بعد إصدار واشنطن خلال شهر أيار/مايو الماضي، ترخيصها القاضي باستثناء مناطق من شمال شرقي سوريا وكذلك في شمال غربي سوريا من العقوبات المفروضة على سوريا، برزت مؤشرات جديدة من الولايات المتحدة تدلل على رغبة أميركية واضحة في تفعيل استفادة المناطق السورية من هذا الاستثناء بغية تطويرها وإنماءها، لا سيما في مناطق الشمال الشرقي التي عانت من إرهاب تنظيم “داعش”.

مساء يوم الجمعة، فوض الرئيس الأميركي، جو بايدن، وزير الدفاع، لويد أوستن، بصلاحيات اتخاذ القرارات بشأن الترخيص الذي أصدرته واشنطن، حول استثناء مناطق في شمال شرقي وشمال غربي سوريا من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا بسبب حكومة دمشق.

يدلل القرار الأميركي الأخير على رغبة واشنطن في جعل تلك الاستثناءات أكثر مرونة في المنطقة، إلى جانب احتمالية تدعيم أمن المنطقة لحمايتها من أي نشاط محتمل للتنظيم الإرهابي.

نتيجة لهذا التفويض، تبرز عدة تساؤلات حول ما سيقوم به وزير الدفاع الأميركي حيال متابعة تنفيذ الاستثناء، وما إذا كان هناك إمكانية لدعم مشاريع بناء سجون جديدة لعناصر “داعش” وعوائلهم المحتجزين في سوريا، فضلا عن التساؤل الأبرز المطروح حيال مشاريع البناء والإصلاح المفترضة لدعم حملة مكافحة “داعش”، خاصة وأن قرار الإعفاء من العقوبات يغطي 12 قطاعا مختلفا.

فكرة جديدة قديمة

المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الأميركية، جو معكرون، قال خلال حديث لـ”الحل نت” إن هذه الفكرة مطروحة منذ فترة، وهي مخصصة للمشاريع الزراعية وإعادة الإعمار، وتخفف على الإدارة الأميركية أعباء الاستثمار في مرحلة ما بعد “داعش” خلال المرحلة المقبلة.

ويتابع ضمن هذا السياق بالقول “هذا يؤكد على التفويض الأميركي الذي يتمتع به البنتاغون ميدانيا للقيام بمشاريع إنمائية لا تقتصر على السجون فقط ، وإنما تساعد على تفادي إعادة إنتاج أرضية تسمح لعودة داعش على الساحة”.

البيت الأبيض أصدر بيان يوم الجمعة، مفاده بأن “الرئيس الأميركي وبموجب السلطة المخوّلة له وفق دستور وقوانين الولايات المتحدة، فوّض وزير الدفاع بالسلطة والمهام المخولة للرئيس لتفويض الدفاع الوطني للتنازل عن قيود معينة على تكلفة مشاريع البناء والإصلاح لدعم حملة مكافحة “داعش” في العراق وسوريا”.

كما وأشار البيان إلى أن التفويض يتضمن اتخاذ أي قرارات متعلقة، وتقديم أي إخطارات متعلقة بالترخيص بشأن العقوبات لـ “الكونغرس” الأميركي.

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي زياد سنكري، إن “خطوة الرئيس الأميركي جو بايدن جاءت بشكل مفاجئ، حيث فوض وزير دفاعه لويد أوستن بتنفيذ القرارات المتعلقة باستثناء عدة مناطق من العقوبات الأميركية، في وقت حرج حيث تشهد المنطقة توترا متصاعدا جراء التهديد العسكري التركي”.

وأردف خلال حديثه لموقع “الحل نت”، بأن “هذه الخطوة لها دلالات كبيرة وخاصة أنها منحت لوزير الدفاع مما يرسل إشارات واضحة للجميع أن هذه المنطقة تشكل رمزية استراتيجية للولايات المتحدة، وأن أي استثناءات للعقوبات ستكون لخدمة الرؤية والأهداف الأميركية في هذه المنطقة وخاصة لمحاربة “داعش” ودعم الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن”.

وفي اعتقاد المحلل السياسي سنكري، المقيم في واشنطن، أن لهذه الخطوة رسالة مهمة؛ تمثل بتوجيه إشارات واضحة لتركيا التي تصر على عمليتها العسكرية.

وتابع في السياق ذاته “أيضا، يبدو أن أوستن حريص على تأكيد التزام واشنطن بدعم حلفائها في المنطقة (قسد) واستثناء بعض القطاعات يمكن أن يساهم بانتعاشة اقتصادية ولكن كل ذلك مشروط بأن تدور العجلة بطريقة تخدم مصالح الولايات المتحدة”.

يمكن التكهن بأن واشنطن بهذا التفويض قد تريد دعم مشاريع بناء سجون جديدة لعناصر “داعش” وعائلاتهم المحتجزين في سوريا، من أجل الضبط والسيطرة بشكل محكم على عناصر التنظيم ومنع إحيائه مجددا على الساحة السورية ودول الجوار مثل العراق، وفق مراقبين.

قد يهمك: الأسد وأردوغان في خندق واحد بعد إعفاء الشمال السوري من العقوبات الأميركية؟

قرار الإعفاء من العقوبات الأميركية

وزارة الخزانة الأميركية ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، أصدر في 12 أيار/مايو الفائت، رخصة عامة جديدة تسمح باستثمارات القطاع الخاص وأنشطة أخرى في المناطق غير الخاضعة لسيطرة دمشق في شمال شرق وغرب سوريا، ويدعم التفويض الجديد استراتيجية إدارة بايدن لهزيمة تنظيم ” داعش”، من خلال تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المناطق المحررة من سيطرة الجماعة الإرهابية.

واستثني 12 قطاعا، يسمح بالاستثمار والعمل بها من قبل الشركات من دون التعرض لقانون العقوبات، وتشمل قطاعات الزراعة والاتصالات والبنية التحتية (كهرباء – ماء – نفايات) والبناء والطاقة النظيفة والتمويل والنقل والتخزين، إضافة إلى القطاعات المتعلقة بالخدمات الصحية والتعليم والتصنيع والتجارة.

كما سمح الاستثناء بشراء المنتجات البترولية المكررة ذات المنشأ السوري للاستخدام في الداخل السوري فقط، في حين شددت وزارة الخزانة الأميركية على أن الترخيص لا يسمح بأي معاملات تشارك فيها حكومة دمشق أو أي شخص مقرب منها.

وفي إحاطة خاصة مع نائب مساعد وزير الخارجية لسوريا، إيثان غولدريتش، وإريك وودهاوس، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون مكافحة تمويل التهديدات والعقوبات، وزهرة بيل، مديرة مجلس الأمن القومي في العراق وسوريا، قبل أسابيع، شرح المتحدثون للصحفيين المشاركين كيف تم تصميم الرخصة الجديدة لتحسين الظروف الاقتصادية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، في شمال شرق وغرب سوريا، ودعم جهود الاستقرار الجارية في المنطقة، دون استفادة دمشق من ذلك.

غولدريتش، أكد استمرار واشنطن في استخدام العقوبات، حيث أنها تهدف إلى محاسبة الناس على الأفعال التي قاموا بها، وأميركا لن ترفع العقوبات عن دمشق أو أصدقائها، ولن يتم التطبيع معها، حتى يتم إحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل سياسي للصراع بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.

كما أشار، إلى أن القرار لا يغير عقوبات مكافحة الإرهاب الحالية، وجهود تحقيق الاستقرار – بما في ذلك استعادة الخدمات الأساسية، وتعزيز فرص كسب العيش لمساعدة السوريين على العودة إلى الحياة الطبيعية، وتقديم الدعم للأفراد العائدين من النزوح وكذلك المجتمعات التي تستقبلهم.

وتهدف الرخصة السورية العامة رقم 22، إلى إثبات أن العقوبات الأميركية تهدف إلى الضغط على السلطات السورية، وليس الشعب السوري، بما في ذلك الأشخاص في المناطق الخارجة عن سيطرتها، مضيفا، “عقوباتنا تستهدف حكومة دمشق والأشخاص المحيطين به، وليس الأشخاص الموجودين في مناطق لا تخضع حتى لسيطرة دمشق”.

وأوضح نائب مساعد وزير الخارجية، أن “هذا التفويض لا يلغي أي عقوبات سورية على نظام الأسد، ولا يسمح بأي تعاملات مع (النظام السوري)، لذا ما فعلناه اليوم ليس تنازلا عن العقوبات، وتظل العقوبات على سوريا أداة حيوية للضغط من أجل المساءلة في سوريا، خاصة بالنسبة لأولئك الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.

قد يهمك: دمشق وأنقرة تعرقلان الاستثمارات في الشمال السوري؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.