مع قرب عقد اتفاق نووي جديد غربي مع إيران، وعلى الرغم من معارضة روسيا له في اللحظات الأخيرة من صياغته خوفا على تجارتها، حدث تصعيد طال القنصلية الأميركية في عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل. ما اعتبره مراقبون أنه لا يخرج عن كون هناك تخوفات من المليشيات الإيرانية في سوريا أو حتى في العراق من أن ينص الاتفاق على تحييدها بشكل كامل وقطع الدعم عنها.

تريد تلك الجهات أو الجماعات أو الأشخاص، التخريب على الاتفاق، بالانطلاق من تخوفهم بأن أي اتفاق جديد قد يكلف النظام الإيراني التخلي بشكل كامل أو شبه تام عن المليشيات المدعومة من طهران، لا سيما في سوريا ومثلها في العراق وغيرها من البلدان في المنطقة.

رسائل طهران قبيل توقيع الاتفاق

الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، استبعد خلال حديث لـ”الحل نت” أن يكون الاستهداف الذي تعرضت له القنصلية الأميركية في أربيل له علاقة بموضوع المفاوضات النووية. لأن هناك ما يكفي من جماعات في داخل إيران ولديها هذه الإمكانية إذا ما أرادت تعطيل المفاوضات أو عرقلتها.

وفيما يتعلق بموضوع أنه “الحرس الثوري” الإيراني، أوضح عبد الرحمن، أن “الحرس الثوري” أصبح اليوم المهيمن والمسيطر على كل القطاعات الاقتصادية السياسية والأمنية في إيران. وأيضا حتى في القرار السياسي، ولذلك إذا أراد عرقلة المفاوضات لديه هذه الإمكانية ولا داعي لهذه الخطوات. حسب وصفه.

وبرأي عبد الرحمن، أن هنالك ثلاثة أهداف من هذه الرسالة. الأول  انتقاما لمقتل الضابطين الإيرانيين الذين قتلا في سوريا. لذلك إيران أرادت الرد على إسرائيل من خلال استهداف أربيل باعتبارها الحلقة الأضعف. كما أنه لا يوجد لديها إمكانيات الرد.

أما الهدف الثاني، فهو إيصال رسالة لدول المنطقة التي تسعى لبناء علاقات اقتصادية وتجارية وأيضا حتى السياسية مع العراق، لإبعاد الدور الإيراني في الحكومة المقبلة في العراق. وأما الثالث وفقا لعبد الرحمن، هو أنه “لا شك أن موضوع الاتفاق النووي، بأنه ما لم تأخذ الولايات المتحدة الأميركية مصالح إيران في الحسبان، فستكون مصالحها في تهديد”.

وفي السياق، يقول المختصّ في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، الدكتور عامر السبايلة، لـ”الحل نت”، إن التصعيد الأخير لا يخدم إيران. بل يقدم مسوغات حقيقية لفكرة إعادة النظر في هذه العلاقة. وفي شكل الاتفاق النووي إن كانت إيران جادة فعليا في العودة إلى اتفاق يضمن أيضا حال في الاستقرار.

وأوضح السبايلة، أن “طهران تحاول أن ترسل رسالة واضحة لواشنطن بأنها غير موافقة على الأقل على شكل هذا الاتفاق. والذي لا يشمل القدرات البالستية والسياسات العدائية. هنا يأتي هذا الهجوم وكأنه يشير أن القدرات البالستية الحالية يجب أن تكون جزء من الاتفاق”.

للقراءة أو الاستماع: تحذيرات من انهيار الاتفاق النووي بسبب روسيا والصين

التخلي عن النفوذ مرفوض

فيما يشير عبد الرحمن، إلى أنه لا يعتقد بأن النظام الإيراني سيتراجع عن تواجد نفوذه في سوريا. حتى إذا تمت الاتفاقية النووية. وتحقيق هذا الأمر أعلنه أكثر من مسؤول وحتى في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وذلك عندما صرح مندوب إيران بأن ثلاثة نقاط في المفاوضات، يجب ألا يتم طرحها أو شرطها على إيران.

وضمت هذه الخطوط الحمراء لطهران، الصواريخ الإيرانية، وتدخلات إيران في المنطقة، وأيضا حرمان إيران من التكنولوجيا النووية”.

وتابع “حاليا الآن الأجندة الأوكرانية دخلت على الخط لصالح النظام الإيراني ليتوسع أكثر في سوريا. خاصة بعد انسحاب الميليشيات الموالية لروسيا وذهابها إلى الحرب في أوكرانيا. حيث أخذت إيران هذه المواقع وبذلك اتسعت بشكل أكبر في سوريا”.

كما بيّن عبد الرحمن، أن إيران لم تفكر فقط في الخروج من سوريا، وإنما أيضا تفكر بشكل أكبر في إرسال خبراء التدريب على استخدام الصواريخ الدقيقة وأيضا المسيرات. لذلك من المستبعد أن تتراجع إيران من سوريا أو من العراق أو مناطق تواجدها في الدول العربية؛ لأنها تعتبر هذه الخطوط الأمامية لمعركة إيران مع الأطراف الأخرى.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي السوري، درويش خليفة، في حديثه لـ”الحل نت”، أن إعادة تعزيز تواجد مليشيا “فاطميون” في شرق سوريا خلال الأيام الماضية، يشير إلى أنه لا نية للمليشيات الإيرانية الخروج من المنطقة، إذ يعد ذلك وفق تصوره أن بداية السماح لـ”سقوط النظام السوري”.

وبالتالي، يعتقد خليفة، أن هذه ليست مصلحة إيرانية؛ لأن إيران تحاول تعزيز نفوذها في سوريا. من خلال مد السكك الحديدية إلى الحدود السورية باتجاه ميناء اللاذقية. وبأن خروج إيران من سوريا لا يندرج سوى تحت بند “الاستهلاك الإعلامي”. وفق تعبيره.

وفي السياق ذاته، يعتقد السبايلة، أن المنطقة أمام سيناريوهين، إما أن يتم تخفيف عمل المليشيات الإيرانية في سوريا بسبب الضغوطات الرئيسية الموجودة على مموليها، أو على المدى القصير محاولة التصعيد. والدفع باتجاه البحث عن العودة إلى طاولة المفاوضات، وإحداث أو تسريع في إنجاز الاتفاقات.

ويرى السبايلة، أنه على المستوى القصير القادم المليشيات الإيرانية العاملة في سوريا ستبقى عاملة وقد تكون أكثر فاعلية. وعلى المستوى الأطول قد تطور قدراتها تدريجيا، مع خلق أزمة داخلية لدى مموليها، خصوصا مع وجود فكرة العقوبات والتجفيف الاقتصادي.

للقراءة أو الاستماع: إيران تناور من جديد في الاتفاق النووي

صواريخ إيرانية في أربيل

رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أدان اليوم الأحد، الهجوم الصاروخي الباليستي الذي تبنته إيران. والذي استهدف مبنى قرب القنصلية الأميركية الجديد في أربيل. حيث تبنى “الحرس الثوري” الإيراني هجوما ليلا على ما قال إنه منشآت إسرائيلية بشمال العراق بصواريخ دقيقة التوجيه.

وأعلن جناح العلاقات العامة في الحرس، في بيان، مسؤوليته عن الضربة. والتي استهدفت ليل السبت – الأحد،  “مركز المؤامرات الاستراتيجي” لإسرائيل في أربيل. قائلا إنها جاءت ردا على الهجوم الإسرائيلي الأسبوع الماضي في سوريا الذي أسفر عن مقتل عضوين من “الحرس الثوري” الإيراني.

وحذر البيان، إسرائيل من أنها ستواجه “ردا قاسيا وحاسما ومدمرا” إذا استمرت مثل هذه الضربات، متعهدا بالانتقام للهجوم على سوريا.

الجدير ذكره، أن عضوا “الحرس الثوري” اللذان قتلا في الضربة الإسرائيلية على مشارف العاصمة السورية دمشق، هما العقيد إحسان كربلاء بور، والعقيد مرتضى سعيد نجاد.

وفي خضم تلك التطورات، تبرز خشية بعض المراقبين للشأن السياسي من فقدان بغداد ما حققته من مكتسبات في علاقاتها الخارجية على مدار العام الأخير جراء تصاعد نفوذ المليشيات، وانعكاسه على وضع البلاد في الميزان الدولي.

وشهد العراق، خلال شهر تموز/يوليو 2021، 5 هجمات نفذت بطائرات مسيرة استهدفت مواقع عسكرية ودبلوماسية أميركية في العراق. حيث يرى القائمون على مراكز التفكير السياسية، أن تصعيد المليشيات لنشاطها مرتبط بملفات عديدة من بينها الاتفاق النووي الإيراني وتوازن القوى في المنطقة.

للقراءة أو الاستماع: الاتحاد الأوروبي: مفاوضات فيينا مع إيران “توقفت” بسبب “عوامل خارجية”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.