لا يزال مسلسل ارتفاع الأسعار في هذه البلاد مستمر، ويبدو أنه لن ينتهي ما دامت أسباب تدهور الاقتصاد السوري بشكل عام وبشكل خاص انخفاض قيمة الليرة السورية مستمرة. فبعد سلسلة من القرارات الحكومية الأخيرة والتي أدت إلى تفاقم الأوضاع المعيشية في سوريا، أصدرت السلطات الحكومية، اليوم، قرارا برفع أسعار الغاز.

هذا وقوبل قرار رفع أسعار الغاز بموجة من التعليقات الساخرة والانتقادات من الشارع السوري، حيث رأى المواطنون أنه بعد القرار الرئاسي برفع الرواتب بنسبة 100 بالمئة، ليس بالأمر الجيد ولا لصالح تحسين حياتهم المعيشية، نظرا لأنه تمّ إصدار سلسلة قرارات حكومية لاحقة بشأن رفع أسعار المشتقات النفطية، واليوم رفعوا تسعيرة الغاز، وهذه مواد أساسية تؤثر على مفاصل العجلة الاقتصادية اليومية في أي دولة، أي أن الأسعار سترتفع في الأيام المقبلة، مما سيزيد من معاناة الناس و أعبائها الاقتصادية.

رفع أسعار الغاز

نحو ذلك، أصدرت لجنة تحديد الأسعار في محافظتي دمشق وحلب قرارا بتحديد سعر أسطوانة الغاز المنزلي والصناعي عبر البطاقة الإلكترونية وخارجها للمستهلك كالتالي، أسطوانة الغاز المنزلي عبر البطاقة الذكية بالنسبة لوزن 10 كيلوغرامات بـ 18000 ليرة سورية للمستهلك، وذلك بعدما كانت بـ 16 ألفا و500 ليرة، وفق إذاعة “المدينة إف إم” المحلية يوم أمس الإثنين.

ارتفاع أسعار الغاز في سوريا- “إنترنت”

أما أسطوانة الغاز المنزلي “الحر” من داخل وخارج البطاقة الذكية بالنسبة لوزن 10 كيلوغرامات بـ 53000 ليرة، وذلك بعدما كانت بقيمة 51 ألفا و500 ليرة. في حين أسطوانة الغاز الصناعي وزن 16 كيلو غراما من داخل وخارج البطاقة الإلكترونية بـ 79500 ليرة، بعدما كانت بـ 75 ألف ليرة سورية.

بينما أصدرت لجنة تحديد الأسعار في محافظة ريف دمشق قرارا بتحديد سعر أسطوانة الغاز المنزلي والصناعي عبر البطاقة الذكية وخارجها للمستهلك بحسب وحدة التعبئة ومكان التوزيع وفق التالي، أسطوانة 10 كغ بالسعر المدعوم عبر البطاقة الإلكترونية بــ 17500 ليرة للمسافة التي تقل عن 30 كم، و 18500 ليرة للمسافة 31-60 كم، و 19000 ليرة للمسافة التي تزيد عن 61 كم.

أما أسطوانة 10 كغ منزلي بالسعر “الحر” عبر البطاقة الذكية، بـ52500 ليرة للمسافة التي تقل عن 30 كم، و 53500 ليرة للمسافة 31-60 كم، و 54000 ليرة للمسافة التي تزيد عن 61 كم، وأسطوانة 16 كغ صناعي من داخل وخارج البطاقة الذكية بـ 80 ألف ليرة للمسافة التي تقل عن 30 كم، و 81 ألف ليرة للمسافة 31-60 كم، و82 ألف ليرة للمسافة التي تزيد عن 61 كم.

انتقادات ساخرة للحكومة

في المقابل، أثار قرار رفع أسعار الغاز موجة من التعليقات والانتقادات الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى أن الحكومة لا تفعل شيئا سوى رفع أسعار الخدمات الأساسية التي تشكل قلب العجلة الاقتصادية، كالغاز والمشتقات النفطية. وأنه بالاستمرار رفع الأسعار على هذا النحو، فإن الأفضل للمواطن أن يهاجر هذا البلد الذي لم يعد قادرا على تدبير قوت يومه فيه.

من بين التعليقات اللافتة على الموضوع، حين علق أحدهم بالقول “مبارح كنت عم قول مامعون حق نسيو يرفعو الغاز، ياريت طالبة شي بسبور لهج من هالبلد.. نص راتب الموظف قنينة غاز وهيك ما بتخلص قنينة الغاز لأنه ما بضل معه مصاري المواطن ليطبخ عليها، يكسر أيديكن فوق تعبكن إذا تعبانين.. عجيب أول قرار ما بيطلع بالليل، خير ليش مارح يقدرو يسهرو”.

بينما قال آخرون ” الغلاء عم من عندكم، الله لا يسامحكن.. إذا لم تستحي ففعل ما تشاء، نازلين ترفعوا هالاسعار تبع الغاز والبترول مابتقولوا راح يغلي كل شي اكل بضهرن قديش راح بصير قرص الفلافل بألف وشو راح يصير كيلو اللبن بـ7000 والله حرام عليكن”.

كما وجه البعض اتهامات فساد وسرقات في كميات وتوزيع الغاز لمعتمدي الغاز الذين يتم توزيع أسطوانات الغاز على مراكزهم، وأضافوا “هو هيك هيك المعتمد كان ياخد 18 ألف هلق صار ياخد 20 أكيد.. كمان المعتمد عم يسرق من جرات الغاز وببيعهن للناس عبر جرات الغاز الصغيرة”.

كنوع من أشكال الدعم، قامت الحكومة السورية بإصدار ما يسمى بـ”البطاقة الذكية” منذ حوالي 3 سنوات، حيث تُمنح هذه البطاقات للعائلات في سوريا ولبعض القطاعات الخدمية العامة والخاصة، لتوفير بعض المواد الخدمية الأساسية مثل الغاز والمحروقات والسلع الغذائية بسعر حكومي مدعم.

الحكومة تدّعي أن مشروع “البطاقة الذكية” الخاص بها يهدف إلى أتمتة توزيع المشتقات النفطية وغيرها من المواد والخدمات على المواطنين، من أجل منع تهريب هذه المواد والاتجار بها، إلا أن الفساد والاتجار بهذه المواد بات أكثر انتعاشا ورواجا، من قبل إصدار ما يسمى بـ “البطاقة الذكية”، فضلا عن حدوث أزمات عديدة، مثل أزمة الغاز والخبز والمحروقات والسكر وغيرهم.

منذ أن اعتمدت الحكومة السورية على نظام “البطاقة الذكية” في توزيع بعض السلع، والأزمات في الأسواق لا تنتهِ، فقد أصبح لكل السلع سوق موازية “سوداء”، فمثلا تم إنشاء سوق سوداء للغاز وهذا ما ساهم بشكل كبير في تعزيز احتكار المادة، وخلق بورصات وأسواق جديدة لهذه المواد ليتم بيعها بأعلى سعر ممكن من قبل أولئك الذين يتحكمون بها.

إن احتكار المواد من قبل المؤسسات الحكومية يؤدي إلى اختلاق الأزمات وخلق المشكلات وظهور السوق السوداء التي يدفع ضريبتها في نهاية المطاف المواطن السوري المحتاج، والتحكم بأسعار هذه السلع يتم عبر المسؤولين عن المعتمدين الحكوميين، وسط غياب الرقابة والتموين، هذا إن لم يكن هناك تقاعس الجهات المعنية مع المعتمدين وأصحاب محطات الوقود من أجل تقاسم الأرباح.

كذلك وحدث عمليات غش كثيرة في عمليات توزيع الغاز وبيعه، وللغش في المواد دوافع وأساليب عديدة، من أهمها الربح غير المشروع من خلال الغش في المواصفات والأسعار والأوزان.

التداعيات على الأسواق

عقب رفع سعر الغاز المنزلي والصناعي، ثمة مخاوف لدى المواطنين من ارتفاع أسعار السلع وخاصة المواد الغذائية، نظر لأن هذا سيؤثر حتما على الأسعار في الأسواق، لأن التجار وأصحاب المطاعم يرفعون الأسعار حسب ما يتم رفعه من تسعيرة الغاز والمواد الأخرى.

بعد آخر مرة رفعت فيه “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” السورية سعر أسطوانات الغاز الصناعي لنحو 75 ألف ليرة سورية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية التي يشكل الغاز أحد مستلزمات إنتاجها كالألبان والأجبان وعموم السلع في المطاعم الشعبية مثل الفلافل والحمص.

لجنة تحديد الأسعار في محافظة دمشق أصدر عقب رفع أسعار الغاز مؤخرا، قرارا بتحديد أسعارٍ جديدة للمطاعم الشعبية والفطائر والمعجنات والمقاهي. ولم يكن هذا القرار مفاجئا للمواطنين، حيث أصبحت الزيادة في الأسعار أمرا معتادا في المشهد العام للحياة في سوريا، وقد صرح رئيس “جمعية المطاعم” كمال النابلسي في وقت سابق، أن الجمعية تعمل على دراسة تعديل أسعار المواد الغذائية الشعبية لمواكبة ارتفاع أسعار الغاز الصناعي.

بالمقابل، تساءل أحد أصحاب مطاعم الوجبات الجاهزة في تصريحات صحفية سابقة، قائلا “أين الغاز المدعوم حتى نخشى من ارتفاع أسعاره أو أسعار المواد الأخرى”، وأكد صاحب المطعم أن غالبية المطاعم لا تحصل على أكثر من 25 في المئة من مخصصات مادة الغاز الصناعي، بالتالي فإن ارتفاع الغاز من قِبل الحكومة حاليا سيزيد من تسعيرته في السوق السوداء، وهو ما سيؤثر على أسعار السلع تلقائيا.

هذا وكثُر الحديث مؤخرا عن أن أسعار أسطوانات الغاز الفارغة سوف تصل لـ 400 ألف ليرة سورية بعدما كانت بـ 119 ألف ليرة من قِبل شركة “محروقات” الحكومية، نظرا لأنه سوف يتم استيراد الأسطوانات الفارغة، وهذا ما يؤثر على الأسواق حتما.

في العموم، أزمة الغاز مستمرة في سوريا منذ سنوات، وحتى اليوم لم تجد الحكومة السورية أيّة حلول مُجدية لها. بل إن أزمات البلاد تتزايد باستمرار. كما أنه من غير مستبعد أن تتجه العائلات السورية إلى وسائل بديلة كما كانت ولا تزال تفعل، لتعويض نقص الغاز المنزلي، كاستخدام الحطب والوسائل البدائية، ما يشكل خطرا على صحة المواطنين.

تلجأ العوائل إلى وسائل بديلة لمواجهة أزمة الغاز، كاستخدام الحطب و“البابور” في طهي الطعام، لا سيما مع ارتفاع أسعار الغاز خارج إطار الدعم الحكومي، ليصل سعر تعبئة أسطوانة الغاز إلى أكثر من 300 ألف ليرة للواحدة.

حكومة دمشق كانت قد أعلنت العام الماضي تخفيض الكميات المخصصة للعوائل السورية من المحروقات المدعومة، فبعد أن كانت الكمية مئتي لتر العام الماضي، انخفضت إلى 50 هذا العام، فضلا عن تمديد مدة الحصول على أسطوانة الغاز الواحدة، حيث تتراوح مدة استلام الغاز ما بين 2-3 أشهر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات