في خضم التوترات والصدامات السياسية المباشرة والعسكرية المباشرة وغير المباشرة، والخطاب العدائي المتزايد الذي يقوم به كل من الروس والصينيين في مناطق عدة حول العالم، تزداد مخاطر سباق التسلح النووي إلى مستويات غير مسبوقة لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة منذ أكثر من 35 عاما.

معهد “ستوكهولم الدولي لبحوث السلام”، أظهر في تقرير نُشر اليوم الاثنين، أن عدد الأسلحة النووية في العالم سيرتفع في العقد المقبل بعد 35 عاما من التراجع، وسط تفاقم التوترات العالمية والغزو الروسي لأوكرانيا.

ما يدفع للتساؤل حول الأسباب التي تؤدي إلى تزايد التسلح النووي في العالم، والدور الروسي السلبي حيال ذلك، وأيضا تهديدات الصين بغزوها لتايوان، وكذلك دور كوريا الشمالية المبتعد عن التعاون الدولي، إلى جانب تأثير استعصاء الاتفاق النووي الإيراني ورغبة طهران وطمعها بتوسيع نفوذها في المنطقة وزيادة نشاطها في تخصيب اليورانيوم وامتلاكها للسلاح النووي.

روسيا كانت إحدى الدول المسلحة نوويا تهديدات صريحة باستخدام الأسلحة النووية مؤخرا بعد زيادة غرقها في المستنقع الأوكراني، وعلى طرف آخر، كثفت الصين من تهديداتها العسكرية ضد تايوان؛ حيث أرسلت عددا من الطائرات الحربية إلى منطقة الدفاع الجوي في تايبيه وأجرت مناورات عسكرية تحاكي بقرب غزو للجزيرة.

وفي سياق مواز فإن ما يزيد من مخاطر عودة التسلح النووي مجددا، هو تخلي بعض الدول المسلحة نوويا عن الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بالتخلص من الترسانات الحالية، بل أنها قد تذهب لتطوير أسلحة نووية جديدة، فضلا عن مساعي دول جديدة لامتلاك أسلحة نووية مثل إيران التي تزعزع الاستقرار في المنطقة وتسعى لتوسيع نفوذها، في الوقت الذي يستعصي فيه الحل داخل أروقة مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي يضع العالم على خيط رفيع جدا من خطر سباق تسلح نووي جديد.

الخلل يكمن في معاهدات الأسلحة النووية

أوائل العام الجاري كانت لدى القوى النووية التسع (بريطانيا والصين وفرنسا والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية وباكستان والولايات المتحدة وروسيا) 12 ألفا و705 رؤوس حربية نووية، أي 375 رأسا أقل مما كانت عليه أوائل عام 2021، وفق تقديرات معهد “ستوكهولم”.

وبحسب المعهد السويدي، فقد انخفض العدد الإجمالي للرؤوس النووية الذي فاق عددها 70 ألفا في عام 1986، وذلك بعد أن خفضت كل من الولايات المتحدة وروسيا تدريجيا ترساناتهما الهائلتين اللتين تراكمتا خلال الحرب الباردة.

لكن باحثين من معهد “ستوكهولم” قالوا إن عصر نزع الأسلحة يقترب من نهايته على ما يبدو، محذرين من أن خطر حدوث تصعيد نووي هو الآن في أعلى مستوياته في فترة ما بعد الحرب الباردة.

وضمن هذا السياق، يرى الباحث في “المعهد الدولي للدراسات الإيرانية”، محمود حمدي، أن “من عيوب معاهدة حظر الانتشار النووي هو غموض مبدأ التمديد اللانهائي للمعاهدة، حيث أنه لن يؤدي إلى تحقيق الهدف الوارد في المادة السادسة والذى ينص على تعهد الدول الأطراف باتخاذ تدابير فعّالة لوقف سباق التسلح النووي، ونزع السلاح النووي بصورة عامة في ظل وجود رقابة دولية وفعالة”.

وأردف في حديثه الخاص لموقع “الحل نت”، أن “التمديد اللانهائي للمعاهدة سيؤدي إلى استمرار ملكية الدول النووية المعلنة وغير المعلنة للسلاح النووي إلى الأبد، وبالتالي فشلت هذه المعاهدة في إحراز أي تقدم على صعيد نزع السلاح من قبل الدول النووية”.

ووفق تقدير حمدي، فإنه مع الحرب الأوكرانية والتنافس الصيني-الأميركي، وعودة المنافسة الاستراتيجية على الساحة الدولية عاد الحديث من جديد حول سباق تسلح نووي، لا سيما بعد أن هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام السلاح النووي في حالة تعرض بلاده لتهديد حقيقي، وبعدما حرك بالفعل غواصات تحمل رؤوسا نووية باتجاه المياه الأوروبية في تهديد صريح وواضح، وبالتالي بدأ الأوروبيون يعيدون النظر في سياساتهم النووية، من أجل إحداث توازن مع الروس.

في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي ميّار شحادة، أن “هناك توترات بين الدول المسلحة نوويا وهذه التوترات منذ سنوات، لكن الذي حافظ على لحظة منخفضة من التسلح النووي هو اتفاقية صواريخ المدى المتوسط ​​والبعيد بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، والتي ظلت سارية المفعول حتى انسحاب واشنطن منها في عهد إدارة دونالد ترامب، وفي المقابل انسحب بوتين أيضا”.

ومن المؤكد وفق حديث المحلل السياسي لـ”الحل نت”، فإن تزايد القلق الدولي بشأن الأسلحة النووية يأتي من التهديدات الأخيرة التي أطلقتها بعض الدول مثل روسيا وكوريا الشمالية، وبالتالي يأتي دور الحرب في أوكرانيا لأن أوكرانيا تعتبر مخزنا كبيرا للأسلحة النووية نتيجة استخدام الأراضي الأوكرانية لتخزين وإجراء التجارب النووية من قبل الاتحاد السوفيتي سابقا، لذلك في الوقت الحاضر، من المرجح أن يتم استخدام أوكرانيا مرة أخرى للأغراض العسكرية والبيولوجية، خاصة أنها قريبة من البحر الأسود.

وبالنسبة لتايوان، فهي تقع في بحر الصين الجنوبي وهذا البحر الذي يوجد حوله خمس دول، ونظرا لوجود أزمات قديمة إزاءه منذ ما قبل حرب العالمية الثانية، الأمر الذي يرجح عودة السباق التسلح النووي مرة أخرى.

قد يهمك: الصين في مأزق بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا؟

القوى المتوسطة لديها طموح مماثل

وبحسب معهد “ستوكهولم”، فإنه بعد انخفاض وصفه بأنه “هامشي” العام الماضي، من المتوقع “أن تنمو الترسانات النووية خلال العقد المقبل”.

إن التنافس الاستراتيجي مع الصين، وسعي الصين إلى أن تصبح القوة العالمية الأولى في 2050 قد دفعها إلى تطوير قدراتها النووية، بحيث تتقارب مع الولايات المتحدة.

ووفق اعتقاد الباحث في “المعهد الدولي للدراسات الإيرانية” الذي تحدث لـ”الحل نت”، فإن التنافس النووي لا يشمل فقط القوى الكبرى المتصارعة على قمة النظام العالمي، بل إن القوى المتوسطة لديها طموح مماثل، ومنطقة الشرق الأوسط أحد الأقاليم التي يتنامى فيها الطلب على امتلاك سلاح نووي، لا سيما في ظل امتلاك بعض الدول مثل إسرائيل للسلاح بصورة فعلية واقتراب دول أخرى مثل إيران من تخطي العتبة النووية وهو ما دفع دول الخليج نحو تبني خطط لامتلاك برامج نووية، وربما ذات طابع عسكري في المستقبل في حال حدث خلل في ميزان القوة لصالح إيران.

إضافة إلى ذلك فإن أزمة الطاقة التي نجمت عن الغزو الروسي لأوكرانيا قد تدفع العديد من الدول لا سيما في شمال أوروبا وشرقها على تخوم روسيا نحو إنشاء برامج نووية سلمية أو غير سلمية أولا بغرض تحقيق توازن قوة في مواجهة روسيا ومواجهة أطماعها (موسكو) التوسعية، وثانيا من أجل تعويض النقص في مصادر الطاقة وإيجاد بدائل عن الغاز الروسي، على حد تقدير حمدي.

أما المحلل السياسي ميّار شحادة، فيرى أن “إيران بعد أن امتلكت بعض التطورات في ملفها النووي، تتهرب الآن وتبتز الغرب بشأن ذلك، وملف إيران يتخذ حاليا شكل الاستعصاء لأن إيران تمتلك ما يقرب من 60 بالمئة من الأسلحة النووية و6 مفاعلات نووية، وبالتالي باتت قريبة جدا من امتلاك سلاح نووي”.

ورغم دخول معاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة النووية حيز التنفيذ أوائل 2021 وتمديد معاهدة “ستارت الجديدة” (نيو ستارت) الأميركية الروسية لمدة 5 سنوات، فإن الوضع يتدهور في الفترة الأخيرة، وفقا لمعهد “ستوكهولم”. وما يثير القلق أيضا من بين أمور أخرى هو برنامج إيران النووي وتطوير صواريخ فرط صوتية بشكل متزايد.

القوى النووية العالمية

تمثل موسكو وواشنطن وحدهما 90 بالمئة من الترسانة النووية في العالم. ولا تزال روسيا -وفقا لمعهد ستوكهولم- أكبر قوة نووية بامتلاكها 5977 رأسا حربيا في أوائل عام 2022، ويشير المعهد إلى أن أكثر من 1600 من رؤوسها الحربية النووية الروسية يُعتقد أنها جاهزة للاستعمال.

أما الولايات المتحدة فتمتلك 5428 رأسا حربيا، أي أقل بـ120 من العام الماضي، لكن لديها رؤوس منتشرة أكثر من روسيا، ويبلغ عددها 1750، ومن ناحية الأرقام الإجمالية، تأتي الصين في المرتبة الثالثة بامتلاكها 350 رأسا حربيا نوويا، تليها فرنسا وتملك 290، ثم بريطانيا ولديها 225، تتبعها باكستان وتملك 165 رأسا نوويا، تعقبها الهند ولديها 160، وأخيرا إسرائيل بامتلاكها 90 رأسا حربيا نوويا.

أما بالنسبة لكوريا الشمالية، فإن نظام كيم جونغ أون يمتلك للمرة الأولى الآن 20 رأسا نوويا، ويُعتقد أن بيونغ يانغ لديها ما يكفي من المواد لإنتاج حوالي 50 رأسا.

وأضاف التقرير أن الصين في خضم عملية توسيع كبيرة لترسانتها من الأسلحة النووية، والتي تشير صور الأقمار الاصطناعية إلى أنها تشمل بناء أكثر من 300 صومعة صواريخ جديدة. ووفق “البنتاغون” (وزارة الدفاع الأميركية)، يمكن أن يكون لدى بكين 700 رأس حربي بحلول عام 2027.

قد يهمك: ما علاقة الصين بإيقاف الاتفاق النووي مع إيران؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.