خيارات محدودة أمام الأطراف المحلية والدولية الفاعلين على الأرض السورية بفعل التهديدات التركية الأخيرة بشن عملية عسكرية جديدة في مناطق من الشمال السوري. فليس هناك أي طرف يملك الخيارات الواسعة لمواجهة هذه التهديدات وآثارها.

سواء أكان الطرف التركي الذي يواجه رفضا دوليا لهذه العملية العسكرية المحتملة، أو الأطراف المحلية المتمثلة بقوات “سوريا الديمقراطية” (قسد) وكذلك القوات الحكومية السورية التي تتحرك وفق الأوامر الروسية، فالأخيرة قد تكرر سيناريو انسحابها المفاجئ من مناطق عفرين (2018) و”عملية نبع السلام” (أواخر عام 2019) بعد تعهدها بحماية تلك المناطق من أي تصعيد عسكري ضدها. بالمقابل فإن الرفض الأميركي حتى الآن يمنع وصول العملية العسكرية التركية إلى مناطق شرقي الفرات، لتبقى مناطق غرب الفرات التي تحتوي على نفوذ روسي بمصير مجهول فيما إذا كانت تركيا ستقدم على توجيه نيرانها نحو تلك المناطق، وعلى رأسها تل رفعت ومنبج.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صرح بشكل متكرر عن عزم تركيا شن عمليتها العسكرية في مناطق من الشمال السوري، دون تحديدها، وإن كانت هذه المناطق وفق المعلومات المتناقلة ستشمل مدن وبلدات، منبج، تل رفعت، عين دقنة، الشيخ عيسى، ماير، دير جمال، منغ، ماير.

أردوغان قال مؤخرا إن أنقرة لا تنتظر ”إذنا“ من الولايات المتحدة لشن عملية عسكرية جديدة في سوريا، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام تركية.

وردا على سؤال حول تحذير أميركي من مغبة شن حملة عسكرية جديدة في سوريا، قال الرئيس التركي: ”إذا كانت الولايات المتحدة لا تقوم بما يترتب عليها في مكافحة الإرهاب فماذا سنفعل؟ سنتدبر أمرنا“، وفق وكالة “الأناضول”.

من جانبهم صرح مسؤولون في “قسد” أنهم يأخذون التهديدات على “محمل الجد”، في الوقت الذي أعلن فيه قائد قوات “قسد”، مظلوم عبدي، يوم أمس الأحد، عن انفتاح قواته للتنسيق مع الحكومة السورية، وذلك لمواجهة تهديدات أنقرة بشن عملية عسكرية في الشمال السوري.

كما صرح عبدي، في وقت سابق، أنه يجري لقاءات مع “التحالف الدولي”، وموسكو ودمشق، لبحث التهديدات التركية حول شن عملية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية.

على ضوء ذلك، يبرز التساؤل حول إمكانية أن تتدخل القوات الحكومية السورية في المناطق المحتمل أن تفتح تركيا ضدها عمليتها العسكرية في غرب الفرات، وكذلك حول مدى قدرة دمشق على التدخل ضد هذه العملية وحماية الحدود السورية من العمليات التركية المزمعة، أم سيتكرر سيناريو الانسحاب كما حصل سابقا في عفرين 2018 وسيناريو الوجود “الشكلي” فقط في مناطق عملية “نبع السلام” 2019، وفيما إذا كان هذا التدخل سيكون بأوامر روسية وكذلك الانسحاب أيضا بأوامر روسية.

دمشق لا تملك قرار نفسها؟

أشار قائد “قسد” لوكالة “رويترز” إلى أن “الشيء الأساسي الذي يمكن أن يفعله الجيش السوري للدفاع عن الأراضي السورية هو استخدام أنظمة الدفاع الجوي ضد الطائرات التركية”.

وتابع عبدي في حديثه للوكالة الدولية، بأن المزيد من التنسيق العسكري مع دمشق لن يهدد الحكم شبه المستقل، في مناطق شمال شرقي سوريا. ونوّه إلى أن “أولويتنا هي الدفاع عن الأراضي السورية، ولا ينبغي لأحد أن يفكر في استغلال هذا الوضع لتحقيق مكاسب على الأرض”.

وضمن الإطار ذاته، لا يعتقد الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية، سامح إسماعيل، خلال حديثه مع “الحل نت”، أن القوات الحكومية السورية لديها القدرة العسكرية على التصدي للجيش التركي، “أنقرة تعي ذلك جيدا، وليس مستبعدا أن تكون هذه العمليات بتنسيق مع الجانب الروسي، فتركيا تريد الحصول على ثمن حيادها في الحرب الأوكرانية”.

وبالتالي وفق إسماعيل، فإن العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا لن تكون عمليات موسعة، وسوف تظل في نطاق محدود نسبيا، لتحقيق أهداف لوجيستية على الأرض، وهي تحركات ربما كانت متوقعة، قبيل عملية التسوية النهائية، على حد وصفه.

وأردف في حديثه، “من جهة أخرى فإن أردوغان يريد التخلص من جملة من الضغوط في الداخل والخارج، خاصة في ظل تحولات الملف الليبي، وكذا ملف المصالحة مع مصر ودول الخليج، لكنه ربما أيضا يصطدم بلاعب رئيسي هنا، وأقصد الجانب الإيراني، وبالتالي فإن أي تحركات في غرب الفرات، ينبغي أن تمر عبر حسابات دقيقة، وربما تفاهمات مع القوى الرئيسية”.

وفي إطار حديث مظلوم عبدي يوم الأحد لـ”رويترز”، ذكر أن أي هجوم جديد على مناطق سيطرة قواته، سيؤدي إلى “نزوح نحو مليون شخص، وإلى مناطق قتال أوسع”، كما حذر عبدي، من أن ذلك قد يؤدي أيضا إلى عودة ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي وأكد عبدي، بالقول “لا يمكننا القتال على جبهتين”.

وأعرب عن أمله في أن يؤدي الاجتماع المقبل بين وزيري خارجية روسيا وتركيا إلى خفض التصعيد، لكنه قال إن أي تسوية يتم التفاوض عليها يجب أن تشمل وقف هجمات الطائرات المسيرة التركية في شمالي سوريا، “سيكون هذا أحد مطالبنا الأساسية”، وفق تعبيره.

قد يهمك: رغم الرفض الدولي.. لماذا يجدد أردوغان تهديداته على الشمال السوري؟

سيناريو مشابه لـ”نبع السلام”؟

في ظل التهديدات التركية على الشمال السوري، أرسلت دمشق تعزيزات عسكرية إلى بلدة عين عيسى في ريف محافظة الرقة، وهي العاصمة الإدارية والسياسية لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا.

ويأتي إرسال التعزيزات، بحسب ما ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الاثنين، في ظل التصعيد الذي تشهده المنطقة، وبالتزامن مع التهديدات التركية بشن عملية عسكرية على طول الحدود الشمالية للبلاد.

وأوضحت صحيفة “الوطن” المحلية، في تقريرها اليوم، أن رتلا عسكريا للجيش السوري دخل، أمس الأحد، إلى عين عيسى، وانتشر في محيطها، مشيرة إلى أنه الثاني من نوعه، خلال أسبوع.

وهكذا فإن تحركات قوات دمشق في المنطقة في الوقت الحاضر تشبه السيناريو الذي شهدته مناطق شمال شرقي سوريا أواخر عام 2019 عندما أطلقت تركيا عملية “نبع السلام”، وكذلك قبلها منطقة عفرين، قبل أن تنسحب من الأخيرة وتبقى بمحاذاة مناطق “نبع السلام”، وفقا لاتفاق لاحق تم إبرامه آنذاك.

عناصر القوات الحكومية هناك يعتبر وجودها بالـ “شكلي” فقط وليس له ثقل لردع الهجمات التركية المحتملة على المنطقة، خاصة ومنذ أيام قليلة استهدف الجيش التركي قوات دمشق في تلك المناطق وأسفر عن ذلك مقتل 6 جنود من قوات دمشق، بحسب تقارير صحفية.

وعليه، فإن الأيام المقبلة القليلة كفيلة بكشف مآلات التصعيد التركي ضد الشمال السوري، وهل سيكون تفاوضيا، أم أنه سيكون هجوما بريا واسعا يستهدف مناطق في غرب الفرات، دون أي تدخل من قبل قوات حكومة دمشق من أجل حماية الحدود السورية.

قد يهمك: روسيا وتركيا والعملية العسكرية في الشمال السوري.. تحالف خاسر؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.