يواجه النشطاء السوريين على تطبيق “تيك توك” في ريفي حلب وإدلب سلسلة اعتقالات على خلفية اتهامات بإفساد الأخلاق العامة للمجتمع السوري المحلي.

مديرية التربية والتعليم في المجلس المحلي لإعزاز شمالي حلب، التابعة لما يعرف بـ”الحكومة المؤقتة” المعارضة المدعومة من قبل أنقرة، أصدرت قرارا في 29 أيار/مايو الماضي يقضي بفصل معلمة في إحدى مدارس المدينة بسبب فيديو لها على “تيك توك”. وقالت معلمة أخرى تابعة لمديرية التربية والتعليم في مدينة اعزاز لـ”المونيتور”، شريطة عدم الكشف عن هويتها، موضحة: “طردت المديرية المعلمة هنادي عثمان، التي تعمل في مدرسة علي بن أبي طالب الابتدائية، وقد جاء هذا القرار، الذي سرا اعتبارا من يوم الأحد الماضي 29 أيار، بسبب مقطع فيديو على تيك توك تم تصويره داخل الفصل الدراسي، حيث أظهرت عثمان قدميها، دون الكشف عن شيء آخر”.

ويبدو أن الفيديو المذكور أثار غضب بعض متابعي تطبيق “تيك توك”، وتم شجبه باعتباره يتعارض بشكل مباشر مع قيم التعليم. وعلق مستخدمون آخرون بأن الفيديو كان مسيئا للعملية التعليمية، لأنه يظهر المعلمة وهي تضع قدميها على مكتبها أمامها بينما، تغني أغنية عربية بما هو معناه “لم أحب التعليم مطلقا ولم أفكر مطلقا في الذهاب إلى الجامعة”. كما واجهت عثمان كذلك تعليقات لاذعة من مستخدمي تيك توك الذكور.

وهذه ليست المرة الأولى التي تعاقب فيها فصائل المعارضة السورية أشخاصا بسبب محتوى منشور على تيك توك. ففي 9 أيار/مايو الماضي، تم حلق رأس شابين من قبل أعضاء “حركة التحرير والبناء” التابعة لـ”الجيش الوطني” المعارض، وكان الشابان إسماعيل عوض الصالح وتاج الدين محمد حاج أحمد قد اعتقلا، ثم أُجبرا على الاعتذار عن فيديو “تيك توك” صور في مدينة الباب بريف حلب الشرقي يتحدثون فيه عن النساء. وقد أطلق سراحهما في اليوم التالي.

وفي 11 من الشهر ذاته، اعتقل جهاز أمني تابع لجماعة “أحرار الشام”، محمود محمد عباس، المعروف باسم أبو الوفا الشامي على “تيك توك”، بسبب مقطع فيديو اعتبرته قوات الأمن مسيئا للآداب العامة. وكذلك تم حلق رأس الشامي، كإجراء عقابي، وقدم اعتذارا علنيا قبل إطلاق سراحه.

وفي 20 أيار، اعتقل لواء “عاصفة الشمال” التابع لـ”الجيش الوطني” في اعزاز رجلا يدعى أبو أمير وله حساب مشترك على “تيك توك” مع زوجته، حيث تم اتهامه بإشاعة الفاحشة، وعوقب بحلق شعر قسري قبل إطلاق سراحه، بحسب ما ترجم موقع “الحل نت”.

ويقول مسؤول عسكري في “الجيش الوطني” المعارض لـ “المونيتور”، شريطة عدم الكشف عن هويته، موضحا إن “الجيش الوطني ليس ضد الشباب الذين يستخدمون تطبيقات مختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل الشهرة والمال وتطلعات أخرى، لكن عليهم التمسك بأخلاق المناطق هنا وليس تجاوز العادات والتقاليد”.

ولم تكن فصائل “الجيش الوطني” في ريف حلب الوحيدة التي اعتقلت مبدعي المحتوى بسبب مقاطع فيديو “مزعجة” على “تيك توك”، بل هناك أيضا “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على إدلب. فقد اعتقلت الأخيرة، خلال الشهرين الماضيين، عدة متهمين بنشر مقاطع فيديو “تيك توك” تسيء إلى النساء في إدلب.

كما اعتقلت قوات الأمن التابعة للهيئة في 28 أيار شابا لمشاركته مقطع فيديو له وهو يرقص، الأمر الذي اعتبر غير أخلاقي. وتم تداول صورة للشاب على مواقع التواصل الاجتماعي فيما بعد ظهر فيها وهو حليق الرأس. ويبقى غير معروف ما إذا كان سيقضي بعض الوقت خلف القضبان، أم ستقتصر العقوبة على حلاقة الشعر.

وفي شهر نيسان/أبريل الماضي، اعتقلت القوات الأمنية التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” شخصا آخر في إدلب بنفس التهمة، بحسب روايات هيئة “تحرير الشام” على “تلغرام”. واعتقل شابان آخران في الأسابيع الماضية لأسباب مماثلة.

ويقول مصدر مقرب من “هيئة تحرير الشام” لـ “المونيتور”، شريطة عدم الكشف عن هويته “يبدو أن الوضع في إدلب يحتاج الآن إلى إنشاء شرطة للأخلاق، بالنظر إلى جميع مقاطع الفيديو التي تسيء إلى النساء، حيث يبدو أن الرجال يتحرشون بهن في الشوارع والأسواق. لقد صوروا أنفسهم وهم يقومون بأعمال شنيعة وشاركوها على وسائل التواصل الاجتماعي. إنه أمر فاحش”.

من جانبه، يقول وسام القسوم، عضو “المجلس الإسلامي السوري” المعارض في ريف حلب، لـ “المونيتور”: “الحرية حق لكل إنسان بشرط ألا تؤذي الآخرين. لدى الشعب السوري أخلاقه وآدابه الخاصة التي لا ينبغي انتهاكها”.

ويقول محمد السكري، الباحث في الشؤون السورية المقيم في تركيا، لـ “المونيتور”: “يجب التمييز بين استخدام وسائل الاتصال المختلفة، بما في ذلك تيك توك، وهي حرية شخصية، وبين استخدامها بطريقة سيئة بهدف تهديد الأمن والسلامة العامة. يجب أن يكون لمحتوى مواقع التواصل الاجتماعي قانون واضح خاص به لتحديد ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به، بدلا من اتخاذ إجراءات عشوائية في هذا الصدد”.

ويبدو أن فصائل “الجيش الوطني” المعارض في ريف حلب و”هيئة تحرير الشام” في إدلب لا يملكان أي قانون واضح يعاقب منشئي المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا هو السبب في أن المتهمين لم يواجهوا عقوبة السجن، ولكن عوقبوا بحلق الرأس بدلا من ذلك.

ويقول عبد الناصر الحوشان، المحامي المقيم في تركيا، لـ “المونيتور”: “إن القانون السوري المطبق في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني شمال حلب يتضمن نصوصا تجرم التعدي على الآداب العامة والسلوك العام، وتنص على معاقبة السلوك غير المنضبط والسخرية وعدم الاحترام، أو أي تعدي على حسن السلوك”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.