وسط سلسلة من القرارات الحكومية الأخيرة، ولعل أبرزها، زيادة أسعار المشتقات النفطية، بالإضافة إلى رفع الدعم عن العديد من السلع الأساسية خلال الأيام القليلة الماضية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار مختلف السلع في السوق بنسب كبيرة، إضافة إلى تسيّد حالة من الفوضى والتفلّت بالأسعار في الأسواق، وهو ما انعكس أيضا في ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأساسيات، بالتالي وصلت اليوم تكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى 10 ملايين ليرة سورية، فيما يتراوح متوسط ​​دخل الموظف الحكومي بين 200-260 ألف ليرة.

من جانب آخر، وفي ظل استمرار تخبط الحكومة السورية بإصدار قرارات هَزلية وضعيفة، ثمة حالة من السخط والتذمر من استهزاء الحكومة بالمتضررين من الحرب، إذ بعد كل هذا الغلاء في الأسعار، وافق مجلس إدارة “الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية” على زيادة تعويضات “جرحى الوطن” بنسبة 100 بالمئة، وهذه التعويضات تعادل تقريبا ثمن علبة دواء لهؤلاء الجرحى، فيما يتساءل المتابعون كيف يمكنهم تمرير حياتهم المعيشية بهذه التعويضات الهزيلة.

متوسط دخل أسرة سورية

نحو ذلك، قفز متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد، إلى أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية أي نحو 700 دولار أميركي، أما الحد الأدنى فقد وصل إلى 6.489.694 ليرة سورية، بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور ظاهريا ليصل إلى 185.940 ليرة سورية، أي أقل من 12.6 دولار شهريا.

من موقع صحيفة قاسيون المحلية

بالتالي فقد صَعد متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، خلال النصف الثاني من شهر آب/أغسطس الجاري، بمقدار 3.823.333 ليرة سورية عن متوسط التكاليف التي سجّلها “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة” بسوريا في شهر تموز/يوليو الماضي.

طبقا لتقرير حديث نُشر عبر جريدة “قاسيون” المحلية، فإن مؤشر “قاسيون” الاستثنائي يعتمد طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من خمسة أشخاص شهريا، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري، وذلك بناءً على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة.

بعد الإعلان عن عمليات رفع الدعم الأخيرة، شهد وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية ارتفاعا بحوالي 3.823.333 ليرة سورية عن وسطي التكاليف التي سجلها “مؤشر قاسيون” في شهر تموز/يوليو الماضي، حيث انتقلت هذه التكاليف من 6.560.178 ليرة في بداية تموز/يوليو 2023، إلى 10.383.511 ليرة، بينما ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بحوالي 2.389.583 ليرة، منتقلا من 4.100.111 ليرة في بداية تموز/يوليو إلى 6.489.694 ليرة، أي أن التكاليف ارتفعت فعليا بنسبة قاربت 58.3 بالمئة خلال الفترة من بداية شهر تموز/يوليو الماضي حتى النصف الثاني من شهر آب/أغسطس الجاري.

هذه الارتفاعات في تكاليف المعيشة تتزامن مع تخفيض القيمة الحقيقية للأجور في البلاد، فبينما كان الحد الأدنى للأجور في بداية عام 2023 92.970 ليرة قادرا على تغطية حوالي 2.3 بالمئة من وسطي تكاليف المعيشة، أصبح الآن وبعد ارتفاعه رسميا بنسبة 100 بالمئة، أصبح 185,940 ليرة، غير قادر بنتيجة الارتفاعات المبدئية للأسعار التي لم تنتهِ وتستقر بعد سوى على تغطية 1.7 بالمئة من وسطي تكاليف المعيشة.

ارتفاع الحد الأدنى لتكاليف الغذاء

في السياق ذاته، ارتفع الحد الأدنى لتكاليف الغذاء الأساسية الشهرية لأسرة من خمسة أفراد من 2.460.067 ليرة في بداية تموز/يوليو 2023، إلى 3.893.817 ليرة حاليا، وذلك بالاعتماد على وسطي أسعار هذه المكونات في الأسواق الشعبية بالعاصمة دمشق، علما أن الأسعار شهدت تخبطا وارتفاعات متباينة بين منطقة وأخرى، وبشكلٍ أكبر بين المحافظات السورية.

هذا وجاءت أسعار اللحوم، الحمراء والدجاج، في صدارة الارتفاعات، بحوالي 73.0 بالمئة، حيث قفز سعر الـ 75 غرام منها من 5.700 ليرة في بداية تموز/يوليو 2023، إلى 9.863 ليرة في النصف الثاني من آب/أغسطس الجاري.

كما لم تسلم أسعار الحلويات من تلك الزيادات، إذ ارتفعت بنسبة 60.0 بالمئة عن حسابات تموز/يوليو، حيث تجاوزت تكلفة 112 غراما من الحلويات الضرورية للفرد يوميا 8.400 ليرة، بينما كانت 5250 ليرة في تموز/يوليو الماضي. وكذلك الحال بالنسبة للأجبان التي ارتفع سعر 25 غراما منها بنسبة 28.9 بالمئة، من 563 ليرة أول تموز/يوليو، إلى 725 ليرة الآن.

بينما ارتفعت تكلفة البيض بمقدار 26.5 بالمئة، حيث انتقلت تكلفة 50 غرام منه يوميا من حوالي 944 ليرة في تموز/يوليو، إلى 1.194 ليرة. وكذلك ارتفعت أسعار الخضار بنسبة 45.9 بالمئة، حيث انتقل سعر 65 غرام منها من 925 ليرة في بداية تموز/يوليو إلى 1,350 ليرة الآن.

من موقع صحيفة قاسيون المحلية

في المقابل، ارتفعت أسعار الفواكه بنسبة 38.1 بالمئة، إذ انتقل سعر 60 غرام منها من 1.400 ليرة في بداية تموز/يوليو إلى 1.933 ليرة حاليا. أما الأرز، فقد ارتفع بحوالي 58.1 بالمئة، منتقلا ثمن 70 غرام منه يوميا من 1.505 ليرة في بداية تموز/يوليو إلى 2.380 ليرة في النصف الثاني من آب/أغسطس الجاري.

اللافت أن تكاليف الحد الأدنى للحاجات الضرورية الأخرى والتي تشكل 40 بالمئة من مجموع تكاليف المعيشة، مثل السكن والمواصلات والتعليم واللباس والصحة وأدوات منزلية واتصالات… وغيره، ارتفعت بدورها من 1.640.044 بداية تموز/يوليو، إلى 2.595.878 ليرة سورية، أي إنها ارتفعت بمقدار 58.3 بالمئة أيضا.

لماذا ارتفعت الأسعار؟

على إثر القرارات الحكومية الأخيرة بشأن زيادة أسعار المشتقات النفطية وزيادة الرواتب بنسبة 100 بالمئة، ارتفعت أسعار جميع السلع الغذائية تقريبا، وخاصة الخضار والفواكه، بالإضافة إلى زيادة مرتقبة في تسعيرة المطاعم والوجبات السريعة والمأكولات الشعبية، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيض شراء السلع من قِبل العائلات السورية، وبالتالي ضم سلع جديدة لقائمة المنسيات لدى المواطنين.

من جهتهم، علّق عدد من المحللين الاقتصاديين بالقول إن أسعار المحروقات ارتفعت بنحو 166 بالمئة، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار عموم السلع في الأسواق، وهذا ما يحدث بالفعل حاليا، حيث ارتفعت الأسعار بشكل لا يصدق.

الخبير الاقتصادي عامر شهدا، تعقيبا على القرارات الحكومية التي صدرت قبل أيام، قال إن هذه القرارات ستؤدي إلى رفع أسعار 360 مادة في الأسواق، مبينا لموقع “غلوبال نيوز” المحلي مؤخرا، أن قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية ستؤدي إلى مزيد من التضخم وانخفاض القوة الشرائية، كما ستتأثر عملية الإنتاج نتيجة ارتفاع سعر الفيول، مشددا على أن التضخم سيأكل الوفورات في الموازنة الناتجة عن رفع الدعم بسبب غياب سياسة نقدية مُجدية.

بينما أكد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عابد فضلية، أن المقصود بتخفيف الدعم هو رفع أسعار المحروقات، وبالتأكيد سيؤدي ذلك إلى ازدياد نسبة التضخم وارتفاع الأسعار بنسب أكبر من الزيادة التي حصلت على الرواتب والأجور.

لذلك فإن زيادة الرواتب بنسبة 100 بالمئة، لن تحقق هدفها بزيادة القوة الشرائية، كما أن رفع الدعم ولو جزئيا سيؤدي إلى عجز في الموازنة العامة لدى الدولة وزيادة التضخم وانخفاض القوة الشرائية مرة أخرى.

بمعنى أن القرارات الحكومية ليست سوى تخبّطا، بل إنها تزيد من أعباء ومعاناة المواطنين المعيشية. وفي وقت سابق حذّر خبير اقتصادي في دمشق من ارتفاع سريع في معدلات التضخم، على إثر قيام الحكومة برفع أسعار حوامل الطاقة من المشتقات النفطية وغيرها.

تعويضات هزلية لـ”جرحى الوطن”!

من جهة أخرى ولكن في سياق قرارات الحكومة الهزلية حول رفع الرواتب بنسبة 100 بالمئة لجميع العاملين في قطاعات الدولة، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، وافق مجلس إدارة “الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية” خلال اجتماعه اليوم برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء، على مقترح لجنة الإدارة المشتركة لمشروع جريح الوطن، المتضمن زيادة تعويضات جرحى “قوات الدفاع الشعبي” المشمولين بالمشروع بنسبة 100 بالمئة.

الزيادة تأتي انسجاما مع أحكام المرسومين التشريعيين رقم 11 و12 لعام 2023 القاضيين بزيادة رواتب العاملين بالدولة والمتقاعدين المدنيين والعسكريين بنسبة 100 بالمئة. وبناءً على الموافقة، تصبح قيمة التعويضات الشهرية التي سيتم صرفها للجرحى اعتبارا من بداية أيلول/سبتمبر المقبل على النحو التالي “280  ألف ليرة لجرحى العجز التام و260  ألف ليرة لجرحى العجز تحت التام، و200  ألف ليرة لجرحى العجز الجزئي”، وفق إذاعة “نينار إف إم” المحلية يوم أمس الإثنين.

بشار الأسد مع زوجته أسماء في زيارة لجرحى قوات الجيش السوري-“إنترنت”

هذا الخبر قوبل بموجة انتقادات لاذعة من الشارع السوري على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أن هذه التعويضات ضئيلة ويكاد يعادل ثمن علبة دواء فقط لا غير، فكتبوا “بتجبلن حق دوا..؟؟ ، هاد إذا كان الدوا متوفر يعني.. وشو مشان المنحة اللي اجت للجرحى ماشفناها”.

مشروع “جريح الوطن”، والذي تشرف عليه زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد، قرر أواخر شهر الماضي صرف منحة مالية لمرة واحدة تشمل كافة جرحى العمليات الحربية من القوات التابعة للجيش السوري، وبينهم “قوات الدفاع الشعبي”، وبلغ قيمة المنحة 300 ألف ليرة لجرحى العجز الجزئي، وبين 350 ألف ليرة و400 ألف ليرة لجرحى العجز التام، وفق نسب محددة.

غير أن البعض يقول إن هذه المِنح لم تُصرف بعد، وخلال شهر واحد تضاعفت الأسعار عدة مرات، أي أن قيمة هذه المِنحة انخفضت بشكل كبير بعد قرار زيادة أسعار المشتقات النفطية ورفع الدعم وما إلى ذلك، والتي على إثرها ارتفعت الأسعار في الأسواق بشكل “خيالي”.

طبقا لبعض التقارير الصحفية المحلية نُشرت مؤخرا، أن أحد جرى قوات الجيش السوري، سلمان محمد، انتقد الإهمال والفساد في إدارة مشاريع تستهدف جرحى الجيش السوري، وذكر أنه تلقى وعودا بالحصول على فراش جديد كل 6 أشهر بعد إصابته إلا أن ذلك لم يتحقق، وهاجم مشروع “جريح الوطن”.

كما وذكر الجريح عبر مقطع مصور أن بطاقة “جريح وطن” الممنوحة له لم يستفد منها بأي شيء وطرح تساؤلات حول ميزات بطاقة الشرف وبطاقة التأمين الصحي، مؤكدا عدم وجود تأمين صحي ولا خدمات، وانتقد الإهمال في التعامل مع جرحى قوات الجيش السوري التابع لحكومة دمشق.

بينما تحاول الحكومة السورية إظهار الاهتمام بجرحى وقتلى قواتها، عبر تقديم المِنح أو القروض الصغيرة بالإضافة إلى اللقاءات بذويهم سواء من جانب بشار الأسد وزوجته، ثمة انتقادات لاذعة، بجانب تعليقات ساخرة حول هذه التعويضات التي لا تعيّش المتضرر ليومين متتاليين، إذ يعوضهم إما بمنح مالية ضئيلة جدا أو بتعويضات تُعد مهينة في حقهم، مثل تعويض أُسر الضحايا بحقائب مدرسية أو ساعات حائط أو صندوق برتقال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات