العقوبات على روسيا وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي

العقوبات على روسيا وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي

فرضت العديد من دول العالم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، واليابان وتايوان وأستراليا ونيوزيلندا عقوبات غير مسبوقة على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، فشملت تلك العقوبات، الاقتصاد الروسي بكافة قطاعاته لاسيما قطاعات التمويل والبنوك والتبادل التجاري، والصناعات العسكرية وكذلك المسؤولين في الدولة وفي مقدمتهم الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته، وشخصيات أخرى يلقبون بـ “الأوليغارشية” وهم مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون أكبر الشركات، و يستحوذون على القسم الأكبر من الاقتصاد الروسي و يرتبطون بشكل مباشر مع الرئيس بوتين. كذلك لم تسلم الرياضة أيضا من العقوبات، فقد تم إخراج روسيا من جميع البطولات الرياضية الدولية. كما تم حظر استيراد وتصدير العديد من السلع، واستثنت دول الاتحاد الأوروبي من ذلك عقود استيراد موارد الطاقة من روسيا.

في هذه المقالة سنتحدث عن العقوبات الدولية على روسيا، من خلال فهم طبيعة الاقتصاد الروسي، وربط العقوبات بالاقتصاد الروسي لمعرفة جدوى تلك العقوبات.

الاقتصاد الروسي

تعد روسيا واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي والنفط في العالم، وهي أيضا مصدر رئيسي للمعادن مثل الفولاذ والألمنيوم. واعتماد اقتصاد روسيا على تصدير هذا النوع من السلع يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار في السوق الدولية، وبالتالي يؤثر على حركة الركود والانتعاش الاقتصادي للدولة.

يستند الاقتصاد الروسي بشكل أساسي على قطاعين رئيسين هما:
أولا، الصناعة بمكوناتها المتعددة، وأهم الصناعات: التعدين والصناعات الاستخراجية المنتجة للفحم والنفط والغاز والكيماويات والمعادن، وتصنيع وتجهيز الآلات والمصانع. صناعة الطائرات والمركبات الفضائية، والصناعات الدفاعية بكافة أشكالها.

ثانيا، الاعتماد على واردات موارد الطاقة، تمثل صادرات النفط والغاز الطبيعي حوالي 40 بالمئة من الميزانية الفيدرالية في روسيا. حيث تمتلك أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، بالإضافة لإنتاجها الكبير من النفط الذي يبلغ حوالي 10 مليون برميل يوميا. كما تساهم الزراعة بما يزيد عن 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، ويصنف القمح المنتج الرئيسي للزراعة الروسية، وتأتي بالمرتبة الأولى بالدول المصدرة للقمح. كما تمتلك روسيا أكبر المحميات والغابات في العالم، وتعتبر صناعات الأخشاب ذات أهمية كبيرة.

انعكاس العقوبات على أوروبا والاقتصاد العالمي

كما اسلفنا سابقا تمتلك روسيا اقتصاد قوي نوعاً ما، ويرتبط اقتصادها باقتصاديات العالم لاسيما دول الاتحاد الأوروبي بحكم الجغرافيا. وبحكم الارتباط الاقتصادي فمن المحتمل أن تؤدي العقوبات المفروضة على روسيا إلى عواقب اقتصادية على الاتحاد الأوروبي وليس على موسكو فحسب، نظرًا لارتفاع حجم التجارة المتزايد بين الطرفين. فتعد روسيا خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، حيث تمثل 4.8 بالمئة من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي بحسب احصائيات عام 2020. فيما يُعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لروسيا، حيث استحوذ على 37.3 بالمئة من إجمالي تجارة البلاد عام 2020. ويمكن القول أن 36.5 بالمئة من واردات روسيا جاءت من الاتحاد الأوروبي وذهبت 37.9 بالمئة من صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي. ويجب التنويه الى أن روسيا هي مصدر 26 بالمئة من واردات الاتحاد الأوروبي من النفط، و 40 بالمئة من الغاز، ويؤثر تقلب أسعار الطاقة بشكل مباشر على حجم التجارة الثنائية.

وفي عام 2020 بلغ إجمالي التجارة في البضائع بين الاتحاد الأوروبي وروسيا 174.3 مليار يورو. وبلغت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي 95.3 مليار يورو. وبلغ إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي 79.0 مليار يورو. وفي عام 2019، صُنف الاتحاد الأوروبي على أنه أكبر مستثمر في روسيا وبلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر من الاتحاد الأوروبي في روسيا 311.4 مليار يورو، وقدر مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر الروسي في الاتحاد الأوروبي بنحو 136 مليار يورو.

في النتيجة بشكل أو باخر ستنعكس العقوبات على العديد من دول وشركات الاتحاد الأوروبي، لما تربطهم بروسيا من علاقات وتبادل تجاري.

من جهة أخرى يرتبط الاقتصاد الروسي بشكل شبه كامل بالاقتصاد العالمي، ولا يمكن فرض عقوبات مؤثرة على بعض القطاعات مثل قطاع الطاقة، لأن توقف الإنتاج في روسيا له تبعات وخيمة على الاقتصاد العالمي، وقد يسبب إيقاف إمدادات روسيا من النفط والغاز إلى السوق الدولية سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وسيكون لها تبعات على الاقتصاد العالمي.

التدابير الروسية في مراوغة العقوبات

منذ فرض العقوبات الاقتصادية الغربية في عام 2014، عملت روسيا بكثافة على وضع آليات تخفف من العقوبات، فقد قللت جزئيا من اعتمادها على الواردات في القطاعات الخاضعة للعقوبات. واتجهت بعض الشركات إلى بيع قسم من أسهمها لشركات غير خاضعة للعقوبات. أما فيما يتعلق بصادرات المنتجات الغذائية الزراعية أو التكنولوجية المحظورة إلى روسيا، فقد تعمل الاخيرة على إعادة توجيه التجارة إليها عبر بعض بلدان العبور، ولا سيما بيلاروسيا وصربيا ومقدونيا. وبالمقابل ايضاً من المحتمل أن تصدر روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر الدول نفسها.

بالنتيجة يصنف الاقتصاد الروسي كأحد الاقتصادات القوية حول العالم، لاعتماده على الموارد الأولية المحلية وأهمها النفط والغاز الطبيعي والمعادن، ومن ثم الصناعات الثقيلة وأهمّها الصناعات العسكرية. كما تبين أن الاقتصاد الروسي يرتبط بمنظومة الاقتصاد العالمي، وأي خلل في مفاصله الاساسية ونعني هنا موارد الطاقة، والمعادن، سيؤدي بطبيعة الحال لخلل بالاقتصاد الدولي. كما تبين أن الاقتصاد الروسي مرتبط باقتصاد دول الاتحاد الأوروبي بشكل لا يختلف عن طبيعة الارتباط الجغرافي، وأي تأثير سلبي على الاقتصاد الروسي سينعكس على اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال بلغت قيمة الاستثمارات الاوروبية في روسيا حوالي 310 مليار دولار، وهذه الاستثمارات من الممكن أن تتأثر مستقبلاً نتيجة للعقوبات، التي ستعرقل استثماراتها.

وقد تتخذ روسيا مجموعة من التدابير من أجل الالتفاف أو لتخفيف العقوبات من خلال مساندة دول حليفة مجاورة، ويكون ذلك باستخدام مجموعة من الأدوات الملتوية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.