وصلت مؤخرا قوات مظلية روسية إلى شمال شرقي سوريا، في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لبدء عمليتها العسكرية المحتملة في مناطق من الشمال السوري حيث يتواجد فيها النفوذ الروسي (تل رفعت ومنبج). التحرك الروسي الأخير يأتي بعد قبول تركيا انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “شمال الأطلسي” (الناتو) في قرار اعتبره مراقبون بأنه سيولد صراعات جديدة بين الروس والأتراك، كون قرار أنقرة الأخير يضر بمخططات روسيا.

تشير التطورات غير المباشرة، إلى أن هناك “ثأر” روسي من تركيا قد يظهر من خلال مواجهة أي تصعيد عسكري تركي عبر عمليتها العسكرية التي تهدد بها أنقرة، خاصة وأن الرفض الروسي للعملية العسكرية ما يزال مستمرا، لا سيما وأن روسيا لم ترد بشكل مباشر أو تعلن موقفها رسميا من قرار أنقرة الأخير بخصوص “الناتو”.

انقلاب أردوغان على بوتين؟

في آخر اجتماع لمجموعة “أستانا” بشأن سوريا، حاولت روسيا وإيران في إعلان مشترك، تهدئة تركيا من خلال إعلان “رفض الحكم الذاتي في شمال شرق سوريا” وهو أحد البنود المعتادة في البيانات الختامية ضمن اجتماعات مسار “أستانا”، إلا أن موافقة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على رغبات روسيا ومطامعها بعد غزوها لأوكرانيا، حينما وافق على توسيع حلف “الناتو” ودخول فنلندا والسويد، يعتبر وفق مراقبين بمثابة “الانقلاب” على موسكو التي على ما يبدو ستعيد حساباتها مع تركيا، لا سيما في الملف الملف السوري.

يعد الملف السوري، من أبرز الملفات التي يتشارك فيها الروس والأتراك والإيرانيون، وحتى الآن فشلت تركيا في حشد الدعم الروسي والإيراني لتدخل عسكري جديد في شمال سوريا، وازدادت العراقيل أمام أنقرة، بعد تساهلها وتغاضيها عن المخاوف الروسية في توسيع حلف “الناتو”، حسب المحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف.

ووفقا لحديث ماتوزوف، لـ”الحل نت”، فإن موسكو أوضحت للأتراك أن خطة التدخل التركية غير منطقية وغير عقلانية، وأن تصعيد التوتر وحصول مواجهة عسكرية جديدة في تلك المناطق لن تجعل روسيا تغض الطرف عنها، وهو بالتأكيد تصرف “في مقابل قيام تركيا بقبول انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو” وفق الدبلوماسي الروسي السابق.

ماتوزوف لفت إلى أن روسيا اتخذت عددا من الخطوات في إشارة إلى التضامن مع الجيش السوري ورفضها للعملية التركية، بما في ذلك مناورات عسكرية مشتركة في جنوب إدلب مؤخرا؛ ونشر دبابات ومدرعات وأسلحة مضادة للطائرات وصواريخ في قاعدة بالمنطقة نفسها. كما أرسلت روسيا ثماني طائرات عمودية إلى قاعدة “أبو الظهور” شرقي إدلب، وأغرقت الطائرات والمروحيات الروسية في سماء المدن الشمالية الشرقية مثل القامشلي وتل تمر وعامودا والدرباسية.

ومن أجل توضيح موقف موسكو من تهديد تدخل أنقرة، لأن ردود أفعالها الأولية كانت أكثر ليونة وأكثر تناقضا مقارنة بالتوترات المماثلة في الماضي، فقد سمحت موسكو للإيرانيين بنشر تعزيزات في محيط تل رفعت ونقل القوات الموالية لها من دير الزور إلى قاعدة “النيرب” شرق حلب.

مسار جديد في سوريا؟

رغم الترجيحات التركية بقرب عمل عسكري مباشر في شمال سوريا، إلا أن التحليلات تشير إلى أن أنقرة أوقفت عملياتها في الوقت الحالي، نتيجة استمرار الرفض الروسي وغياب أي توافق في هذا الصدد، فضلا عن الموقف الأميركي الرافض بحزم لأي عملية عسكرية خلال الوقت الحالي.

وعبرت روسيا بشكل غير مباشر عن رفضها، من خلال إجراء تدريبات في ريف الحسكة الشمالي الغربي شرقي نهر الفرات، مع قوات الحكومة السورية و”قسد”، كل على حدة، كما خطى الروس خطوة أخرى بإرسال مقاتلة من طراز “سوخوي سو 57” إلى مطار القامشلي، غير البعيد عن الحدود السورية التركية، في مؤشر واضح على استياء موسكو من تصرفات أنقرة إزاء احتمالية قيامها بأي عملية عسكرية دون موافقتها.

وعليه يرى المحلل السياسي الروسي، أنه “بعبارة أخرى، كانت روسيا وإيران ترفضان التدخل التركي بأفعالهما على الأرض، وأي توقع بتراجعهما في محادثات سابقة بات غير واقعيا بعد موافقة تركيا على توسيع حلف الناتو، وعلى الرغم من أن البيان الختامي لأستانا قد تطرق بشكل بارز إلى مخاوف تركيا، إلا أن المسار الجديد الذي تحدده موسكو يرفض التدخل العسكري التركي في سوريا”.

قوات مظلية روسية

في تطور لافت، كشفت وسائل إعلام روسية، صباح اليوم الاثنين، عن وصول قوات عسكرية تابعة لفرقة المظليين التابعة للجيش الروسي إلى شمال شرقي سوريا، حيث نشرت صفحة “النطاق الروسي” على منصة “تلغرام” معلومات عن نقل روسيا لفرقة المظليين إلى منطقة القامشلي في سوريا.

وأرفقت الصفحة المعلومات بصور خاصة حصلت عليها، وقالت “وصلت قوات عسكرية مظلية روسية إلى منطقة القامشلي السورية، حيث شهدت الأجواء في تلك المنطقة نشاطا جويا من خلال هبوط طائرات نقل عسكرية روسية نقلت أكثر من 500 جندي مظلي روسي”.

وأضافت الصفحة: “بحسب مصادر خاصة، يهدف وصول هذه الفرقة العسكرية لمواجهة العصابات المسلحة المدعومة من تركيا التي أعلنت في وقت سابق عن إطلاق عملية عسكرية شمالي سوريا”.

وتعليقا على هذه الأنباء، رفض وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو مجددا، محاولات روسيا لثني أنقرة عن تنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا، وذلك في مقابلة أجرتها معه قناة “إن تي في” التركية، اليوم الاثنين، واعتبر وزير الخارجية التركي، أنه لا يحق لروسيا والولايات المتحدة قول أي شيء لبلاده، وأضاف: “نحن غير راضين عن الخطوات التي تتخذها روسيا، ونتحلى بالشفافية حيال ذلك”.

وبحسب ما رصده “الحل نت” في تحليلات سابقة، فإن رد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على تركيا الأكثر ترجيحا خارج الملف السوري، هو تهيئة حرب أوروبا القادمة بين اليونان وتركيا، لا سيما بعد توتر العلاقات بين البلدين خلال الشهور الماضية، رغم انخراطهما بنفس الحلف، ففي السنوات التي سبقت حرب أوكرانيا، أصبحت روسيا والصين أكثر نشاطا في شرق البحر المتوسط بمبادرات اقتصادية، ودعم اليونان عن بُعد، وكان التصدي لهذا الأمر يتطلب قيام تركيا بإيجاد طريقة لمصالحة اليونان، وهو احتمال يبدو الآن لا حظوظ له.

ومع عدم أخذ أنقرة التحذيرات الروسية من انضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو” بعين الاعتبار، تشير تحليلات المراقبين، أن هناك تغييرا في مسار العلاقات بين روسيا وتركيا، وقد يتصدى الزعيم الروسي، فلاديمير بوتين، لأي مناورات يقوم بها أردوغان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.