بعد أن صدمت شهادة “حفار القبور” المحكمة الألمانية، في أيلول/سبتمبر 2020، واضطر القاضي إلى تأجيل الجلسة بعد الشهادة المقلقة، أدلى الشاهد السوري بشهادته أمام أعضاء من الكونغرس الأميركي، أمس الأربعاء، حول المجازر التي ارتكبتها أجهزة الأمن السورية بحق المعتقلين المدنيين في السجون.

600 جثة في الأسبوع!

أعطى حفار قبور سابقا محكمة ألمانية تفاصيل مروعة حول دفن عشرات الآلاف من ضحايا التعذيب في السجون السورية في مقابر جماعية حول العاصمة دمشق، لكن بشهادته التي أدلها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، كانت التفاصيل أفظع.

ذكر الشاهد أنه شخص مدني، وكان قبل الحرب موظفا إداريا في بلدية دمشق، ووظيفته أن يشرف على عمليات دفن المدنيين، لكن في عام 2011 أجبرته المخابرات السورية على العمل معها، للتخلص من الجثث التي تأتي من المستشفيات بعد نقلها من المعتقلات.

خلال شهادته، قال “حفار القبو”، “في الأسبوع تصل ثلاث شاحنات ناقلة 300 إلى 600 جثة لضحايا التعذيب والقصف والمذابح، بالإضافة إلى ذلك، تصل أربع شاحنات بيك أب مرتين في الأسبوع مع رفات ما بين 30 و40 مواطنا قتلوا في سجن صيدنايا، ويتم التخلص منهم بأكثر الطرق وحشية”.

ووفقا لآخرين ممن عملوا معه في المقابر الجماعية وهربوا مؤخرا، أضاف، “أنا أعرف على وجه التحديد أين تم تكديسهم، هناك مقابر جماعية لا تزال حتى يومنا هذا، فقد قتل مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء، بما في ذلك الرجال والنساء والأطفال وكبار السن، الذين تعرضوا للجوع والتعذيب قبل اغتصابهم وحرقهم وقتلهم بأقسى طريقة ممكنة”.

والمفاجئة التي فجرها “حفار القبور” خلال حديثه، هو كشفه عن قتلى من الجنسية الأميركية، بمن فيهم الصحفيون والعاملون في المجال الإنساني، قائلا “لن أنسى أبدا كيف أهان رجال الأسد وضحكوا من الأميركيين والأوروبيين الذين عذبوا وذبحوا ودفنوا”.

دعس وقتل خلال الحفلات

في البداية كان “حفار القبور” وفقا لشهادته، يشرف فقط ولم يشارك في دفن الجثث القادمة من المراكز الأمنية، مبينا أنه “طوال سبع سنوات، عاشر ضباط قساة القلوب، ففي يوم من الأيام، أسقطت شاحنة حمولتها المكونة من عدة مئات من الجثث في الخندق أمامه، ورأى جثث تتحرك، وكان رجلا على مشارف الموت، يحاول إيصال رسالة أنه لا يزال على قيد الحياة”.

وخلال مشاهدتهم للرجل، صرخ عمال الدفن “علينا أن نتحرك”، لكن ضابط المخابرات المسؤول عنهم أمر سائق الجرافة بقتله ودهسه، مشيرا إلى أن السائق لا يمكنه أن يتردد وإلا سيكون الضحية التالية، وكان عليه أن يدوس ويقتل الرجل في الحفرة، وأما الشاب الذي تجرأ وبكى على الضحية فلم يشاهد مرة أخرى.

وعن مشهد آخر، قال “حفار القبور”، “كان علي ذات مرة أن أذهب إلى مزرعة أحد ضباط المخابرات، و عند وصولي، كان هناك حوالي 10 منهم يأكلون و يشربون، و15 شابا مكبلين، معصوبي العينين، وعراة على الأرض أمامهم، وأحد ضباط المخابرات أمر جنديا آخر بفك قيود المدنيين والسماح لهم بالرحيل”.

وأضاف، “بعد أن أزيلت العصابات عن الأعين وفكت قيودهم، وكانت عيون الشباب ممتلئة بالارتباك والخوف، سألهم ضابط مخابرات عما ينتظرهم، وأمرهم أن يهربوا، وعندما هموا بالهرب انتزع ضابط آخر بندقيته وقتلهم واحدا تلو الآخر، وعندما انتهى، واصل الضباط أكلهم واحتفالهم وكأن شيئا لم يكن”.

أطفال وفتيات بمقصلة الاغتصاب

في رسالة سابقة وجهت للمجتمع الدولي، قال “حفار القبور”، “لم أستطع أبدا أن أنسى ما رأيته؛ الجثث العديدة التي دفنتها تبقيني مستيقظا في الليل، ولن أنام أبدا وأنا أحمل هذا العبء”، وفي شهادته أمس الأربعاء، ذكر أيضا أنه دفن الكثير من الأطفال المعذبين، وأنه يتذكر كل واحد منهم، لا سيما امرأة كانت لا تزال تمسك بطفلها بحضنها عندما ألقيت جثثهم في الخندق.

وتابع، “ذات يوم، ذهبت إلى مستشفى تشرين العسكري في دمشق، حيث تعالج الجثث قبل دفنها في مقابر جماعية، ورأيت جثة فتاة صغيرة، عمرها حوالي 6 أو 7 سنوات، كشف جسدها الصغير عن آثار تعذيب مروع، فاقترب مني طبيب المستشفى وأخبرني أنه أمر بأن يكتب بأنها ماتت بسكتة قلبية، إلا أنها توفيت نتيجة للاغتصاب المستمر الذي تعرضت له على أيدي 11 من أعضاء جهاز المخابرات”.

وأكد الشاهد لأعضاء الكونغرس الأميركي، أنه “لم يتغير شيء في سوريا طوال هذه السنوات، فالشعب السوري تحت التهديد، وإدارة الأسد ليست أقل وحشية”، مضيفا “كم مرة يجب أن يجلس شاهد على جرائم الحرب أمامكم، ويصف فظائع نظام الأسد، أتمنى من خلال مشاركة قصتي، قد تثير شيئاً بداخلكم، وربما تجدد الأمل في مستقبل سوريا”.

و“حفار القبور” هو اسم رمزي يستخدمه الشاهد بسبب التهديدات المستمرة ضده وعائلته، حيث تولى مهمة دفن جثث القتلى تحت التعذيب في المقابر الجماعية بين عامي 2011 ومطلع 2018، وتمكن من مغادرة البلاد لاحقا، ليدلي بشهادته أمام المحاكم متنكرا، مخبئا وجهه خلف قناع لوجود بعض أفراد عائلته في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.