انتشرت مخازن السلاح العراقي داخل المناطق السكنية بشكل لافت بعد عام 2003، ومع بداية كل صيف يسترجع الناس مخاوفهم من انفجارها، نظرا لارتفاع درجات الحرارة، الذي يحوّل هذه المخازن إلى قنابل موقوتة، قد تودي بحياتهم.

وشهد العراق، ما بين صيفي 2016 و2018، انفجار ثلاثة مخازن للأسلحة في جنوب وشرق العاصمة بغداد فقط. كان آخرها انفجار إحدى المستودعات الموجودة داخل حسينية في مدينة الصدر، ما أدى لمقتل عشرة أشخاص، وإصابة تسعين آخرين، إضافة لأضرار بالممتلكات الخاصة والعامة، وتدمير مدرسة ابتدائية قريبة من مكان الانفجار.

فيما شهد عام 2019 لوحده انفجار خمسة من مخازن السلاح العراقي في مناطق متفرّقة من البلاد، وكذلك الأمر في صيف عام 2020. أما العام الماضي فقد شهد، خلال شهر تموز/يوليو، انفجار مخزن للأسلحة، يعود لفرقة “الإمام علي”، التابعة للحشد الشعبي في محافظة النجف.

وتختلف أسباب انفجار مخازن السلاح العراقي، ما بين ارتفاع درجات الحرارة، وافتقارها إلى المستلزمات الأولية للوقاية من انفجارها. ولكن يبقى السؤال: لماذا تصر جهات عراقية، رسمية وشبه رسمية، على تخزين سلاحها وسط الأماكن السكنية؟

لمن تعود مخازن السلاح العراقي؟

تزايد انفجارات مخازن السلاح العراقي يدفع إلى السؤال عن عائديتها والمسؤولين عنها، إذ يستبعد الباحث السياسي والأمني مجاهد الطائي “علاقتها بالقوات الأمنية العراقية، خاصة وأن الأخيرة تمتلك معسكرات خاصة لتخزينها، تتموضع غالبا بعيدا عن المدن والمناطق السكنية”. وتاليا يؤكد الطائي، في حديثه لـ”الحل نت”، أنها “تعود للميليشيات المسلحة المنتشرة في البلاد”.

مصدر أمني في قيادة عمليات بغداد أكد لموقع “الحل نت” هذا الرأي. وأضاف إن “بعض هذه المخازن مملوكة للحشد الشعبي، الذي تقوم فصائله بتخزين سلاحها داخل مناطق نفوذها، التي غالبا ما تكون في المناطق الشعبية الآهلة بالسكان”.

ويشير المصدر، الذي اشترط عدم نشر اسمه، إلى “علاقة بعض الأحزاب السياسية بهذه الظاهرة، نظرا لاحتفاظها بخزين عسكري هائل، داخل مقراتها الموجودة في المناطق السكنية”.

متابعا أن “الظاهرة تجاوزت الحشد الشعبي والأحزاب السياسية، فقد تورط بعض المواطنين فيها، خاصة أبناء العشائر، الذين يعمدون لتخزين العتاد والأسلحة الثقيلة في منازلهم”.

لماذا يتم تخزين السلاح في المناطق السكنية؟

الزيادة الحاصلة في انفجارات مخازن السلاح العراقي, دفعت برئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي الى الايعاز بنقل كافة المخازن إلى خارج المدن، بما لا يقل عن عشرين كيلو مترا، وهو ما أهملته الفصائل المسلحة، إضافة الى حكومة عادل عبد المهدي، فيما تتجنب حكومة الكاظمي تطبيقه، خوفا من الخوض في صراعات سياسية جديدة. بحسب إفادات كثير من المختصين.


ويشير مصدر أمني في مديرية استخبارات بغداد لموقع “الحل نت” إلى “وجود أكثر من مئة مخزن للسلاح داخل العاصمة بغداد وحدها، إضافة الى وجود مستودعات أخرى غير مصرح عنها، يرجع معظمها للفصائل التابعة للحشد الشعبي”.

مجاهد الطائي يؤكد أن “إصرار الجماعات المسلحة على تخزين أسلحتها داخل المناطق السكنية ينبع من رغبتها بتجنب ضبط تلك الأسلحة، أثناء نقلها من خارج المدن الى داخلها. وتاليا فإنها تتجه لتخزينها بالقرب من المناطق التي ترغب باستهدافها، مثل المعسكرات الأميركية والمطارات”.

ويعتقد الطائي بـ”عدم وجود أي دلائل، تؤكد نقل مخازن السلاح العراقي، التابعة للحشد الشعبي، الى خارج المدن”. مشيرا إلى أن “حرارة الصيف ستكشف عن هذا الأمر بعد حلول الكارثة، كما كان يحصل في السنوات الماضية”.

الباحث الأمني علي عبد الإله يرى أن “تخزين الفصائل لأسلحتها في المناطق السكانية يأتي بسبب رغبتها بتفادي الضربات الجوية المحتملة. خاصة وأنها تعتقد أن القوات الأميركية، أو التابعة للتحالف الدولي، لن تستهدف المناطق السكنية”. ما يدفعه لوصف هذا الأمر بـ”استغلال الفصائل للمواطنين بوصفهم دروعا بشرية”.

كما يعرب عبد الإله، في حديثه لـ”الحل نت”، عن اعتقاده بأن “للخلافات السياسية دورا في انفجار مخازن السلاح العراقي، إذ تحاول الأحزاب السياسية إحراج خصومها، من خلال تفجير المخازن التابعة لهم أو لأذرعهم العسكرية. وهو اعتقاد يبرره تكرار تلك الحوادث، بوتيرة أشبه بالعمليات المدروسة والمخطط لها”.

يذكر أن الحكومة العراقية بدأت عددا من التحقيقات، على أثر حوادث انفجار مخازن السلاح العراقي، ولكن لم يتم إعلان نتائجها، أو تحديد المسؤولين عن تلك الانفجارات.

الآثار النفسية والاجتماعية للانفجارات

“إن انفجار مخازن السلاح العراقي، سواء بسبب الخلافات السياسية، أو ارتفاع درجات الحرارة وسوء التخزين، يلقي بظلاله على المواطن العادي، بما يزيد من همومه الناتجة عن باقي الأزمات السائدة في البلاد. فإضافة الى ما تسببه هذه الظاهرة من خسائر بأرواح المواطنين وممتلكاتهم، يترتب عليها عديد من الآثار النفسية، الناتجة عن الخوف المستمر من الموت”، بحسب الباحث الاجتماعي علي العبودي.

ويوضح العبودي لموقع “الحل نت” أن “هذا الضرر النفسي يبدو واضحا في ارتفاع حدة المشاكل الاجتماعية، الناتجة عن اليأس والقلق، مثل العنف المفرط والسلوك الإجرامي داخل المناطق الشعبية، التي غالبا ما تضم مقرات الأحزاب السياسية ومخازن السلاح العراقي”.

 وينوّه إلى أن “هذا القلق المستمر من الموت يعتبر أحد أبرز الدوافع المؤدية الى الإدمان والانتحار، وهما ظاهرتان منتشرتان بشدة في المناطق الشعبية”.

وكان مواطنون قد أطلقوا هاشتاغ #ابعاد_العتاد_عن_المدن و #اخلاء_المدن_من_مخازن_السلاح على وسائل التواصل الاجتماعي، للضغط على السلطات، ودفعها لإنهاء ظاهره تخزين السلاح العراقي في المناطق السكنية، ولكن دون جدوى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.