بينما تلوح أنقرة بتنفيذ تهديداتها بشن عمليات عسكرية جديدة في شمال سوريا بحجة ضمان الأمن القومي لحدود بلادها، رغم الوجود الروسي والأميركي في المنطقة. فإن هذا التهديد يقابله رفض أميركي واضح ويتمثل في مناطق شرقي الفرات، بينما تبقى مناطق غرب الفرات (منبج وتل رفعت) التي تحتوي على نفوذ روسي بموقف ضبابي، في ظل تواجد القوات الحكومية السورية فيها وضمن مناطق قريبة منها.

وعلى إثر العملية العسكرية التركية المتوقعة في ريف حلب الشمالي ومنبج، قد تخسر قوات دمشق الكثير من وراء هذه العملية بسبب أن هذه المناطق تشهد تواجدا لها ولو كان محدودا، وكذلك لأن هذه الخسارات لن يكون لها بديلا في مناطق من إدلب بريفها الجنوبي، فضلا عن أن هذه العملية قد تفتح احتمالية تمدد نفوذ تركي سواء في إدلب في المناطق التي سيطر عليها قوات دمشق خلال عملياتها العسكرية ما قبل آذار/مارس 2020، وكذلك في حلب سواء أجزاء من المدينة كما أشيع مؤخرا أو في مناطق من ريف المحافظة.

وعلى ضوء ما سبق تبرز عدة تساؤلات حول ما إذا ستتخلى روسيا عن دمشق في هذه المناطق من أجل مصالح موسكو مع أنقرة خارج سوريا، وهل ستكون هذه الخسارات إذا ما حدثت بالفعل ضربة عسكرية موجعة لدمشق.

تحالفات جديدة والمزيد من التصعيد؟

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أكد مواصلة بلاده التحضيرات لاستكمال الخط الأمني في الجنوب التركي، وصرح بشكل متكرر عن عزم تركيا شن عمليتها العسكرية في مناطق من الشمال السوري، دون تحديدها، وإن كانت هذه المناطق وفق المعلومات المتناقلة ستشمل مدن وبلدات، منبج، تل رفعت، عين دقنة، الشيخ عيسى، ماير، دير جمال، منغ، ماير.

أردوغان قال أيضا، إن أنقرة لا تنتظر ”إذنا“ من الولايات المتحدة لشن عملية عسكرية جديدة في سوريا، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام تركية.

بينما لم يتخذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، موقفا إيجابيا أو سلبيا واضحا من العملية التركية حتى الآن، على الرغم من أنه أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي، في 30 من أيار/مايو الفائت، حين قال أردوغان أن إنشاء “منطقة آمنة” على الحدود الجنوبية لبلاده بعمق 30 كيلومترا بات “ضرورة ملحة” بالنسبة لأنقرة.

كما أنه ظهر الموقف الروسي الأخير ملتبسا، إذ صرح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن روسيا ستجري اتصالات مع نظرائها في تركيا حول موضوع العملية العسكرية الجديدة.

وطلب بوغدانوف “عدم الانخراط” في وضع تكهنات حول موضوع العملية العسكرية قبل الاتصالات، التي ستكون عبر زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف ووفد مرافق له في 8 من حزيران/يونيو الجاري، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك“ الروسية، قبل أيام.

وحول احتمالية تخلي روسيا عن دمشق في هذه المناطق من أجل مصالح موسكو مع أنقرة خارج سوريا، يرى الكاتب والمحلل السياسي، شورش درويش، أنه “حتى اللحظة لا توجد معطيات حول مساومة روسية-تركية، ويبدو أن هناك رغبة لدى دمشق لاختبار شكل جديد للتحالف مع “قسد” في غرب الفرات وبطبيعة الحال هذا سيخضع روسيا لاختبار حقيقي فيما خص الدفاع عن مصالح دمشق من جهة وعن قدراتها في ردع تركيا”.

ويردف في حديثه لموقع “الحل نت”، “في حال أقدمت روسيا على التفاهم مع تركيا سيزداد اعتماد دمشق على طهران، وفي المقابل فإن عدم تصدي واشنطن للاجتياح التركي سيزيد من فرص التعاون بين دمشق و”الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، والحال أن تركيا ستخلط الأوراق في حال شنت عمليتها العسكرية الخامسة وهذا لن يصب في مصلحة القوى الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا) فيما ستبرز تحالفات جديدة، وهذه التحالفات قد تدفع باتجاه المزيد من التصعيد”.

وخلص المحلل السياسي شورش درويش، حديثه بالقول: “في الغالب تشعر روسيا بوجوب احتواء دمشق كما أنه ليس بوسع تركيا تقديم التنازلات في إدلب لروسيا لأن المزاج الشعبي في إدلب بدأ بالنفور من سياسة المساومات التركية”.

قد يهمك: ما دور دمشق في إيقاف العملية العسكرية التركية غربي الفرات؟

صفقات على حساب السوريين

في سياق التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في الشمال السوري، صرح مسؤولون في “قسد” أنهم يأخذون التهديدات على “محمل الجد”، في الوقت الذي أعلن فيه قائد قوات “قسد”، مظلوم عبدي، يوم الأحد، عن انفتاح قواته للتنسيق مع الحكومة السورية، وذلك لمواجهة تهديدات أنقرة بشن عملية عسكرية في الشمال السوري.

كما صرح قائد “قسد” مظلوم عبدي، في وقت سابق، أنه يجري لقاءات مع “التحالف الدولي”، وموسكو ودمشق، لبحث التهديدات التركية حول شن عملية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية.

ووفق تقرير نشره موقع “أوراسيا ديلي” الروسي، مؤخرا، فإن روسيا وتركيا أصبحا في وضع غير متكافئ في الشمال السوري، فانخراط موسكو في معركتها بأوكرانيا، جعل من الأولويات الروسية تجنب تصعيد ميداني جديد، يُفضي إلى سحب قوات عسكرية، مع الأخذ بعين الاعتبار مراعاة العلاقات مع أنقرة.

وفي اعتقاد الموقع الروسي، يوجد هناك عدة سيناريوهات للاستجابة الروسية حول العملية التركية المرتقبة، أولها أن تسعى موسكو إلى التوصل لاتفاق مع أنقرة يعدل الأخيرة عن قرارها، وهو ما عدّه الموقع “الخيار الأمثل لموسكو”، بالرغم من ثمنه المتوقع المرتفع بالنسبة لروسيا، فقد تطالب تركيا بأفضليات تجارية واقتصادية قد تشمل موارد الطاقة والحبوب، أو الحصول على دور أكبر في الأزمة الأوكرانية.

ووفق الموقع، فإن تفكيك مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” من خلال عملية عسكرية تركية يجعل الإدارة أكثر تجاوبا في المفاوضات مع دمشق، لكن هذا السيناريو كان محتملا أكثر قبل انطلاق الحرب في أوكرانيا، بحسب الموقع، أما الآن، فإن تركيا في وضع يسمح لها بوضع شروط أفضل أمام روسيا.

أما السيناريو الذي يراه الموقع الروسي “الأكثر واقعية” بالنسبة لروسيا، أن تترك العملية التركية من دون رد، وهو ما قد يضرب سمعتها، لكن يمكنها من استخدام الموقف لإقناع “الإدارة الذاتية” بالتفاوض مع حكومة دمشق (إن حدث ولم يكن “شكليا” فقط كما حصل أثناء عملية “نبع السلام” 2019)، كما لن تضطر موسكو إلى تقديم تنازلات لأنقرة.

وعليه، فإن الأيام القليلة المقبلة كافية للكشف عن مآلات التصعيد التركي المحتمل ضد شمال سوريا، وفيما إذا كان سيكون هناك تفاوضا بين موسكو وأنقرة بحيث تحقق الأولى مصالحها خارج سوريا، وتنقذ الثانية نفسها في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة والتخلص من عدد من الملفات الداخلية المعقدة في تركيا (ملف اللاجئين السوريين مثالا)، وبالتالي حدوث هجوم بري تركي واسع النطاق يستهدف مناطق غرب الفرات دون أي تدخل حقيقي من قبل قوات حكومة دمشق، الأمر الذي سيخلق تحالفات جديدة وتصعيدا أكبر على الساحة السورية، وكل ذلك على حساب الدماء السورية بالتأكيد، بالمقابل ستخسر دمشق الكثير على الصعيد العسكري والسياسي.

قد يهمك: ما هي المناطق المستهدفة في العملية العسكرية التركية غربي الفرات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.