بينما كانت مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا تشهد نجاحا قد يفضي لاتفاق بين إيران والدول الغربية، لاسيما مع اعلان منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية اتفاقهما على بيان مشترك لحل القضايا العالقة بينهما، دخلت موسكو على الخط بطلب ضمانات مكتوبة من واشنطن، بأن لا تؤثر العقوبات المفروضة على روسيا على علاقاتها التجارية والاقتصادية مع إيران، أثناء تنفيذ الاتفاق المفترض. ما اعتبره بعض الخبراء استغلالا من روسيا لمحادثات فيينا، بوصفها أحد أوراق اللعب مع المجتمع الدولي، في سياق غزوها لأوكرانيا.
وأعلن جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، “الحاجة إلى وقف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني في فيينا، بسبب عوامل خارجية”.
وفي أول رد مبدئي على المطالب الروسية، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أنها “لن تسمح لأي عامل خارجي بالتأثير على المصالح الوطنية الإيرانية في محادثات فيينا”.
وكان حشمت الله فلاحت بيشه، الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، قد اتهم موسكو بـ”عرقلة مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا، ومنع التوصل إلى اتفاق، قبل بدء غزوها لأوكرانيا “. معتبرا أن “بلاده خُدعت بسياسة موسكو حيال محادث فيينا، فيما كانت روسيا تحضّر لعملية عسكرية ضد أوكرانيا”.
فهل نشهد بوادر انشقاق بين السياستين الروسية والإيرانية، وابتعاد طهران عن تحالفاتها المعروفة مع موسكو؟
هل تعتبر إيران مطالب روسيا في مفاوضات الملف النووي “بنّاءة”؟
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال، في اتصال مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إن “روسيا تريد إحياء الاتفاق النووي، مصحوبا بضمانات أميركية، بأن العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا لن تنطبق على التجارة أو الاستثمار الروسي في إيران”.
ونقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية، يوم الاثنين السابع من شهر آذار/مارس الحالي، عن مسؤولين إيرانيين لم تسمهم، قولهم إن “مطالب روسيا في مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا غير بنّاءة”, وإن “التدخل الروسي فيها جاء بهدف ضمان مصالح موسكو في مجالات أخرى”.
إلا أن سعيد خطيب زاده، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، وصف دور روسيا في محادثات فيينا بـ”البنّاء”, معتبرا أن “إيران تتخذ قراراتها بناء على سلوك الولايات المتحدة، وليس على أساس رسائل غير شفافة”. وأضاف في تعليقه على طلبات موسكو: “ننتظر سماع ما قيل عبر القنوات الدبلوماسية”.
من جهته انتقد ميخائيل أوليانوف، المبعوث الروسي الى مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا المواقف الغربية. وقال للصحفيين: “يحاول البعض أن يوجه اللوم إلينا على إطالة أمد المباحثات. عليّ أن أقول إن المباحثات لم تنجز بعد، حتى النص النهائي للتفاهم لم ينجز بعد”.
موسكو تستخدم الورقة الإيرانية في صراعها مع واشنطن
د.خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، لا يرجح حصول “انشقاق بين روسيا وإيران، نتيجة المطالب الروسية في مفاوضات الملف النووي الإيراني. إنما سيشوب علاقاتهما ما يشوب العلاقات بين الدول غير المتحالفة من صعود وهبوط، فالعلاقات الروسية الإيرانية أصلا ليست كما يحاول البعض تصويرها، بوصفها علاقات تحالف متين بين دولتين”.
ويضيف أبو دياب في حديثه لـ”الحل نت”: “تأثرت مفاوضات الملف النووي الإيراني بتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وما ينضوي فيه من محاولة تغيير موازين القوى العالمية. إذ أن موسكو تريد أن تصبح لاعبا دوليا أساسيا، والدخول بمواجهة شاملة مع واشنطن، وتسعى لاستخدام الورقة الإيرانية، لإثبات النديّة في مواجهة الأميركيين”.
بين الشرق والغرب: إلى صف من ستقف إيران؟
د.عمر عبد الستار محمود، الباحث في العلاقات الدولية، يرى أن “ما يجري في فيينا وما يجري في أوكرانيا وجهان لعملة واحدة، وفصلان من لعبة خطرة، يتفاوض أطرافها في فيينا ويتحاربون في أوكرانيا. مع شد وجذب بينهم في هاتين الساحتين، وسواهما من الساحات، ومنها منطقة الشرق الأوسط”.
ويشير محمود، في حديثه لـ”الحل نت”، إلى “تقارير إيرانية تفيد بمطالبة الصين أيضا بضمانات أمريكية, تصب في منحى عدم تأثر علاقة بكين بإيران بعد توقيع الاتفاق النووي. ما يدعو للتساؤل: إلى صف من ستقف إيران؟”.
يجيب الباحث في العلاقات الدولية على تساؤله بالقول إن “إيران قد لا تنجو من الصراع بين مجموعة القوى الدولية، التي تتشارك معها مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا، مما ستكون له تبعاته على طهران ومن ثم على أوروبا. فواشنطن لا تريد حشد أوروبا ضد روسيا فحسب، بل ضد الصين أيضا. وهو ما حققه لها الغزو الروسي لأوكرانيا، والمطالب الروسية والصينية في فيينا. ومالم يحقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهدافه في أوكرانيا، أو أغلبها، فلن يكون هناك إمكانية لإحياء الاتفاق النووي. وبالتالي فانعكاسات الغزو الروسي لأوكرانيا تقترب من حدود إيران”.
مخاوف موسكو من مفاوضات الملف النووي الإيراني
خطار أبو دياب يعتبر أن “مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا أنجزت اتفاقا شمل خمسة وتسعين بالمئة من القضايا العالقة، غير أن تداعيات الأحداث في أوكرانيا، وما تلاها من فرض عقوبات غربية قاسية على روسيا، دفعت موسكو للبحث عن مصالحها القومية العليا في مواجهة هذه العقوبات، حتى لو أدت إلى توتر مع طهران”.
ويضيف أبو دياب أن “اتفاق العام 2015، الذي تم في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والمراد إحياؤه اليوم، هو اتفاق ثنائي، أميركي-إيراني بغطاء دولي، إلا أنه تضمّن في بعض بنوده جوانب ذات صلة بروسيا، خاصة فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية لصالح إيران، مع نقل موسكو الماء الثقيل من مفاعل اراك الإيراني إلى مراكز بحثية/علمية في طهران. وكل هذا يجعل موسكو طرفا مؤثرا في إنجاح المفاوضات. غير أن التنافس الجيوسياسي الأميركي الروسي سيعطّل بشدة إحياء الاتفاق”.
مختتما حديثه بالقول: “تعمل روسيا الآن على تعطيل إحياء الاتفاق النووي، في ظل العقوبات غير المسبوقة التي تواجهها، وسعي الأوربيين لإيجاد بديل لموارد الطاقة الروسية، قد يكون إيران. ويعزز من مخاوف موسكو معرفتها لميول الرأي العام الإيراني الأقرب لأوروبا والغرب عموما، وليس للشرق، أي روسيا والصين”.
مقالات قد تهمك: مع استمرار مفاوضات فيينا: هل التوافق الأميركي-الإيراني يعرقل المخططات الروسية في سوريا؟
كل هذه المعطيات لا تعني بالضرورة، بحسب كثير من المحللين، أن حكومة طهران ستتخذ اتجاها “غربيا”، وتبتعد عن موسكو، إلا أن الموقف الروسي من مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا قد يكون مؤشرا مهما على نشأة تحالفات جديدة، باتت ضرورية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي سيعيد بالتأكيد ترتيب خارطة النفوذ والمصالح الدولية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.