يواجه الشباب في سوريا صعوبات كبيرة في دخول سوق العمل والحصول على المهن، بسبب ضغوط عرض العمل وضعف الطلب على العمل من كلا القطاعين العام والخاص، مما يؤدي إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.

حرف قديمة تعود للحياة

بعض المهن والأعمال التقليدية انقرضت في ظل الظروف الاقتصادية قاسية لأسباب متنوعة في سوريا، بما في ذلك الافتقار إلى القدرة الشرائية، والمشاكل الناجمة عن الاستعانة بالمواد الخام في خطوط التصنيع، وغير ذلك من التحديات.

رئيس الاتحاد العام للحرفيين، ناجي حضوة، قال في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأحد، إن الحرف التي تم إحياؤها هي التي توفر الخدمات التي يحتاجها المواطن في الظروف الحالية وتلبي طاقاته المادية، ومنها حرف خدمية مثل ميكانيك السيارات وتصفيف الشعر والزينة النسائية وما شابه ذلك، لأنها حاجة يومية لا غنى عنها، وتأثرت بكل أنواع الضغوط الاقتصادية، إضافة إلى الحرف الإنتاجية ذات الطابع الاقتصادي مثل الموبيليا والمعادن وحرف الحلويات والخراطة التي ما تزال موجودة، وتنتج الكثير من السلع كبدائل للمستوردات.

وأضاف، “كما يشمل ذلك، الحرف اليدوية التي تقوم بصنع المكونات المطلوبة لعمل كافة المنشآت الحرفية والصناعية الجديدة، كتصنيع خطوط وأفران الإنتاج الصناعي وكذلك تصنيع مستلزمات المعدات الزراعية”.

كما لفت حضوة، إلى أن أعمال الحرفية الذهبية والفضية استعادت نشاطها بشكل كبير، نظرا لطبيعتها الاقتصادية ووجود زبائن يحتاجونها لمناسبات خاصة، مضيفا أن ورش الحرف الذهبية والفضية بقيت مفتوحة طيلة فترة الأزمة، وكان لها الأثر الإيجابي في المعروض من المنتجات، وقال إن هناك جهودا تبذل لسن قوانين جديدة ستساعد على إحياء هذه المهن في سوريا.

أما القسم الأخير، فيشمل الحرف التقليدية مثل البروكار السوري والموزاييك والصدف وغيرها، والتي تباع للدول في جميع أنحاء العالم، حسب قوله، ولأن قدرة السوريين على الشراء ضئيلة فإن السوق المحلية لهذه المنتجات ترتبط بالسياحة، وطلب التصدير مرتفع عليها.

في سوريا.. استدامة المهن بخطر

 على المدى الطويل، من المتوقع أن يتجه معدل البطالة في سوريا نحو 8.50 بالمئة في عام 2022 و8.00 بالمئة في عام 2023، وفقا لنماذج الاقتصاد القياسي، ولكن في الوقت ذاته تطفو بعض المهن على سطح الواقع وتنتعش لمسببات مختلفة فرضتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية في سوريا.

سوق المهن المرتبطة بالإكساء وإعادة الترميم في سوريا، انتعشت وفقا للصحيفة، وذلك في ضوء عودة المواطنين لبعض الأماكن التي التي تعرضت للدمار، ورغبة الناس في العودة إلى ديارهم والهروب من الإيجارات المرتفعة.

وأشار أحد عاملي الإنشاءات، إلى أن ارتفاع الكلفة المادية جراء سيطرة تجار البناء على الصناعة من دون رقابة، كان سببا في نقص الكوادر العاملة في هذا القطاع بنسبة 70 بالمئة،  بالإضافة لهجرة الشباب.

وحول الألية لعلاج انقراض المهن في سوريا، قال الدكتور سنان ديب، الأستاذ في جامعة “تشرين”، يمكن وصف عودة هذه المهن، بأنه تكيف اقتصادي لظروف الأزمات والحروب، فضلا عن التداعيات والتغيرات والضغوط الدولية، بالإضافة إلى الفجوة الكبيرة في المعيشة بين الدخل ومبالغ المال المطلوبة للوصول إلى مستوى أعلى من خط الفقر.

وتابع، “كل هذا أدى إلى تغيير في طبيعة العمل في سوريا، حيث كان بعض الشباب في الماضي يرفضون العمل في أنواع معينة من المهن، مثل توزيع الطلبات في المطاعم، ولكن الآن، ومع تزايد الحاجة المالية، كاد هذا الرأي أن يختفي، وهذه الوظائف مطلوبة بشدة”.

وفيما يتعلق بإمكانية بقاء هذه المهن التي ازدهرت في ظروف فريدة على المدى الطويل في سوريا، يقول ديب، إنه من المستحيل تصنيف جميع المهن على أنها مستدامة أو غير مستدامة، فعلى سبيل المثال، تتبع الدولة ميدان العمل في مجال الطاقات المتجددة كاستراتيجية بديلة للطاقة الأحفورية من أجل البيئة، ولكن بمجرد عودة الحياة الطبيعية وتوفر الكهرباء، قد يقل طلب المواطنين عليها.

وأضاف، “إلا أن هناك مهن أخرى كالبناء قد تكون طويلة العمر وتحصل على العديد من فرص العمل والمنافسة، مما يؤدي إلى تخفيض التكلفة للمواطن بسبب تنوع خيارات الأسعار”.

70 ألف عامل سوري دون تثبيت

في يوم العمال العالمي، الذي يصادف الأول من أيار/مايو من كل عام، وبينما يتمتع العمال بحقوق وأجور معقولة في معظم الدول المتقدمة، تنسى العديد من دول العالم الثالث حقوق العمال الذين يشكلون الجزء الأهم في المجتمعات، ومن أبرز هذه الدول، سوريا التي لم تستطع حتى الآن تنمية وبناء جزء صغير من اقتصادها وتحسين الواقع المعيشي في سوريا وخاصة الفئة الضعيفة ومن بينهم العمال.

لا تدعم حكومة دمشق قطاع العمال؛ خاصة من ناحية التأمينات، وهضم الحقوق سواء عبر غياب القانون، أو عدم وجود دور فاعل لنقابة العمال، إضافة إلى تدني مستوى الأجور، فضلا عن عدم إنصافهم كليا من جانب الحكومة والقطاع الخاص، وسط هيمنة رؤوس الأموال والفساد على الفئة المهمشة في هذه البلاد.

وأكد رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، جمال القادري، في الأول من أيار/مايو الفائت، على أن هناك أكثر من 70 ألف عامل وخلفهم 70 ألف عائلة ما زالوا غير مستقرين (غير مثبتين في وظائفهم) وهم قلقون على حياتهم الوظيفية، رغم وجودهم في الوظيفة منذ 10 سنوات، وعملية تثبيتهم لن تكلف خزينة الدولة أي أعباء، بحسب قوله.

في السياق ذاته، طالب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في سوريا، تشميل جميع عمال الإطفاء بقانون المهن الخطرة والشاقة وزيادة طبيعة العمل لهم لأنها اليوم لا تتجاوز 5 بالمئة، كما دعا إلى ضرورة الإسراع بتسديد ديون مؤسسة الرعاية الصحية العمالية المترتبة على الوحدات الإدارية، والإسراع في إقرار التأمين الصحي للمتقاعدين.

هذا وقد شهدت الأسواق خلال الفترة الأخيرة حالة غير مسبوقة من الركود وانخفاض مستويات الأجور مقارنة بمتطلبات المعيشة وارتفاع الأسعار، وهذا ما يدفع السوريين إلى البحث عن فرص عمل تتناسب مع الواقع المعيشي في سوريا بحيث يوفر لهم ولأسرهم الاحتياجات الأساسية، لكن فرص العمل الجيدة في سوريا باتت شبه مستحيلة، خاصة وأن قيمة الليرة السورية تتراجع يوما بعد يوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.