تمثل الحرية في سوريا قيمة مستحيلة، بينما تعد حرية الصحافة والتعبير والتي تعني تداول المعلومة ونقد السياسات وكشف الأخطاء ومحاسبة أو مساءلة المسؤولين، أي ممارسة الحقوق الطبيعية بشفافية، من بين الأمور التي تعيق حدوثها السلطة بكل أجهزتها ومؤسساتها، ومن ثم، وضعت مسألة حرية الصحافة في أدنى مستوياتها.

يصادف الثالث من أيار/مايو من كل عام، اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو اليوم الذي اختير لإحياء ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي، خلال اجتماع للصحافيين الإفريقيين، الذي نظمته “اليونسكو” وعقد في ناميبيا في 3 أيار/مايو 1991.

وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1993 موافقتها على اعتبار الثالث من أيار/مايو اليوم العالمي لحرية الصحافة، وحصل على توصية “اليونسكو”.

ولا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرة ومستقلة وقائمة على التعددية. كما أن هذا شرط مسبق لضمان أمن الصحافيين أثناء تأدية عملهم، ولكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقا سريعا ودقيقا، وفقا لما ينص عليه إعلان “الأمم المتحدة”.

حرية الصحافة في سوريا

تُعرف سوريا بأنها من الدول التي تقمع لحرية الصحافة والإعلام، وازدادت معدلات القمع والعنف والخطف بحق الصحفيين السوريين وغير السوريين العاملين في سوريا منذ اندلاع الحرب السورية في عام 2011.

وفي أحدث تقرير لمنظمة “مراسلون بلا حدود” عام 2022، قالت إن سوريا تحتل المرتبة 171 (من أصل 180 دولة)، وسوريا الدولة قبل الأخيرة على مستوى الوطن العربي، حيث “لا يزال الصحفيون في خطر كبير”، ويخاطرون بحياتهم لتغطية الأحداث والأحوال بشكل عام في سوريا، خاصة المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.

وضمن هذا السياق وحول غياب حرية الصحافة في سوريا والمنطقة العربية، يقول الصحفي السوري وسكرتير عام رابطة “الصحفيين السوريين”، صخر إدريس: “أود القول إن حرية الصحافة في سوريا غائبة من زمن طويل، على سبيل المثال عام 2022 جاءت في المرتبة 171 من أصل 180 دولة من سلم تصنيف الحريات لـ “مراسلون بلا حدود”، وجاءت في الترتيب 173 عام 2010 وهذه إشارة إلى أن قمع الحريات غير مرتبطة بالوضع الحالي (الحرب في سوريا)”.

وأردف إدريس خلال حديثه لموقع “الحل نت”: “غياب حرية الصحافة بالضرورة سيغيب أي عمليات توعية وتطوير وتنمية وبالتالي مساءلة، وهنا حكما تغييبها يعتبر ضرورة للمنظومات الشمولية والديكتاتورية”.

ويتفق والرأي ذاته، صحفي سوري يعمل في المناطق الشمالية السورية مع العديد من الوكالات الإعلامية الدولية، على أن “حرية الصحافة بشكل عام غائبة في سوريا والمنطقة العربية، وهذا يعود إلى الذهنية القمعية والسلطوية لدى السلطات الحاكمة في سوريا، لذا يطغى سيطرة السلطات وقيودها على عمل الصحافة وبالتالي إسكات صوت الصحفيين”.

وحول ما الذي تحتاجه الصحافة في سوريا خلال السنوات المقبلة، يقول الصحفي السوري والمقيم في فرنسا، صخر إدريس، أن “الصحافة في سوريا قطعت أشواط جيدة مهنيا وفي استقلاليتها بعد عام 2011 بسبب خلاصها من عباءة السلطة الحاكمة”.

وفي تقدير إدريس، “تحتاج الصحافة إلى وضع بعض النظم لضبطها لا لكبتها كي لا تتحول إلى خطاب كراهية غير مسؤول، لأنه في النهاية حرية الصحافة مسؤولية قبل أن تكون إباحة في النشر”، وفق تعبيره لموقع “الحل نت”.

من جانبه، يقول الصحفي السوري الذي يعمل في المناطق الشمالية السورية، والذي فضل عدم ذكر اسمه، لموقع “الحل نت”، “يجب إعطاء الصحافة هامشا أكبر من الحرية، وعدم مضايقة الصحفيين أثناء عملهم، والتوقف عن انتهاك حقوق الصحفيين من قبل السلطات، عندها يمكن أن نقول بأن الصحافة هي صوت السوريين، وإلا فإنه يظل عملا غير مكتمل ومسيّس إلى حد ما”.

يبدو في عصرنا الحالي، صارت الحدود غائمة بين الصحافة بشكلها التقليدي والميديا المتنوعة، خصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، كـ “تويتر وفيسبوك”، حيث المعايير الناظمة والإجراءات المتبعة لضبط المحتوى تقوم بها الشركتان، وهي تحظى بأعداد من المتابعين والرواد لا يمكن مقارنة متابعي أهم منبر تقليدي بها، وإذا كانت أهم القضايا التي تسعى إلى ضبطها أو منعها هي المتعلّقة بخطاب الكراهية أو التحريض على العنف، فإن المجال يبقى مفتوحا لكل أشكال التضليل وأساليبه، في هذا البحر الكبير من روّاد الموقع، ومن كل أنحاء العالم.

وليس أكثر من التقنيات المتاحة حاليا، بفضل الثورة الرقمية التي صارت من أدوات الأنظمة السياسية من جهة، وغيرها من أنظمةٍ تتغلغل في المجتمعات وتمارس سطوتها، عدا الممارسات الفردية لبعض الأشخاص المهووسين بتجريب مواهبهم وميولهم في هذا المجال، في وقتٍ يدفع الصحافيون اللاهثون خلف الحقائق حياتهم في سبيل الحقيقة، وفق موقع “العربي الجديد”.

ما الذي أضر بالصحافة في سوريا؟

على الرغم ممّا نحن فيه، ومن أن العالم صار تحت الرقابة والوصاية، فلا بد من الدفاع عن حرية الصحافة، واستقلاليتها، وتعدديتها، ولا بد من صون الحريات التي تدعي معظم دساتير العالم حمايتها، وأهمها حرية الرأي والتعبير، وصون الحياة والكرامة، بينما في الواقع لا تتحقق هذه الحريات بالشكل الذي تعبر عنه، في أرقى حالاتها.

وحول ما الذي أضر بالصحافة في سوريا، يقول إدرس خلال حديثه لـ “الحل نت”، إن “الذي أضر بالصحافة هو المنظومة الحاكمة وفسادها التي تخشى من انتقادها وتسليط الضوء على تجاوزاتها، فوضعت القوانين التي تحد من حرية الصحافة وتجرمها”.

وفي رأي الصحفي السوري العامل في المناطق الشمالية السورية، الذي فضل عدم كشف اسمه، (وهذا بحد ذاته انتهاك لحقوق الصحفيين ولصوتهم، خشية “الاعتقال” نتيجة إبداء الرأي)، إن “ما أضر بالصحافة، فهو سياسة سلطات الأمر الواقع في عموم سوريا، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، التي لطالما أسكتت صوت الصحفيين و لا يزال يفعل ذلك”.

إن حرية الصحافة واستقلاليتها مقيدتان مسبقا بأجندات الجهات التي تمولها أو تستثمر فيها، فللاستثمار في الصحافة والإعلام شقان، ربحي وآخر رمزي، إذ هناك مؤسسات عديدة تديرها حكومات أو مؤسسات أو حتى أشخاص لا يتوخّون الربح من خلالها، بل تمول للغرض الذي تقوم من أجله، وهناك عديد منها أيضا ينتمي إلى أحزاب سياسية في الدول التي يوجد فيها، يقوم على الأهداف التي يحددها الحزب ويتبنى الخطاب الذي يخصه، حتى لو توفر مستوى عالٍ من الحرية، إنما يبقى للصحافة في الأنظمة الديمقراطية هامش أعلى في الحرية قياسا بغيرها من الأنظمة القمعية أو الشمولية، التي تحتكر الصحافة وحرية التعبير لديها، وتحدد لها فضاءها ومساراتها، ومنها أيضا أنظمة المنطقة العربية التي تعد، في بعض منها، محاولة الخروج عن الخطاب الحكومي نوعا من الانتحار، وفقا لموقع “العربي الجديد”.

وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثقت العام الماضي مقتل 551 صحفيا، بينهم سيدة و5 أجانب، على يد الحكومة السورية، فيما أودت الغارات الروسية بحياة 22 صحفيا منذ اندلاع الحراك الشعبي في سوريا عام 2011.

يوم الصحافة العالمي

يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من أيار/مايو من كل عام، ويمثل هذا اليوم فرصة للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييم حال حرية الصحافة في كل أنحاء العالم، والدفاع عن وسائط الإعلام أمام الهجمات التي تشن على حريتها، والإشادة بالصحافيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء أداء واجبهم، وفق تقارير صحفية.

يعتبر هذا اليوم مناسبة لتذكير الحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، ومناسبة للإعلاميين للتفكير في قضايا حرية الصحافة والأخلاق المهنية. لا تقل أهمية هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة أهمية من حيث تقديم الدعم لوسائل الإعلام المستهدفة لتقييد أو إلغاء حرية الصحافة. كما أنه يوم لإحياء ذكرى الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في المهنة.

تعد حرية الصحافة مقياس لمدى الحرية التي يتمتع بها الشعب في البلاد، لأن الصحفي هو حلقة الوصل بين أصحاب القرار والشعب. وإن قمع الحريات الصحفية وحظر النشر دليل على القمع الذي يعيشه الناس في أي دولة أو منطقة كانت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.