محاولة جديدة للمبعوث الدولي الخاص غير بيدرسن، قد يسعى لها لتحريك الجمود في الملف السوري بعد طرحه لسياسة “الخطوة مقابل خطوة” التي أعلن عنها نهاية العام الفائت، إثر فشل متتالي في اجتماعات اللجنة الدستورية على مدى جولات متعددة، ولكن قد يقدم سياسته هذه المرة من زاوية مختلفة، تتعلق بملف المعتقلين والمفقودين والذي يعتبر من أكثر الملفات السورية تعقيدا.

إذ صرح بيدرسن عن نيته إجراء حوار مع الحكومة السورية حول قضية الإفراج عن المعتقلين، وقال خلال مؤتمر “بروكسل” يوم الثلاثاء الفائت، “أُعلِنَ عن مرسوم عفو رئاسي، ورأى الكثيرون أنه تطور مهم جدا وإيجابي”، في إشارة منه إلى العفو الرئاسي حول “الجرائم الإرهابية”، مضيفا أنه يأمل خلال زيارته إلى دمشق في وقت لاحق من هذا الشهر، الحصول على معلومات مباشرة من محاوريه هناك ومناقشة قضية المعتقلين.

الإفراج عن المعتقلين لإنعاش العملية التفاوضية

في حديثه لموقع “الحل نت”، يرى المحامي حسان الأسود، الأمين العام للمجلس السوري للتغيير، أن تصريح بيدرسون بمثابة تشجيع لدمشق على المضي بمبدأ “خطوة مقابل خطوة”، فهو ما يزال يراهن على أن المجتمع الدولي لم يحسم أمره باتجاه إنهاء الأزمة السورية وفق القرارات الدولية، لذلك فإنه يحاول إبقاء العملية التفاوضية مع النظام مستمرة حتى ولو رفضتها المعارضة أو غابت عنها ولم تقبل بها، بحسب المحامي السوري.

وفي سياق حديث بيدرسن حول موضوع المعتقلين، يشير الأسود، إلى أنه من يعرف حكومة دمشق و طريقة تفكيرها، “يعلم أنها لا يمكن أن تفرج عن جميع المعتقلين، فهي تعتبرهم رهائن لديها تقايض عليهم المجتمع الدولي من جهة، ووسيلة ابتزاز واستنزاف لموارد المواطنين ،لذلك، فإن دمشق لن تفرج إلا عن عدد محدود جدا من المعتقلين فقط”.

وأكد الأسود، أنه ليس بيد المبعوث الدولي أي أدوات ليضغط بها على دمشق، سواء في ملف المعتقلين أم في غيره من الملفات، وقد أثبتت السنوات الأحد عشر الماضية أن من يملك أوراق الضغط هي الدول الفاعلة في الشأن السوري وخاصة الدول الغربية وروسيا وإسرائيل، وهذه الدول لم تضع في حسبانها في أي يوم إنهاء هذا الملف.

أما المعارضة السورية فهي أقل شأنا وتأثيرا من أن تلعب أي دور في هذا الملف، خاصة وأنها باتت الآن رهينة بأيدي الدول التي تدعمها وتسيطر بالتالي على قراراتها، وبالتالي لن يتغير ملف المعتقلين في الوضع الآني، فلا أمل في الإفراج عنهم ولا أمل في تخفيف معاناتهم، بحسب تعبير الأسود.

إقرأ:لماذا لن تنجح سياسة “خطوة مقابل خطوة” في حل الصراع بسوريا؟

مقاربة بيدرسن تعاني من القصور

هناك العديد من الثغرات في سياسة المبعوث بيدرسن، والتي قد تؤدي إلى عدم نجاحه في سياساته بشكل عام، وفي مقاربة “خطوة مقابل خطوة” بشكل خاص، فلا تزال هذه المقاربة غير واضحة المعالم، في ظل تعنت دمشق والمعارضة في رفضها من جهة، وتراجع الاهتمام الدولي بالتوصل لحل للأزمة السورية من جهة أخرى، كما أن بيدرسن، لم يتطرق إلى الدور الذي تلعبه بعض القوى الإقليمية في سوريا، كإيران وروسيا، وهي قوى فاعلة على الأرض.

ويمكن فقط إنجاح واستخدام مقاربة “خطوة مقابل خطوة” فقط لإطلاق العملية السياسية المتعثرة، لكن هذه المقاربة كنهج بمفرده لا يمكن أن تقدم حلا دائما وعادلا، دون تطبيق كامل للقرار 2254، أي رحيل حكومة دمشق، ومواجهتها للعدالة.

قد يهمك:خطة بيدرسون “خطوة بخطوة” لماذا ترفضها المعارضة وتقبلها دمشق؟

عمليات الإفراج عن المعتقلين محدودة

في موضوع العفو الأخير، والإفراج عن المعتقلين، قالت نور الخطيب، العضو في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في حديثها لموقع “الحل نت”، إنه استنادا إلى عمليات الرصد والمراقبة التي قامت بها الشبكة خلال الأيام العشرة الأولى من صدور مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022، فقد وثقت الشبكة ما لا يقل عن 476 شخصا تم الإفراج عنهم من قبل حكومة دمشق، من مختلف السجون المدنية والعسكرية والأفرع الأمنية في المحافظات السورية، بينهم 55 سيدة و13 شخصا كانوا أطفالا حين اعتقالهم، وذلك في الفترة الممتدة من 1 أيار/مايو 2022 وحتى 11 أيار/مايو 2022، ولا تزال تتابع عمليات رصد ومراقبة حالات الإفراج عن المعتقلين على خلفية مرسوم العفو.

وأوضحت الخطيب أن من بين حصيلة المفرج عنهم تم تسجيل 6 حالات لمختفين قسريا جرى اعتقالهم خلال الأعوام 2011، 2013، 2016 وأفرج عنهم ولم تكن عائلاتهم تحصل على أية معلومات عنهم طوال مدة احتجازهم واختفائهم ولم تتمكن من زياراتهم أو التواصل معهم.

وأيضا من بين المفرج عنهم، هناك ما لا يقل عن 98 شخصا كانوا قد أجروا تسويات لأوضاعهم الأمنية قبيل اعتقالهم ومنحوا تعهدا بموجب التسوية بعدم التعرض لهم من قبل الأفرع الأمنية، و18 شخصا اعتقلوا بعد عودتهم لسوريا من اللاجئين والمقيمين خارجها بينهم سيدتين، وما لا يقل عن 12 شخصا من اللاجئين الفلسطينيين بينهم 3 سيدات.

وحول استمرار عمليات الإفراج عن المعتقلين، أكدت الخطيب، أن عمليات الإفراج لا تزال مستمرة ومن المتوقع أن تستمر على شكلها الحالي “مجموعات” حتى نهاية الشهر السادس، ولكن ليس من المتوقع أن تفرج حكومة دمشق عن أعداد كبيرة، لأن الآلية التي تتبعها منذ البداية هي الإفراج عن دفعات تتضمن أعداد قليلة بشكل مستمر لإظهار أنها تقوم بالافراج عن أعداد كبيرة، لافتة إلى أنه لم يتم تسجيل وجود نشطاء شاركوا في الحراك الشعبي، وكان لهم أنشطة ممن لايزالون مختفون قسريا أو موجودين في السجون المدينة من بين المفرج عنهم.

إقرأ:خطوة مقابل خطوة في سوريا.. هل يُفتح الملف من جديد؟

كل المعطيات المتعلقة بملف المعتقلين في سوريا تشير إلى أنه ملف شائك نتيجة لوفاة أعداد كبيرة من المعتقلين داخل السجون خلال السنوات الماضية، وهذا ما سيمثل مشكلة كبيرة للحكومة السورية عند الحديث عن تبييض السجون، ومن جهة ثانية فلن يكون هناك فرصة لدى بيدرسن لتسريع عمليات الإفراج عن المعتقلين لعدم وجود أوراق ضغط يملكها ضد الحكومة، وإن كان يحاول من خلال الدخول من بوابة الإفراج عن المعتقلين تهيئة ظروف ملائمة لاستمرار الحوار وإظهار حسن النوايا، تطبيقا لمقاربته “خطوة مقابل خطوة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.