبادرات لانتزاع الحقوق

“الوضع قد تغير”، بهذه الكلمات تصف كوثر، من سكان محافظة كربلاء، حالها وحال كثير من نساء المحافظة. في إشارة إلى تطور حقوق النساء العراقيات. كوثر أنشأت مشروعا خاصا لتدريب النساء على قيادة السيارات. وهو المشروع الأول من نوعه في قضاء الهندية، التابع لمحافظة كربلاء.
تقول كوثر لـ”الحل نت”: “لم يكن سهلا على امرأة في مجتمع كربلائي أن تتخذ هذه الخطوة. لكنني حققت نجاحا رغم النقد الذي تعرضت له، ما ساعد كثيرا من النساء في المنطقة على التدرب في معهدي. الأمر الذي أثبت لي أن رياح التغيير قادمة، وأن القيم الصارمة التي تربينا عليها، والتي تحد من حرية النساء، قد بدأت حدتها تخف ولو جزئيا”.
وتعتقد كوثر أنها أول امرأة تقود سيارة في قضاء الهندية. لكنها لم تُخف أنها تعرضت لكثير من الانتقادات القاسية، بدءا من النساء الرافضات لمبدأ قيادة امرأة لسيارة، وصولا إلى بقية افراد المجتمع المحافظ . موضحة: “أتولى تعليم المتدربات بنفسي، وعلى الطرق الخارجية. وفي البداية كان على الفتيات الراغبات بالتدرب على قيادة السيارات أن يذهبن إلى مركز محافظة كربلاء، وهو يبعد عشرة كيلومترات عن الهندية، الا أننا وفرنا ما يحتجن إليه فعلا هنا”.
مختتمة حديثها بالقول: “الحلم يحتاج إلى تحدٍ. وهو ما ينبغي أن تفعله كل امرأة ترغب في تحقيق طموحها”.

لا صوت للنساء العراقيات في البرلمان والحكومة

وتتوالى التجارب النسائية في العراق، لكسر قيود المجتمع المحافظ بشكل تدريجي، ما قد يبشّر بنوع من التقبّل لتطوير حقوق النساء العراقيات. ولكن ماذا عن القوانين؟
ريزان الشيخ، العضو السابق في لجنة المرأة النيابية، تقول لـ”الحل نت”: “يجب علينا في يوم الثامن من آذار/مارس، أي في يوم المرأة، أن نذكّر بأن النساء العراقيات لم يحصلن على أبسط حقوقهن في كل المجالات. ونبدأ بمجلس النواب العراقي، الذي يعطي للمرأة نسبة الربع من تمثيله، أي خمسة وعشرين بالمئة، إلا أن الحقيقة هي أن أغلبية النواب يحملون عقلية ذكورية، ويهمشون دور النساء في البرلمان. فلا توجد أولوية برلمانية مثلا لقضايا المساواة الجندرية، أو لتشريع قوانين تهم النساء، أو حتى تمرير قانون تجريم العنف الأسري، الذي تعاني منه شريحة كبيرة من العراقيات”.
ونوهت “الشيخ” إلى أنه “في الدورة البرلمانية الحالية لا وجود لأصوات النساء، مثل كل الدورات البرلمانية السابقة. وأغلب النواب الإناث تضيع أصواتهن، بسبب سيطرة أحزابهن على قرارهن. وبالتالي فحضورهن في البرلمان شكلي فقط. وهذا لا يساعد على تطوير حقوق النساء العراقيات” .
وتتمنى النائب السابق أن “يتغير الوضع بشكل فعلي. بعيدا عن الإصلاحات الشكلية. وأن يتم كسر العقلية الذكورية والعشائرية. وأن يسعى النواب المستقلون، نساء ورجالا، للتغيير، من خلال تعديل القوانين، ومراعاة المساواة بين الجنسين. والأهم من هذا وذاك تشريع قانون العنف الأسري“.

مقالات قد تهمك: قانون العنف الأسري الجديد: ما مشكلة القوى المحافظة والإسلامية في العراق مع حماية النساء والأطفال من الانتهاكات؟

القانون هو الحل لتطوير حقوق النساء العراقيات

بسمة لطيف، الناشطة في مجال حقوق النساء، تحدثت عن الأسباب التي تعيق تطور حقوق النساء العراقيات. مؤكدة أن “النساء يعانين اليوم من تجاهل وتهميش كافة حقوقهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نتيجة تراكم العادات والتقاليد الاجتماعية التي فرضت عليهن”.
الناشطة تؤكد، في حديثها لـ”الحل نت”، أن “هذه الأعراف حجّمت العراقيات، ودفعتهن باتجاه زاوية محددة، وهو ما تحاول النساء كسره، ونجحن بذلك ولو بشكل طفيف. فأغلب العراقيات الآن يدركن حقوقهن ويطالبن بها. وفي السابق كن يخفن حتى التفكير بأن لهن حقوق”.
وترى لطيف أن “الحل يكمن في القوانين. فالساسة العراقيون حجّموا دور النساء، واستبدلوا وزارة المرأة في الحكومة العراقية بلجنة مصغّرة تابعة للبرلمان العراقي، وهي لا تكفي لحصول العراقيات على حقوقهن. ومهما سعت المنظمات المدنية والنسوية لتطوير حقوق النساء العراقيات فإن مساعيها لن تكفي، مالم يتم تحديث البنية القانونية العراقية بأكملها”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.