خلال ثمان جولات، لم يحدث أي تقدم حقيقي للمشهد القائم من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، فعلى الرغم من الهدوء الذي ساد جلسات المجموعات الصغيرة من اللجنة الدستورية السورية الأخيرة، كان هناك شبه إجماع على عقد الجلسة المقبلة في الربع الأخير من تموز/يوليو، ومحاولة جعل الاجتماعات شهرية.

عدم إحراز تقدم يذكر نحو التوصل إلى حل سياسي للمشكلة السورية، والدوران في حلقة مفرغة، عبّر عنه الرئيس السوري، بشار الأسد، أمس الخميس، خلال لقاء مصور مع قناة “روسيا اليوم”، بأنه “لا يمكن أن يكون هناك استقرار بدستور يتعارض مع رغبات الشعب”، وهذا يعكس وجهة نظر دمشق حول الاجتماعات التي ترعاها الأمم المتحدة مع المعارضة السورية، فهل حسم الأسد مستقبل جولات الحل السياسي السوري.

صلاحيات الرئيس خط أحمر

الإصلاحات السياسية، وعمل اللجنة الدستورية، وصفها الأسد، بأنها موضوع مختلف تماما، عمّا يسعى إليه من إصلاحات داخلية، مضيفا “إذا تحدثنا عن اللجنة الدستورية فالمطلوب هو الوصول إلى دستور، الدستور- حسب المفترض – يعبّر عن رغبات، أخلاقيات، تطلعات، ثقافة الشعب السوري كحل وسط بين مختلف الشرائح والتيارات الموجودة في هذا المجتمع”.

وتابع الأسد، “إذا أردنا أن نصل إلى هذه النتيجة فنحن نتحدث منطقيا عن حوار بين السوريين، إذا افترضنا بأن هناك طرفين في هذه الحالة، ولكن في موضوع اللجنة الدستورية نحن نتحدث عن طرفين: الأول تم اقتراحه من قبل الحكومة السورية، وهو لا يمثل الحكومة السورية وليس موظفا فيها وبالتالي هم ليسوا موظفين دبلوماسيين، ولكن موافق عليهم، أو يمثل وجهة نظر الحكومة السورية، وهناك طرف آخر عين من قبل تركيا”.

واتهم الرئيس السوري، الطرف المعارض بتبعيته لتركيا، قائلا “هنا تكمن المشكلة، لذلك لا نصل لشيء، لأن الطرف الأول يعبر عن تطلعات الشعب السوري، أما الطرف الآخر فهو يعبر عن تطلعات الحكومة التركية، بكل بساطة”.

وعن  مخاوف دمشق بأن تأتي اللجنة الدستورية بما يتداخل مع صلاحيات الرئيس، أجاب الأسد، بأنه “أي شيء يتفق عليه السوريون هو صحيح، وأي دولة تأتي بأي شكل يجب أن تسير بالطريقة التي يحددها الدستور الجديد، هذا موضوع محسوم، لا يمكن أن يكون هناك استقرار بدستور يتعارض مع رغبات الشعب”.

وحسم الأسد مصير النتائج التي ستتوصل لها اللجنة، بأنها ستعود لاستفتاء شعبي، و”لن يأتي إلى الحكومة لكي تصدر دستورا، هذا الموضوع محسوم، فهو يعكس الشعب ورغبات الشعب، إما أن ينجح أو يسقط الدستور”.

عرقلة وتعطيل محسوم

من خلال نتائج الجولات الماضية، يرى مراقبون أن ممثلو اللجنة الدستورية في جنيف ضيعوا الوقت في مناقشات لا داعي لها حول قضايا هامشية، ومع وصول عمل اللجنة الدستورية إلى طريق مسدود، فإن الحل السياسي الذي يأخذ مطالب المعارضة في الاعتبار هو مجرد خيال في هذه المرحلة.

السياسية والباحثة الأكاديمية، وعضو اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، قالت إن “عدم فعالية اللجنة الدستورية تتعلق بحالة استقطاب كلا الطرفين المهيمنين على مسارها، وتصريحات بشار الأسد ليست سوى تأكيد على حالة العدمية السياسية بين الطرفين، ومحاولة لتبرئة الطرف الحكومي من العرقلة والتعطيل”.

وأوضحت مبيض، أن هذا التصريح لا يعتبر مستجدا، ففي بداية انطلاق اللجنة الدستورية قلل الأسد من دورها وتبرأ حتى من الوفد المسمى من قبل الحكومة، كما تكررت اتهامات متبادلة من هذا المستوى المتردي ذاته بين أعضاء اللجنة المصغرة ضمن حواراتهم أو على هوامشها، وفق حديثها.

وتابعت مبيض، “أعتقد أن هذه المجريات تدل على واقع التعطيل الحاصل في العمل الدستوري وفق تركيبة اللجنة المصغرة المهيمن عليها من قبل النظام والمعارضة، والذي يحاول ضمنها كلا الطرفين إلقاء اللوم على الطرف الآخر، وفرض سرديته والسعي لتثبيت مكاسبه من الصراع المسلح بشكل دستوري  على حساب السوريين ومعاناتهم”.

وترى مبيض، أنه وبغض النظر عن هذه التصريحات وعن الاتهامات المتبادلة بالعمالة بين أعضاء اللجنة المصغرة، فقد أدركت كافة الأطراف المتابعة والميسرة للعملية الدستورية، أن الطريق مسدود بهذه الآليات وبهذه المساعي إلى تقاسم السلطة بين قوى الصراع القائمة، وأن مسار الاستقرار يتطلب تحييد هذه الأطراف عن استلاب صوت السوريين والسعي لمسار مؤسس لدولة سوريا الحديثة، عبر كتلة مدنية حيادية تجاه جميع القوميات والمذاهب، وتسعى لدستور يثبت أسس مواطنة متساوية.

وذكرت مبيض، أن وضع اللجنة المصغرة اليوم لا يحقق هذه المطالب؛ بسبب هيمنة تيارات ذات خلفيات قومية أو دينية أو أيديولوجية على مفاصله والدفع لإعادة تدوير المنظومة السابقة بكافة أطرها القمعية المتشددة، وما أنتجته من تطرف ودمار لحق بسوريا وأهلها على مدى عقود طويلة.

مسلسل بحلقات متكررة

في ختام الجولة الثامنة، قال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، إن الجولة الثامنة من المحادثات بشأن دستور جديد لسوريا اختتمت أمس الجمعة، ولم تحرز الأطراف المتنافسة تقدما يذكر، لكن الدبلوماسي النرويجي، ذكر أن الوفود أحرزت تقدما ضئيلا.

وناقشت المحادثات المبادئ الدستورية، بما في ذلك الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها، وسيادة الدستور، وتسلسل الاتفاقيات الدولية، والعدالة الانتقالية، وتم قضاء يوم واحد في مناقشة مسودات النصوص الدستورية الخاصة بكل مبدأ والتي قدمها أحد الوفود.

وبالرغم من مشاركة دبلوماسي إيراني رفيع المستوى في الجولة الثامنة، ومناقشة المبعوثون الممثلون لإيران وروسيا وتركيا والأمم المتحدة نتائج المفاوضات حول الدستور السوري، إلا أن مكتب بيدرسن، قال في بيان، “ظلت الخلافات كبيرة، وفي البعض الآخر، كانت هناك نقاط مشتركة، وفي الوقت نفسه، حدد المبعوث الخاص بطء وتيرة العمل، واستمرار عدم القدرة على تحديد وإبرام المجالات الملموسة للاتفاق المؤقت، باعتبارها مجالات يوجد فيها مجال كبير للتحسين”.

الجدير ذكره، أن آراء الشارع السوري، تصب في أن مسار الحل السياسي في سوريا، بدأ يواجه خطر النسيان على الصعيد الدولي، وذلك تزامنا مع الفشل المستمر لمسار اللجنة الدستورية السورية، التي برأيهم أنها تساهم في زيادة استعصاء مسار الحل السياسي، بعدما فشلت جميع جولاتها في تقديم رؤية توافقية عن الحل السياسي في البلاد، أو رؤية مشتركة للخروج بدستور جديد، في وقت لم يتم فيه التوجه الجاد نحو البدء بتفعيل خطوات فاعلة وملموسة نحو انتقال سياسي حقيقي في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.