لا تنفك الحكومة التركية مؤخرا عن اتخاذ إجراءات وقرارات جديدة يحسبها العديد من المراقبين لأوضاع السوريين في تركيا ضمن خانة التضييق على اللاجئين السوريين المتواجدين على أراضيها، إذ أطلقت جملة من القرارات تُقيّد منح السوريين حق اللجوء والإقامة وتحدّ من تواجدهم في مناطق معينة من البلاد، في خطوة قد تؤدي إلى زيادة استخدام ملف اللاجئين السوريين كورقة سياسية في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في تركيا صيف العام المقبل.

وزير الداخلية التركي قال يوم أمس، إن السوريين في تركيا ممنوعين من زيارة أقاربهم في سوريا خلال عطلة عيد الأضحى في تكرار لتجربة المنع ذاتها خلال عطلة عيد الفطر، كذلك فإن هناك توجه تركي لمراجعة طلبات الإقامة السياحية، فضلا عن تطبيق نظام “الكامب” للاجئين الجدد القادمين من سوريا لتحديد مدى صلاحية منحهم البقاء على الأراضي التركية أو إرجاعهم من حيث أتوا.

وانطلاقا مما سبق يطفو على السطح جملة من التساؤلات، حول ما إذا باتت تركيا تتجه لتشديد الرقابة والضغط على السوريين المقيمين في تركيا أو الجدد الراغبين باللجوء إلى تركيا، ما يدفع للقول أيضا أن أنقرة ضاقت ذرعا باستمرار استعصاء ملف اللاجئين السوريين في تركيا. فهل سيكون هناك حملة مضادة من قبل الحكومة التركية تجاه اللاجئين السوريين بعد أن بدأت المعارضة التركية بشن حملة سياسية ضد حكومة أنقرة من خلال هذا الملف لاستغلاله في الانتخابات المقبلة، وهل الأوضاع تتجه للأسوأ، بحيث بات يتوجب على السوريين البحث عن خيارات بديلة ووجهات جديدة للإقامة بدلا عن تركيا.

تركيا “تراوغ بالقانون”

ضمن السياق ذاته، قال صويلو في مؤتمر صحفي عُقد في أنقرة، “على غرار عيد الفطر لن نسمح للسوريين بزيارة بلادهم في إجازة عيد الأضحى”.

ونوّه صويلو إلى أنه اعتبارا من 1 تموز/يوليو المقبل، سيتم تخفيض معدل تسجيل الأجانب الذين يُمكنهم الإقامة في الأحياء من 25 بالمئة إلى 20 بالمئة، وهكذا يكون قد أغلق 1200 حي أمام إقامات الأجانب، ما يعني أنه لم يعد بإمكان أصحاب الإقامات والحماية المؤقتة من الانتقال وتثبيت عنوان سكنهم في هذه الأحياء.

المحامي السوري غزوان قرنفل، يرى أن “إلغاء زيارة العيد هو العودة إلى الأصل القانوني، وهذا الأصل القانوني ينص على أن من هو لاجئ أو تحت الحماية لا يحق له العودة أو الذهاب إلى بلده الذي فر منه بحثا عن الأمان، وبالتالي أرى أن هذا القرار ينسجم مع الموجبات القانونية، وأنا شخصيا من الرافضين لزيارات العيد منذ زمن بعيد، وقد نبهت الناس بذلك ولكنهم لم يستجيبوا له”.

ويضيف المحامي قرنفل في حديثه لموقع “الحل نت”، “بالنسبة للإقامات السياحية، فالإقامة السياحية ليست حق مكتسب أصلا، أي من يأتي بموجب الفيزا السياحية يبقى شهر أو شهرين، ولا يحتاج إلى إقامة طويلة الأمد، ولكن أن يأتي الناس ويأخذوا إقامات سياحية لفترات طويلة وعلى مدى سنوات فهذا الإجراء يبقى من حق الدولة التركية ويحق لها اتخاذ هكذا إجراءات ومن حقها أن تمنح الإقامات أو لا، وتركيا خصصت عدم منح الإقامات بالنسبة للسوريين القادمين حاليا، وهذا الموضوع وفق اعتقادي هو إعادة ترتيب للوضع القانوني للمقيمين في تركيا”.

وتابع في حديثه، “وبالنسبة لأوضاع اللاجئين في “الكامب”، فإن هذا الإجراء أجده طبيعيا ومن حق الدولة، وهي بدورها تقرر من يحق له أن يقيم في تركيا أو أن يكون ضمن “الكامب” أو العودة إلى المكان الذي أتى منه وربما يكون أتى من مكان أمن في الأساس، ولو طبقت تركيا هذه الإجراءات منذ البداية لما وصل الحال إلى هنا في تركيا”. محملا تركيا مسؤولية هذا التدهور الحاصل للاجئين في تركيا.

قد يهمك: قصة المسنة ليلى محمد تكشف خطر العنصرية ضد السوريين بتركيا

تركيا تريد تنفيذ مشروع “العودة الطوعية”

في حين أعلن الوزير التركي أيضا، عن تفعيل نظام “الكامب” وذلك لتستطيع بلاده السيطرة على موجة هجرة، وقال في هذا الشأن “يأتي الكثير من السوريين وبالتحديد من مدينة دمشق، سنرسلهم إلى إحدى المخيمات في هاتاي، أضنة، مرعش، كِلس أو العثمانية وسيقيمون هناك لمدة محددة ريثما نتحقق من قدومهم وإذا ثبت لنا أنهم أتوا من أماكن لا يوجد فيها حرب سنرحلهم”.

وبالعودة إلى المحامي السوري غزوان قرنفل، أضاف في هذا الصدد: “بالتأكيد هناك إجراءات مشددة على السوريين، مثل قضية إلغاء عشرات الآلاف من بطاقات “الحماية المؤقتة” والإدعاء بأنها تمت بالخطأ، وإذا كان الأمر تم بالفعل في طريق الخطأ، كان من الأفضل إعادة تنشيطه بسهولة، ولكن لم يحصل ذلك”.

وتابع في حديثه لـ”الحل نت”، “تاليا يمكن القول أن هناك قيودا جمة تمارس على السوريين، وكل ذلك بحجة تنظيم الوضع القانوني، ولكن عمليا هذه الإجراءات تضيقية للأسف، مثل تحديد أماكن معينة للعيش للاجئين السوريين ومنع السكن في مناطق أخرى بحجة الاكتظاظ أو أن نسبة السوريين لا يجب أن يتجاوز أكثر من 20 بالمئة من السكان الأصليين (الأتراك)”.

وتابع بالقول “حقيقة هذه الإجراءات هو نوع من التضييق، وفي تقديري له صلة بمشروع العودة الطوعية، لأنه عندما تضيق سبل العيش أمام الناس وتقل احتمالية بقائهم في تركيا وعدم شرعنة عملهم، أي عدم منحهم أذونات عمل، من كل بد سيتجه أو يضطر اللاجئ السوري لمغادرة هذا البلد ومغادرته بمحض إرادته. وقد حدثت عدة حالات مؤخرا نتيجة لذلك”، على حد تعبير قرنفل.

وخلص حديثه بالقول: “بالنسبة للحكومة التركية ومعارضتها، نعم هناك سباق لاستثمار ملف اللاجئين السوريين، وللأسف هناك بعض الإجراءات والقرارات الحكومية التي تأتي وفق رغبة العنصريين الأتراك في البلاد، لأن الحكومة التركية لا تريد أن تخسر في الانتخابات القادمة من أجل اللاجئين السوريين، لذلك طُرح فكرة مشروع عودة مليون لاجئ سوري إلى بلدانهم، وأعتقد أن المشروع سيشمل المزيد، أي أكثر من مليون لاجئ سوري”.

في غضون ذلك، أعلن صويلو، الخميس الفائت، منح سائقي سيارات الأجرة، “صلاحيات التحقق”، من إذن السفر للركاب الأجانب “لكي لا يكونوا واسطة في نقل المهاجرين غير الشرعيين” ما بين الولايات التركية.

وأضاف صويلو وفق ما نقله موقع “خبر” التركي، أن الوزارة ستعمد كذلك إلى وضع كاميرات مراقبة في مواقف الشاحنات، لمنع نقل “المهاجرين غير الشرعيين”، الذين “يختبؤون بها سرا”.

تزايد العنصرية؟

وحول تنامي ظاهرة العنصرية ضد السوريين في تركيا إلى حد فاق أي تصور ومنطق، يرى الحقوقي السوري، والمهتم بقضايا اللاجئين السوريين، طه الغازي أن “ظاهرة العنصرية ضد السوريين تنامت في الفترة الأخيرة بالتزامن مع اقتراب الانتخابات التركية المقبلة منتصف العام المقبل، وهو وضع أصبح نموذجيا يبدو مع كل حالة انتخابية في تركيا، سواء كانت انتخابات محلية على مستوى البلديات أو على المستوى الرئاسي”.

وفي اعتقاد الحقوقي الغازي، الذي تحدث لـ”الحل نت” خلال وقت سابق، أن هذه الظاهرة تعتمد على ثلاثة عناصر أساسية؛ الأولى أن الشخصيات والتيارات في تحالف المعارضة التركية كانت ولا تزال تحرض على خطاب الكراهية والتمييز العنصري ضد اللاجئين في تركيا.

أما العنصر الثاني وفق الحقوقي السوري، هو غياب دور الحكومة التركية في استجواب ومعاقبة ومحاكمة كل من يسيء إلى اللاجئين السوريين ويحرض عليهم، حيث تعاملت الحكومة التركية في السنوات الماضية باللامبالاة تجاه السوريين هناك، وهذا هو الدور الأبرز الذي لعب في تنامي ظاهرة العنصرية ضد اللاجئين السوريين، وفق حديث الغازي.

الحقوقي السوري أضاف بقوله: “لو اتجهت السلطات التركية لمحاسبة أي فكر أو خطاب عنصري منذ البداية لما وصلت الأمور إلى هذا المستوى”. وتساءل الحقوقي السوري أثناء حديثه “لماذا لا يتم تطبيق المواد القانونية المرتبطة بخطاب الكراهية عليه وعلى غيره”.

أما العنصر الثالث وفق الغازي فيتمثل بغياب دور مؤسسات وهيئات ولجان المعارضة السورية المتواجدة في تركيا، بالإضافة إلى غياب دور المنظمات المدنية السورية العاملة في تركيا، بمعنى أنها بعيدة ومنفصلة عن واقع اللاجئ السوري.

يذكر أن عدد السوريين في تركيا يبلغ نحو 3.8 مليون، يقيم معظمهم في ولايات اسطنبول وغازي عنتاب وهاتاي وشانلي أورفا وأنقرة وكلس وغيرها.

قد يهمك: ملف اللاجئين السوريين في تركيا أمام عدة سيناريوهات.. ما هي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.