بعد شائعات عن أن الحكومة السورية تدرس زيادة جديدة على الرواتب والأجور بنسبة 50 بالمئة نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار وعدم جدوى هذه الزيادة، ثمة حديث آخر متداول في الصحف المحلية مفاده أن حكومة دمشق تناقش زيادة التعويضات على رواتب الموظفين في القطاع العام.

خلال العامين والنصف الماضيين كانت الشائعات على لسان بعض المسؤولين السوريين وحتى أعضاء مجلس الشعب السوري، وكذلك الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية، تدور حول زيادة مرتقبة في الرواتب، إلا أن هذه الزيادة لم تأت إلا في منتصف آب/أغسطس الجاري، وبالتالي زيادة الرواتب من جديد في هذا التوقيت يبدو صعبا جدا ولهذا فالتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا تنتشر الآن أخبار غير مؤكدة عن زيادة جديدة في الرواتب، وسط موجة غضب واسعة إثر تدهور الوضع المعيشي، هل هذه مجرد بروباغندا إعلامية و”إبر البنج” التي اعتادت الحكومة السورية في استخدامه لامتصاص حالة الاستياء الشعبي من الشارع السوري أم ماذا.

“بروباغندا” زيادة الرواتب

نحو ذلك، قالت صحيفة “تشرين” المحلية يوم أمس الثلاثاء إن مجلس الوزراء ناقش خلال جلسته الأسبوعية بشكل موسع التوجهات لزيادة التعويضات لبعض الشرائح في عدد من الاختصاصات النوعية بهدف الحفاظ على هذه الشرائح والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة من قبلها، زاعما بأن خطوات إنجاز نظام الحوافز المتعلقة بالرواتب يعكس إيجابا على الواقع المعيشي للعاملين.

احتجاجات شعبية في محافظة السويداء السورية بسبب تدهور الأوضاع المعيشية-“السويداء 24”

عضو لجنة الموازنة وقطع الحسابات في مجلس الشعب محمد زهير تيناوي قال أيضا في تصريحات صحفية محلية يوم أمس الثلاثاء، أن هناك إجراءات حكومية عدة تدرسها الجهات المعنية، وتشكّل تدخلا إيجابيا، يكمن في جملة من المساعي لزيادة التعويضات لبعض الشرائح في عدد من الاختصاصات النوعية، بالإضافة إلى العمل على تسريع إنجاز نظام الحوافز لكل المؤسسات.

يأتي هذا الحديث في ظل غضب واستياء واسعين في الشارع السوري، إضافة إلى مجموعة من الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها عدد من المدن السورية بسبب تدهور الواقع الاقتصادي والتصاعد المتسارع للأسعار عقب قرار زيادة الرواتب وارتفاع أسعار المشتقات النفطية.

هذا وتداولت وسائل إعلام محلية قبل يومين، بأن حكومة دمشق تدرس إمكانية زيادة جديدة على الرواتب والأجور بنسبة 50 في المئة، بسبب عدم جدوى الزيادة الأخيرة التي أقرها الرئيس السوري بشار الأسد.

بالنظر إلى أن عضو مجلس الشعب محمد نفى وجود دراسة من قبل الحكومة لإقرار زيادة جديدة تتناسب وتتماشى نوعا ما مع الوضع الحالي، وتبلغ قيمتها 50 بالمئة، وأكد عدم وجود أي شيء من هذا القبيل حاليا.

بالتالي لا يمكن الاعتماد على حديث إمكانية زيادة تعويضات رواتب بعض الشرائح، نظرا لأن مثل هذه الأخبار انتشرت كثيرا خلال الفترة الماضية ولم يكن هناك تطبيق فعلي على أرض الواقع، بل إن الأسعار كانت تتزايد فقط.

لهذا يعتبر البعض أن انتشار مثل هذه الأخبار، مثل زيادة الرواتب والأجور والتعويضات في هذا التوقيت بالذات، وسط موجة الغضب المشتعلة في الشارع السوري، ما هو إلا دعاية إعلامية، وتقف خلفها بعض الجهات المعنية، من أجل امتصاص حالة الغضب وإعطاء المواطن “إبرة مخدرة” كما تفعل الحكومة السورية في العادة.

موجة انتقادات

في سياق حديث عضو مجلس الشعب، فإنه عزا شائعة زيادة الرواتب مجددا إلى أنها مجرد توقعات، وأردف بالقول “تلك التكهنات المتداولة، ناجمة عن حالة عدم الرضى الشعبي عما آلت إليه هذه الزيادة والتي كان من المتوقع أن تكون مجزية، وهي كذلك لولا حالة الارتفاع الجنوني لكل المواد الاستهلاكية وغيرها، بالإضافة إلى رفع الدعم عن المواد الأساسية، مثل المازوت والبنزين والغاز، الأمر الذي تسبب بحالة من الصدمة والغضب بين السوريين”.

يعتبر البعض أن انتشار مثل هذه الأخبار، مثل زيادة الرواتب والأجور والتعويضات في هذا التوقيت بالذات، وسط موجة الغضب المشتعلة في الشارع السوري، ما هو إلا دعاية إعلامية، وتقف خلفها بعض الجهات المعنية، من أجل امتصاص حالة الغضب.

هذا ونقل موقع “هاشتاغ سوريا” المحلي عن مصادر في “وزارة المالية السورية” قولها، إن الحكومة تدرس حاليا إقرار زيادة جديدة على الرواتب بنسبة 50 بالمئة هذه المرة، مضيفة أن الدراسة الجديدة جاءت بسبب حالة عدم الرضى الشعبي عن حجم الزيادة السابقة، في ظل رفع الدعم عن العديد من المواد الأساسية، وما تبعها من ارتفاع جنوني في الأسعار.

لم تعلن تلك المصادر المحلية عن موعد محدد لإقرار الزيادة الجديدة، لكنها أشارت إلى أنها قد تكون قريبة، نظرا لأن ارتفاع الأسعار الأخير قد امتص الزيادة السابقة.

حديث زيادة تعويضات الرواتب هذه المرة، قوبل بموجة انتقادات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، معتبرين أن كل زيادة في الرواتب والأجور يرافقها موجة غلاء كبيرة وزيادة في أسعار المشتقات النفطية وغيرها، وعلق أحدهم بالقول “لا يستر ع اختكم مصاريكم الحلال خليه ألكم عندكم ما بدنا زيادة.. صرعونا عالصفحات ألف مبروك وألف مبروك، وبالأخر مجرد إبر مهدئة من أفرع المخابرات الحكومية، لأن صح زيادة  100بالمئة للرواتب ولكن ارتفاع الأسعار 400 بالمئة”.

موجة غلاء غير مسبوقة في سوريا

هذا وكان الأسد أصدر في 15 آب/أغسطس الجاري، مرسوما يقضي برفع رواتب وأجور العاملين في الدولة بنسبة 100 بالمئة، مع الإشارة إلى أنه وقبل مرسوم الزيادة رفعت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” أسعار المشتقات النفطية علاوة على أن الزيادة تبعها أيضا ارتفاعا بأسعار السلع الأساسية في الأسواق، ومن ثم ارتفاع في أسعار الغاز، وهو ما زاد من أعباء الناس الاقتصادية وولّد حالة غضب واسعة، إضافة لموجة احتجاجات شعبية في العديد من المناطق، مثل محافظتي السويداء ودرعا.

من المستفيد من هذه الزيادات؟

في المقابل، قرار رفع الرواتب وزيادة أسعار المشتقات النفطية تشكّل فجوة واسعة بين مستوى الأجور والواقع المعيشي ولا تعود على الشعب السوري بأية فائدة، أي أن المستفيد من هذه العملية كلها هي الحكومة السورية، فهي ترفع الرواتب من جيوب المواطنين، وذلك عبر رفع أسعار حوامل الطاقة.

بعد سلسلة القرارات الحكومية هذه، علّق عدد من المحللين الاقتصاديين بالقول إن أسعار المحروقات ارتفعت بنحو 166 بالمئة، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار عموم السلع في الأسواق، بالإضافة إلى أن هذه القرارات الحكومية ستؤدي إلى مزيد من التضخم وانخفاض القوة الشرائية، وزيادة مستوى أسعار كل شيء بنسبة أكبر من نسبة زيادة الرواتب.

الخبير الاقتصادي عامر شهدا، قال إن هذه القرارات ستؤدي إلى رفع أسعار 360 مادة في الأسواق، مشيرا  لموقع “غلوبال نيوز” المحلي قبل أيام أن قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية ستؤثر على عملية الإنتاج نتيجة ارتفاع سعر الفيول، مشددا على أن التضخم سيأكل الوفورات في الموازنة الناتجة عن رفع الدعم بسبب غياب سياسة نقدية مُجدية.

في السياق ذاته، رأى الخبير الاقتصادي جورج خزام للموقع المحلي أن مصدر تمويل زيادة الرواتب التي صدرت بقيمة تقارب 100 ألف ليرة سورية تقريبا هو زيادة أسعار المحروقات مع إلغاء الدعم، وبالتالي فإن الزيادة بأسعار السلع الأساسية شهريا التي تحتاجها الأسرة هي 300 ألف ليرة، أي ازداد مصروف العائلة بمقدار 200 ألف ليرة بالحد الأدنى.

لذلك فإن زيادة الرواتب بنسبة 100 بالمئة، لن تحقق هدفها بزيادة القوة الشرائية، كما أن رفع الدعم ولو جزئيا سيؤدي إلى عجز في الموازنة العامة لدى الدولة وزيادة التضخم وانخفاض القوة الشرائية مرة أخرى.

بمعنى أن القرارات الحكومية ليست سوى تخبّطا، بل إنها تزيد من أعباء ومعاناة المواطنين المعيشية. وفي وقت سابق حذر خبير اقتصادي في دمشق من ارتفاع سريع في معدلات التضخم، على إثر قيام الحكومة برفع أسعار حوامل الطاقة من المشتقات النفطية وغيرها.

تدعيما لهذه الفرضية، بعد هذه القرارات الحكومية الأخيرة، وصلت تكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى 10 ملايين ليرة سورية، فيما يتراوح متوسط ​​دخل الموظف الحكومي بين 200-260 ألف ليرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات