على الرغم من الرفض الدولي، عاود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتجديد تهديداته بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، بحجة إنشاء “منطقة آمنة” على عمق 30 كيلومترا، وبالتالي إبعاد “وحدات حماية الشعب” المكون الأكبر لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن حدوده والذين يشكلون خطرا –بحسب أنقرة- على الأمن القومي التركي.

وسط الرفض الدولي وبالتحديد واشنطن لهذه العملية العسكرية التركية. يبدو أن أردوغان تراجع في خطابه خلال اليومين الماضيين، حيث حدد بوضوح أمام البرلمان أن العملية العسكرية لن تشمل شرق الفرات، بل غرب النهر فقط، وتحديدا في منبج وتل رفعت.

اليوم وقبل أي وقت مضى، يسعى أردوغان جاهدا، بين إطلاق التهديدات وتصعيد اللهجة، في سبيل الحصول على مكان في قلب الساحة الدولية-الإقليمية، فمن من الحرب الروسية-الأوكرانية والممرات البحرية إلى توسيع حلف شمال الأطلسي وتهديداته في سوريا، والتوتر مع اليونان المجاورة، حيث توجد أنقرة في كل هذه الملفات الإقليمية، فضلا عن بعض الملفات الخلافية بين تركيا والولايات المتحدة ذات الطبيعة الإقليمية، مع الإشارة إلى قرب الانتخابات الرئاسية التركية في العام المقبل والتي تبدو نتائجها غير أكيدة. ومن ملف إلى آخر وربما أهمها ملف شراء أنقرة نظام الدفاع الروسي “أس-400″، يضرب يده على الطاولة مبررا ذلك في الوقت نفسه على أمن ومصالح بلاده.

ومن هذا المنطلق، يبدو أن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة لأردوغان، وأنه بحاجة ماسة إلى المغامرة بإحداث فوضى أو حرب ما، في سبيل كسب أو حلحلة بعض الملفات، وبالتالي ربما يُحظى ببعض الأصوات خلال الانتخابات القادمة في تركيا.

تركيا تريد مساومة واشنطن؟

وبالتزامن مع هذه التصريحات، وسعت أميركا انتشار قواتها ودورياتها وسيرت طائرات شرق الفرات، لتأكيد حماية حلفائها وردع الجيش التركي. كما أعلنت واشنطن وأبلغت أنقرة عبر مندوبتها إلى الأمم المتحدة ليندا غريفيلد رفضها أي هجمات عسكرية، معتبرة أن ذلك سيضر بالاستقرار الإقليمي.

وجاء التهديد مع قرب انعقاد قمة “الناتو” في إسبانيا آواخر الشهر الجاري، وسط الجدل حول انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، وهو ما تعارضه أنقرة التي تعتبر أنهما يؤويان “إرهابيين” من “حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا.

ورغم الرفض الدولي المتكرر لتهديدات أردوغان بشن عملية عسكرية تركية على شمال سوريا، يجدد أرودغان بتصريحات (خطابية فقط) بشن عمليته العسكرية في تلك المناطق، وضمن هذا الإطار، يرى المحلل السياسي، كريم شفيق، أن الرئيس التركي يواصل تهديداته بشأن العملية العسكرية في شمال سوريا وتحديدا استهداف منطقتي منبج وتل رفعت السوريتين رغم وجود اصطفاف سياسي رسمي أميركي برفض أي تصعيد والذي من شأنه وضع المدنيين في خطر غير أنه على ما يبدو يحتاج أردوغان لتلك الحرب لتحقيق جملة أهداف ومصالح بعضها محلي والآخر خارجي إقليمي.

وفي اعتقاد المحلل السياسي خلال حديثه مع موقع “الحل نت”، أن “أردوغان يسعى للاستفادة أو استغلال الصراع الدولي المحتدم وتناقضات الأزمة العالمية بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الحرب في أوكرانيا فضلا عن توظيفه لقضية انضمام فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ومناورته للتفاوض مع واشنطن عبر إمكانية استخدام حق النقض الفيتو ضد هذا الانضمام وبالتالي فإنه يحاول اللعب على أعناق تلك التناقضات للحصول على مكاسب”.

ويضاف لذلك فإن هذه الورقة التي يمررها أردوغان إنما ربما تحقق له ضمن أهدافه حلحلة ملف السلاح الذي تسبب في أزمات مع واشنطن بعد شراء منظومة الصواريخ من روسيا “أس-400″، وفق تعبيره لـ”الحل نت”.

من جانب آخر، يعتقد يكتان ترك يلماظ، الباحث في جامعة أوروبا الوسطى في فيينا، إن أردوغان “يحاول تحويل (مسألة الحلف الأطلسي) إلى فرصة دبلوماسية”. في إشارة إلى استغلال مسألة انضمام فنلندا والسويد لحلف “الناتو” لمصالحه السياسية فقط.

ويشير المحللون الذين تحدثوا للوكالات الغربية، إلى أمل تركيا في الاستفادة من ملف الحلف الأطلسي وتهديداته العسكرية في شمال سوريا، في مسألة مقاتلات “أف-16” الأميركية، وهي الطائرات التي طلبتها ودفعت ثمنها جزئيا، لكن واشنطن علقت العقد بعدما اشترت أنقرة نظام الدفاع الروسي “أس-400”.

قد يهمك: روسيا وتركيا والعملية العسكرية في الشمال السوري.. تحالف خاسر؟

أردوغان يستغل الظروف الدولية

يعتقد المراقبون، أن تهديدات أردوغان في هذا التوقيت بالتحديد مثيرا للاهتمام، خاصة وأن تركيا تعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، لذا فلماذا تريد أن تفتح جبهة حرب، وبالتالي فإن هذه التهديدات ليست سوى لتحقيق بعض المكاسب.

وأنه بهذه الطريقة، يريد أردوغان فرض ضغط شعبي وجماهيري على المعارضة، لأنه في مثل هذه الظروف، لم تبقَ في يد الحكومة أوراق سوى أن تخلق بيئة من الفوضى، ما يجعل المواطنين في جو من الرعب ليصوتوا للحكومة، تجنبا لانجرار الأوضاع إلى الأسوأ بسبب عدم الاستقرار في إدارة البلاد. وسبق لهذه الحكومة أن جرّبت هذه الطريقة واستفادت منها، ولكن ليس من المؤكد أن يصب ذلك في مصلحتها في ظل الظروف الراهنة.

وضمن هذا السياق، يرى المحلل السياسي كريم شفيق، أن تهديدات أردوغان “تبدو فرصة جيدة في سياق الانتخابات التركية المزمع إجراؤها في حزيران/يونيو 2023 حيث إنه أردوغان سيجعل منها فرصة للشحن القومي واستثماره لحصد أصوات القوميين أو ربما يتسبب في تعطيل الانتخابات كسيناريو محتمل (وبعيد) لكنه في كل الأحوال حيلة لتفويت فرص ممكنة لصعود المعارضة وتقوية مستقبلها السياسي بحيث يؤدي لانحسار حزب “العدالة والتنمية” التي تبدو في وضع مأزوم نتيجة أوضاع داخلية معقدة”.

وعليه، فإن الأيام المقبلة كفيلة بكشف مآلات التصعيد التركي ضد الشمال السوري، وهل هو تفاوضي قبل انعقاد قمة “الناتو” في مدريد نهاية الشهر الجاري، والتي أيضا ستقرر مصير طلبي السويد وفنلندا والصدام الروسي-الغربي، أم استباقي باقتناص اللحظة الدولية، بحيث يفرض أردوغان الوقائع على الأرض قبل السفر إلى إسبانيا، وفق مراقبين.


قد يهمك: هل تُحرّك تركيا عملية عسكرية في تل رفعت ومنبج؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.