مدينة السويداء السورية شهدت خلال الأيام القليلة الماضية، اتساعا لرقعة الاحتجاجات على إثر القرارات الحكومية المتعلقة بالوضع الاقتصادي في البلاد، ورفع أسعار المواد الأساسية وأبرزها المحروقات، الأمر الذي ينذر بمزيد من الانهيارات على المستوى المعيشي للسوريين خلال الفترة القادمة.

مع غياب أي رؤية حكومية، لتقديم حلول من شأنها أن ترضي المحتجين في السويداء، بدأ بعض الناشطون بالتخوف من تصعيد محتمل ضد الأهالي في المدينة، خاصة وأن التصعيد الأمني يبدو أنه الأداة الوحيدة بيد السلطة في سوريا، في ظل غياب الحلول عن خطط الحكومة.

منذ يوم الأحد الماضي، أخذت الاحتجاجات في السويداء منحىً تصاعديا، خصوصا بعدما أعلن المحتجون عن “إضراب عام”، شمل المحال التجارية والمؤسسات الحكومية والتعليمية، كما وصل الأمر في بعض المناطق إلى إغلاق الطرق الرئيسية التي تربط القرى والبلدات مع بعضها ومع مركز المدينة.

اتساع نقاط الاحتجاج

الاحتجاجات خلال اليومين الماضيين، لم تقتصر على السويداء، إذ أكدت مصادر محلية أن العشرات من أهالي مدينة داعل في ريف درعا خرجوا في تظاهرة مساء أول من أمس احتجاجا على السياسات الحكومية، خصوصا المتعلقة بالاقتصاد.

“التصعيد هو السيناريو الأقرب للأسف”، قال أحمد أبو حسام وهو اسم مستعار لأحد المحتجين في السويداء، مؤكدا أن السلطة في سوريا كثيرا ما اعتادت على الحلول الأمنية، وذلك لأنها لا تملك أساسا ما يمكن أن تقدمه للمحتجين الرافضين للسياسات الحكومية المتعلقة بالوضع الاقتصادي والمعيشي.

أبو حسام، أضاف في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “حتى الآن لا يبدو أن هناك قرار بالتعامل أمنيا مع المتظاهرين، لكن هذا وارد كثيرا في الأيام المقبلة للأسف، خاصة وأن  الحكومة عاجزةٌ عن تلبية مطالب المحتجين في المرحلة الراهنة، نتيجة تراكم الفساد والفشل في إيجاد رؤية من شأنها تحسين الواقع المعيشي للسوريين خلال السنوات القليلة الماضية”.

قد يهمك: “ياريت نهج من هالبلد”.. تعليقات ساخرة حول ارتفاع أسعار الغاز بسوريا

قيمة الليرة السورية، تدهورت بشكل كبير خلال الفترة الماضية وكسرت حاجز 16 ألف ليرة سورية أمام الدولار الأميركي، في حين ارتفعت أسعار المحروقات ليصل سعر بنزين “أوكتان 90” المدعوم والحر ليبلغ 8 آلاف ليرة للتر الواحد، في حين تم رفع سعر البنزين “أوكتان 95” من 10 آلاف ليرة إلى 13500 ليرة، بعدما تم رفع الدعم الحكومي بشكل كامل عن المادة.

منذ الجمعة الفائت، يستيقظ السوريون على صور وفيديوهات تظهر حجم التحدي الذي تواجهه الحكومة من السويداء ودرعا جنوبا حتى اللاذقية شمالا، التي تشهد إضرابا عاما ومظاهرات حاشدة اعتراضا على القرارات الأخيرة حول رفع الدعم عن مادة البنزين وارتفاع أسعار المحروقات التي أثرت على معظم الأسعار المعيشية في سوريا.

تدهور اقتصادي عقّد الموقف

هذه الانتفاضة المفاجئة تأتي في ظل تدهور اقتصادي، زاد من حالة الغضب والإحباط لدى سكان المحافظات السورية، الذين يشعرون بالإهمال والظلم من قرارات السلطات. فما هي خلفية هذه التطورات، وما هو دور المجتمع المدني والفعاليات الشبابية في تنظيمها، وما التداعيات المحتملة على المشهد السوري بشكل عام.

محافظة السويداء وحدها شهدت تفاعلا كبيرا مع دعوات الإضراب العام، حيث تم تنظيم أكثر من 40 نقطة احتجاج في المنطقة. وتأتي هذه التحركات استجابة لدعوات المواطنين وبشكل ملفت للنظر، مما يجعلها ذات طابع استثنائي يعيد للذاكرة ذلك الوقت البعيد ما حدث عام 2011.

الساحات والشوارع في السويداء عكست منظرا غير مألوف، حيث أغلقت معظم المحلات التجارية أبوابها وانتهجت دوائر الحكومة سياسة عدم استقبال المراجعين لهذا اليوم. ولم تكتف هذه الإجراءات بل امتدت لتشمل الجامعات التي اضطرت لتأجيل امتحانات الطلاب.

على الرغم من أن السويداء شهدت على مرّ السنوات احتجاجات تعبيرية تسعى لإطلاق صوت المطالبة بالتغيير، إلا أن المشهد الذي شهدته هذه المرة كان استثنائيا. فقد شهدت المحافظة حدثا فريدا من نوعه؛ حيث أطلق المحتجون إضرابا عاما وعصيانا مدنيا. حيث تجلى الغضب بوضوح في هتافات المتظاهرين، الذين أعلنوا بوضوح في رسالتهم أنهم وصلوا إلى آخر حدّ من الصبر، وأن الوقت قد حان للثورة ضد من أسموهم “المتحكمين بمصائر البلاد”.

يوم الأربعاء الفائت، وفي ليلة واحدة، تغيرت حياة الملايين من السوريين بشكل جذري، بعد أن أصدرت السلطات السورية قرارات اقتصادية غير مسبوقة، تشمل زيادة مئوية على الرواتب والأجور والمعاشات للعاملين والمتقاعدين في الدولة، وإلغاء الدعم عن مادة البنزين بشكل كامل، ورفع أسعار النفط ومشتقاته بكافة الأصناف. 

هذه القرارات، التي جاءت في ساعات متأخرة من مساء يوم 15 آب/أغسطس 2023، لم تهدف إلى مواجهة التضخم المتفاقم في سوريا، الذي بلغ نسبة 3000 بالمئة في شهر تموز/يوليو الماضي، والذي يؤثر سلبا على قدرة المواطنين على شراء السلع والخدمات الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات